في ظل جائحة الكورونا: المؤتمرات العلمية الافتراضية للجامعات العراقية
بقلم : د. محمد الربيعي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

تعد المؤتمرات العلمية واحدة من أهم الأحداث الرئيسة في جدول أعمال العلماء لما لها من غرض مهم في تقديم أعمالهم الجديدة إلى زملائهم بهدف تلقي ردود الفعل في مرحلة مبكرة من أبحاثهم، وبالتالي فهي جزء لا يتجزأ من عملية البحث العلمي والابتكار والتنقيب العلمي.

وهي بمثابة مراجعة أقران غير رسمية يمكن أن تساعد الباحثين على تطوير عملهم وتوضيحه وتنقيحه أثناء شروعهم في كتابته وتقديمه للمراجعة الرسمية والنشر النهائي. بالإضافة إلى ذلك، تتيح المؤتمرات للباحثين الاستماع إلى ما يبحثه الآخرون في مجالهم وفي التخصصات ذات الصلة، والتحدّث مع الزملاء من مؤسسات مختلفة حول العالم، والتعرف على الأبحاث والأدوات والتقنيات الجديدة التي قد تكون ذات صلة بعملهم. بعض المؤتمرات صغيرة وتركز بشكل ضيق على موضوع معين، في حين أن البعض الآخر يهدف إلى جمع عدة آلاف من العلماء معًا سنويًا. بغض النظر عن حجم الاجتماع، فإن الهدف الرئيس هو جمع مجتمع من العلماء معاً وتوفير الفرص لهم للتفاعل.

ومع إلغاء المؤتمرات العلمية في جميع أنحاء العالم، يعيد الباحثون التفكير في كيفية الارتباط مع بعضهم. وبدأ يطرح في أوساطنا العلمية سؤال حول "ما هو الهدف من المؤتمرات الآن؟" وعلى الرغم من أننا لن نتوقع حدوث تغيير جذري في الارتباطات العلمية، إلا أن البعض يأمل أن يؤدي هذا على الأقل إلى إجراء بعض التغيرات الحقيقية في طريقة عقد المؤتمرات وأساليب التفاعل بينهم عبرها. ولربما يمكن أن يحدث هذا التحول في جعل حضور المؤتمرات أكثر سهولة لمجموعة أوسع من الباحثين، على سبيل المثال أولئك من الجامعات التي تفتقر إلى الموارد وجامعات العالم النامي.

لجأ العديد من المنظمين والمشاركين إلى التفكير في عقد مؤتمرات افتراضية عبر الإنترنت كوسيلة للاتصال والتفاعل، وتحاكي على الأقل بعض أجزاء الاجتماع الفعلي. وهي بالرغم من الاستجابة الضعيفة لها يمكن أن تكون بداية التحول إلى مؤتمرات يسهل الوصول إليها. هناك عقبات كثيرة لابد من تخطيها وهي كيف تضمن تفاعلاً بين الباحثين كما هو يحدث عادة في المؤتمرات والتي يعتبرها البعض اهم من القاء البحوث، فهي كمثل لعبة كرة القدم الافتراضية لا يمكن مقارنتها بلعبة كرة القدم الحقيقية!

المؤتمرات الافتراضية في الجامعات العراقية

في العراق، ومن دون دراسة أو استعداد أو خبرة، بدأت ظاهرة عقد المؤتمرات الافتراضية تغزو المجتمع العلمي وبدأت الجامعات والكليات تتسابق لعقدها، لربما لتثبت للعالم أن العلماء والباحثين العراقيين لا تثنيهم إجراءات الحجر الصحي ولا بقاءهم في البيوت، ولربما وجدوا في إلغاء عقد المؤتمرات العالمية، وتوقف أو تعثر البحث العلمي في العالم غرابة وتعارضا مع المثابرة والجهد والتحدي العلمي الذي اعتادوا عليه في نشاطاتهم اليومية. لكنه لا تبدو لي هذه هي الأسباب الحقيقية التي دعت الجامعات العراقية الى عقد مؤتمرات افتراضية، عكس ما يجري في العالم من تشاؤم حول إمكانية مثل هذه المؤتمرات أن تحل محل المؤتمرات التقليدية وتحقق نفس أهدافها.

ما يبدو لي أن المسؤولين في الوزارة تبنوا قراراً من مثل دفع الجامعات على الاستمرار في نشاطاتها في عقد المؤتمرات وبصورة افتراضية، وهو ما يتلاءم مع استمرار التدريس "أون لاين". وطالما أن المشاركة في المؤتمرات لها ما يغديها من دوافع متمثلة في كتب الشكر، والنشر، وشروط التحصيل للشهادات العليا، والترقية العلمية، فإنها لابد أن تلاقي من الترحيب بما يكفل عقدها واستمراريتها بالرغم من ضعف البحث العلمي أو حتى توقفه.

كنت قد تساءلت مرّات ومرّات عن السبب في عقد الجامعات والكليات والأقسام مؤتمرات علمية؟ هل أن الباحثين في حاجة الى إعلام زملائهم بمنتوجاتهم، وإنهم بحاجة الى وسيلة للترويج لعملهم؟ أم إنه كتعويض لهم لعدم تمكنهم من المشاركة في المؤتمرات العلمية العالمية؟ ام لأنه مجرد تقليد سيء لما يجرى في العالم اعتدنا عليه منذ أيام الحصار في العهد البائد؟؟ من الغرابة أن نجد في العراق هذا العدد الهائل من المؤتمرات العلمية الباهظة التكاليف بالمقارنة بالجامعات العالمية التي نادراً ما تعقد مؤتمرات بنفسها، فالمؤتمرات في العالم تعقدها منظمات ومؤسسات وجمعيات مستقلة تستقطب فيها علماء من كل الجامعات ومن كل البلدان، وتحقق في العادة أرباح للمنظمين. الغرابة في المؤتمرات العراقية كونها مجرد عرض للأعمال الجديدة للباحثين ومن دون مراجعة أقران حقيقية لها، وليس كمجال لتنظيم برامج التعاون العلمي بين الباحثين أنفسهم، وبينهم وبين الشركات ومؤسسات البحث والتطوير، ولا الى رسم خطط لعمليات مشتركة لتحصيل أموال جديدة للبحث العلمي.

التساؤل الآخر الذي طرحته في الماضي والذي لا أجد إجابة عنه هو: هل أن عدد المؤتمرات العلمية في العراق هو انعكاس لكثرة البحوث العلمية وأهميتها؟ لو أن المؤتمرات العلمية غير موجودة في العراق، هل ستتأثر نوعية البحوث، وهل يقل عددها وعدد الأوراق المنشورة؟

واليوم وفي ظل هجوم العالم الافتراضي نتساءل عن الدوافع لعقد المؤتمرات العلمية الافتراضية. لربما هناك بعض التبريرات الموضوعية والتي تتمحور حول ضرورة الاستمرار في تقليد اعتدنا عليه سابقا وليس من بديل في أيام انتشار الجائحة إلا عقدها عن طريق الانترنت. إذا كان هذا هو التبرير الصحيح أستطيع القول إن هذه المؤتمرات الافتراضية لن تختلف كثيراً عن المؤتمرات التقليدية في الجودة والشمولية والأهمية، ولسبب إن المؤتمرات التقليدية السابقة ما كانت بحقيقتها إلا افتراضية فيما عدا الحضور البدني للمشاركين. من هذا المنطلق أرحب بالمؤتمرات الافتراضية لأنها ستوفر أموال عقد مؤتمرات لا تسمن ولا تغني عن جوع. وقد تساعد في تحقيق التفاعل الابداعي بين المشاركين والذي تفتقده المؤتمرات التقليدية، والذي يعتبر في العادة اساسا لنجاح أي مؤتمر. ولربما أيضا لن يتم دعوة المسؤولين من غير الاختصاص، ولا في جلوسهم في الصفوف الأمامية، مما يسمح لأصحاب الشأن من المشاركين من وجود فعلي مبني على الرغبة الحرة فلا يتركون المؤتمر حال مغادرة المسؤولين كعادتهم في المؤتمرات التقليدية. ومن المحتمل أن لا تكون هناك شهادات مشاركة، وعندها ستكون المشاركة للمهتمين فقط. وسيكون رائعاً إذا تخلت المؤتمرات الافتراضية عن فكرة نشر الأبحاث التي اعتادت عليها المؤتمرات التقليدية لأن مشروع القاء البحث في مؤتمر ونشره عن طريق المؤتمر نفسه لا يعد له أية أهمية كإنتاج علمي، ولا يمكن لهذا البحث من الاعتراف به كإنتاج علمي إلا بعد نشره في مجلة علمية.

مع الأسف ما كانت هذه إلا كلمات عابرة لا أرى إنها ستؤثر في العقلية السائدة لعقد المؤتمرات، ومع هذا، ولربما، سيضطر المنظمون للمؤتمرات الافتراضية من تحقيقها لما تفرضه عليهم طبيعة وشروط التواصل عبر الانترنت.

دعني اتمادى وأزيد في تمنياتي بالدعوة الى مشاريع وفعاليات كتطوير للمؤتمرات أو كبديل عنها، وهي كالتالي:

1 - إقامة ورشات عمل لتحسين كفاءة الأستاذ والطالب، وتطوير قابلياتهم الإبداعية والمهنية.

2 - تحسين أسلوب كتابة مشاريع البحث العلمي، وربط أهدافها بالنشر بالمجلات العالمية الكبرى.

3 - التخلي عن استخدام عنوان "المؤتمر العالمي" فالعالمية لا تتحقق بمجرد مشاركة عدة شخصيات من خارج البلاد.

4 - تجنب عقد مؤتمرات شاملة تضم على سبيل المثال الطب والعلوم والهندسة والإنسانيات لأن ذلك لا يتناسب وطبيعة المؤتمرات العلمية ويضفي على المؤتمر صفة "بتاع كله" على حد قول المصريين.

5 - منع تنظيم المؤتمرات من قبل الكليات والأقسام وتشجيع إقامة المؤتمرات العلمية من قبل مؤسسات مستقلة خارج الجامعات وبتمويل من قبل المشاركين عن طريق استحصال أجور المشاركة.

6 - التقليل قدر الإمكان من دعوة المسؤولين لافتتاح المؤتمرات، وعدم السماح بحضور المؤتمر لغير المشاركين الفعليين.

7 - مقاومة الرغبات في وضع توصيات عامة شكلية لا علاقة خاصة بأهداف المؤتمر، ولا تتوفر الأرضية الواقعية لتحقيقها في فترة ما بين مؤتمرين.

8 - نشر مختصرات البحوث فقط وتجنب قدر الإمكان نشر البحوث كاملة في إجراءات المؤتمر لأن ذلك قد يمنع نشر البحث في مجلة علمية رصينة، كما أن نشر "بحوث" المؤتمرات كاملة يشجع الادعاءات الزائفة والمواد المقتبسة والضعيفة.

بروفسور الهندسة الخلوية، جامعة دبلن

  كتب بتأريخ :  السبت 25-04-2020     عدد القراء :  1416       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced