متطلبات واستحقاقات عصر مابعد كورونا:تصورات مبكرة للحالة العراقية
بقلم : د. أحمد عبد الرزاق شكارة
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

من الصحيح قبول مقولة أن عصر ما بعد كورونا ليس كما قبله، ولكن الاكتفاء بإطلاق هذه العبارة فقط دون التحري والتحليل الدقيق لمتطلبات واستحقاقات عصر ما بعد كورونا ليس امرا مجديا، تماما "كهواء في شبك" أو كما يقال "فطيرة في السماء" Pie in the sky .

من هنا، أهمية توضيح بعض التصورات الاولى المهمة للحالة العراقية تتمحور حول رؤية مشروع نهضة عراقية حقيقية يتحقق واقعا في مجالات حياتية متنوعة. إن عصر كورونا وما بعده اورد لنا عدة خصائص او سمات جوهرية منها استمرار حالات العزلة "الحجر الصحي" والركود الاقتصادي – الاجتماعي كنتيجة طبيعية لحالة الانغلاق المجتمعي والاقتصادي للمدن وللقصبات في بلادنا وفي العالم. حالة بائسة محبطة معاشة يوميا ما بين إغلاق، إنغلاق أوعزل إجباري أو طوعي للانسان لمدد طويلة نسبيا مترافقة مع معنويات حينا ترتفع ومرارا تخبو كنتيجة لوجود رغائب يمكن فهمها، وليس تقبلها عموما، من فئات وصلت لمرحلة الجوع الذي لايطاق كما في مناطق عراقية مكتظة سكانيا (الصدر، الشعلة، الطوبجي، الشعب، والحسينية تعد مجرد أمثلة). فئات قسم منها اتجه، او في سبيله فعلا، لكسر كل محرمات الظرف الاستثنائي ممثلا بحالة طوارئ أو منع للتجول الكامل، قد تكون مسألة غير مقبولة وطنيا ولكنها متوقعة او يمكن فهمها عند غياب البديل الاقتصادي المنقذ من براثن البطالة الواسعة والفقر المطلق. من هنا، أضحى صناع القرار في العراق وفي غيره من دول العالم يعيشون حالة محيرة مقلقة جدا Predicament ، فمن جهة لا بد من استمرار كل الاجراءات التي اتخذتها خلية الازمة على صعيد الوطن استمرارا لاعتماد مبدأ الحجر الصحي المطلق والالتزام ايضا بتطبيق ما يرتبط بالحفاظ على بيئة صحية - نظيفة خضراء تقل فيها كثيرا نسب نفاذية ثاني اوكسيد الكاربون في الجو ما تعد مسائل حيوية فعلا للخروج في االنهاية من عنق الزجاجة أو النفق المظلم الذي لانعرف طوله او زمن وصول اول اشعاعات الضياء إليه. الإشكال الاساسي أن منهجا قانونيا - صحيا - سياسيا وامنيا ملزما لنا كبشر دون مسار واضح لانتهائه الاستثنائي، حيث تعد ممارسة حالة الاجتماع الطبيعي - الانساني متطلبا مسبقا واساسيا لرجوع الحياة المجتمعية – الاقتصادية لوضعها الطبيعي مرحلة لم نصل إليها بعد، حيث لم نبلغ حالة الذروة Plateau Level مايعني مزيدا من الضحايا الابرياء عبر اكثر من 180 دولة. في نيويورك يقال إن معالجة الفيروس القاتل سريع الانتشار عالميا "العدو المجهول إلى حد كبير" تتطلب واجبا مشتركا للمواطنين فحواه معنى متناقضا عنوانه الاول Keeping apart "الابتعاد اجتماعيا" عن الآخر بمسافة 1-2 متر تقريبا Social Distancing - مسافة آمنة صحيا – طبيا، وثانيا إطلاق لمفهوم آخر مناقض مفاده "البقاء معا" ":staying together أي العيش المشترك. دولنا وشعوبنا بمقادير وسياقات مختلفة ستستمر معاناتها وتخوفها مستقبلا طالما نجد صعوبة في التكيف النفسي والمعنوي والثقافي مع عصر ما بعد كورونا. الامر سيزداد صعوبة في مناطق عراقية متخلفة اقتصاديا- مجتمعيا، مكتظة بالسكان، بل وتعد غير مناسبة بيئيا للانطلاق لعصر جديد مفاده إنعاش البيئة الجميلة الخضراء مع أهمية موازية لاستعادة مبدأ وقيم الاجتماع الانساني والعمل الاقتصادي مرة اخرى. ترتيبا على ذلك، السؤال المطروح: هل يمكن تصور عودة الحياة الطبيعية لحالتها في عموم العراق كما نحب ونرغب أو كما تتطلب مراحل التطور والتنمية الاقتصادية – الانسانية المستقبلية ام سنكون في حالة خوف مستمر تتبعها حالة خوف وهلع مستمرة لا توحي بأي استقرار طالما فيروس كورونا القاتل يلاحقنا لغرف نومنا ولأمكنة عملنا؟. إن ايجاد المعادلة المتوازنة بين الابتعاد عن الآخر والبقاء معا لبناء بلادنا لن يكون أمرا يسهل تطبيقه، ومن ثم البناء عليه، لبلورة دورة حياة آمنة صحيا – بيئيا وتنمويا بصورة تتوافق أو تتفق مع تلبية الاحتياجات الحياتية الاقتصادية – الاجتماعية بل وحتى السياسية – المدنية والانسانية. إنطلاقا مما تقدم علينا أن نكون اولا انسانيون في التفكير والنهج لأن الجميع ينتابهم ذات الخطر بغض النظر عن الاختلافات الثقافية والحضارية. كما يجب أن نكون مبدعين في ابتكار الحلول للمشكلات القائمة او الازمات المتوقعة، كنتيجة لعصر كورونا، التي سترافقنا للعصر القادم مع احتمالات غير متيقن منها تحمل كلفا مادية ومعنوية عالية. من هنا أهمية خلق جهاز مناعي حديث محصن ورادع للتحديات ليس فقط للانسان بل للمجتمع وللدولة. إضافة إلى ضرورة التعرف على مصادر العيش الكريم القادم والتي تختلف عن اوضاع سابقة معاشة لم تحمل معها تخوفا حقيقيا لبقاء الجنس البشري كما نشهد حاليا. تساؤل مكمل: كيف ومتى وهل سيتحقق ما نأمله من عصر جديد آمن صحيا واقتصاديا واجتماعيا وبيئيا؟ ام ستتراكم علينا مشكلات نفسية وسلوكية قديمة جديدة وأخرى تحمل كل مظاهر الجدة التي تحتاج بدورها لمعالجات إبداعية ناجعة مستدامة نسبيا ربما تنقذنا من اوضاع مأساوية إنسانيا؟. مع الاخذ بالاعتبار كل ذلك لابد من إعادة ممنهجة او متجددة لحياتنا قيما وأخلاقا وفلسفة بصورة من خلالها نبني اقتصادات تحمل تنوعا واضحا وذات محتوى مختلف كليا او جزئيا عن مناهج الاقتصادات التقليدية او الليبرالية المتحررة التي خلقت لنا فجوات واسعة بين من يملكون وأولئك الذين لا يملكون، يعيشون في بيئات متخلفة وغير مواتية مجتمعيا - صحيا – بيئيا ونفسيا. فقط ضمن هذه التصورات يمكن أن تتحقق الاسس الجدية الجديدة لبناء نهضة اقتصادية – تنموية عمادها الانسان الحر القوي بدنيا وعقليا وسلوكيا. ترتيبا على ذلك، يفترض واشدد على عبارة يفترض أن تكون الازمة الراهنة الخطيرة قد بدأت تشكل لنا تيارا قويا لتوحيد الرؤى والستراتيجيات باتجاه عمل تضامني إيجابي حقيقي بين الحكومة، رجال الاعمال والاقتصاد، المنظمات غير الحكومية – المدنية، والشعب بكل شرائحه وفئاته، بهدف التهيئة السليمة لنظام اقتصادي – اجتماعي وسياسي جديد سمته الرئيسة انه إنساني في المقام الاول وواقعي إلى حد كبير يحفظ حقوق الفئات المحرومة في العيش الكريم المكرم. اليست السياسة كما درسنا مفهومها تعني القيام على الجماعة بما يقوي اودها ويحفظها او يحميها من المخاطر والتهديدات الداخلية والخارجية.

لعل من اولى الواجبات والمسؤوليات التي على الحكومة الجديدة القيام بها توحيد كافة الجهود الوطنية من أجل الازالة السريعة للمعوقات البيروقراطية والقانونية – الادارية العقيمة التي تؤخر إيصال الخدمات الاساسية البلدية – المحلية – الوطنية للمواطنين. ضمن هذا التصور لابد من تقديم كل انواع العون والمساعدة المادية والمعنوية في ظل برامج علمية المعايير وواقعية التقييم للرعاية الاجتماعية لمحافظاتنا، خاصة الوسطى والجنوبية، التي تنتشر فيها "آفة الفقر" بنسب عالية جدا تتراوح 45 - 52 %(محافظة المثنى الاعلى)، باستثناء بغداد التي تصل بحدود 10 % (الرقم قد لايعد دقيقا ويحتاج للمراجعة). وزارة التخطيط قدرت نسبة الفقر في عموم البلاد بحدود 20 % في عام 2018. علما بأن المناطق الشعبية من العاصمة مثل مدينة الصدر (مايقارب نسبيا من مليوني نسمة) وغيرها الكثير لا تزال تعاني من شظف العيش بعيدة عن حالة العيش الكريم تعاني من ارتفاع معدلات البطالة. اما المناطق الاخرى مثل محافظة نينوى تصل نسبة الفقر بحدود 37.7 % ومناطق الغرب العراقي في محافظات صلاح الدين (18%) والانبار (17%). ضمن هذا التصور يمكن ملاحظة أهمية أن تلعب المصارف العراقية دورا حيويا لاستعادة الدور المالي والاقتصادي للمحافظات من منطلق إعمار وبناء المدن ما يستدعي توفر القروض والتأمينات الاقتصادية – المالية للفئات التي تقدم مشروعات إنمائية تنهض بواقع العراق من دولة ريعية إلى دولة منتجة مبدعة. ولعل تجربة الاتحاد الاوروبي في توفير 500 مليار يورو لتخطي الظروف الاقتصادية التي تعاني منها فئات تقع على خط الفقر او قريبة منه مسألة يجدر التنبه لها لمواجهة اعباء ازمة كورونا.

في هذا الاطار تأتي أهمية بل حيوية اعتناء الحكومة العراقية – في بلد غني نفطيا برغم انخفاض اسعار النفط حاليا - بالطبقة الوسطى التي وصلت لمراحل متقدمة علميا – فنيا وتقنيا ولكنها تحتاج للدعم المادي والمعنوي الاساسي بصورة اكبر من اي مرحلة سابقة. أكثر من ذلك، يعد دعم خط الدفاع الاول في حرب كورونا العالمية الثالثة، من اشخاص وهيئات وعمال الرعاية الصحية الذين يضعون ارواحهم على المحك وهم ينقذون اعدادا كبيرة نسبيا ممن اصيبوا بالوباء الخطير، مسألة لا بد من وضعها في قمة اولوية البرنامج الحكومي العراقي المقترح لوزارة الكاظمي. إن الاستثمار في الصحة العامة يجعل بالقطع من وزارة الصحة والبيئة وزارة سيادية في المقام الاول لأنها تعنى بصحة وعافية الانسان التي لا يمكن استبدالها باي خيار مهما كانت أهميته. الشيء المفرح نسبيا في الحالة االعراقية التصاعد المتنامي في نسب التكافل الاجتماعي والاقتصادي من قبل جمعيات واشخاص النفع العام.. منظور آخر مهم، لا بد من الاهتمام بتشجيع الاشخاص الذين يعملون على تنمية البنى التحتية الحديثة للماء، الكهرباء واتصالات الانترنيت بالموازاة مع إثراء مقابل للحياة الثقافية – المجتمعية – المدنية والعلمية بالسرعة الممكنة تعتبر مسائل حيوية للعراق الجديد. ايضا من الضرورة الاهتمام باولئك الذين انتظموا في إطار تأمين وإيصال الموارد الغذائية للعراقيين ولكل من يقطن ارض الرافدين المعطاء. إنطلاقا من ذلك، سيكون اساسيا ان يتم تحصين وتنمية القطاع الزراعي وتعزيزه إلى درجة عالية من أجل وصول العراق اخيرا لحالة نوعية من الاكتفاء الذاتي بل والى التصدير للموارد الغذائية ما يعطي لنا وفرة مالية مهمة تسند الناتج القومي الاجمالي والموازنة العراقية في اوقات الشدة. اليوم التقدم جيد نسبيا ولكنه ليس كافيا على الاطلاق في مجال الاعتماد الذاتي الشامل ما يجعل العراق معرضا للمخاطر الاقتصادية وغيرها من قبل دول الجوار او ماوراءها. استكمالا لسياق الاعتماد على الذات لا بد للدولة من إسناد وتعضيد القطاع الصناعي العام والخاص معضدا بإرادة سياسية قوية تعمل على تمتين القطاع الخاص في مجالات للعراق كان فيها باع وخبرة ثمينة مثل صناعات الحرف التقليدية، الجلود والانسجة والمواد الغذائية والاسمنت، الزجاج، مواد البناء والبتروكيميات وغيرها الكثير. جزء رئيس من تنمية قطاعي الزراعة والصناعة مرتبط بقطاع الخدمات العامة التي تقدم عبر وسائل النقل والاتصالات العراقية السريعة بعيدا عن شركات ومؤسسات خارجية أو داخلية "فاسدة" تعمد لاحتكار السوق العراقية.

  كتب بتأريخ :  الخميس 16-04-2020     عدد القراء :  1590       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced