التجربة الحقيقية و التجربة البديلة في خيال الرئيس مصطفى الكاظمي ..
بقلم : جاسم المطير
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

المصيبة العراقية ، سواء ، منها، الوادعة الناعمة او الخشنة المتصادمة ، لا تعيش حياتها التأملية بـ(المنطقة الخضراء) أو في القصور الرئاسية المتعددة، الساكنة في اعلى شواطئ نهري دجلة و الفرات وحسب. بل ، انها موجودة بكل مكان في البيئة الجغرافية ، العراقية ، المجهزة على الارتقاء . يبدو ، واضحاً ، ان ١٧ سنة مرّت على احزاب الاسلام السياسي ، الحاكمة في العراق ، قد برهنتْ ، بوضوحٍ مجردٍ، على ارتداد ِ ، في حقيقةٍ سمعيةٍ – بصريةٍ ، أن كل وزير إسلامي - حفظه الله - لا يرى في المنصب الوزاري ، مجرد وظيفة سياسية، ينتج ، عنها و منها ، بنهاية كل شهر ، مجرد توفير أسباب الغذاء وحاجات عائلته في السفر و الدواء و الأمور الأخرى ، كلها ، لكي يواصل (العيش ) و (العمل ) . ليس هدف الحكام العراقيين إيجاد مرج واسع ، لكسب ثروة يجري مطاردتها ، بكل الوسائل، خلال المدة الوزارية ، اعتماداً على استخدام ثنائية (الكلب) و (السوط ) في عملية السلب و النهب ، من دون الحذر من الدراما الهتلرية .

ملاحظتي ، هذه ، ناتجة أكيدة عن نوعٍ من انواعِ خلقِ الثروة الشخصية و أخلاقياتها . لا أشك ان السيد (مصطفى الكاظمي ) يعرف قوانينها و تطبيقاتها و تخيلاتها و أحلامها، اكثر مني و منك و من الجميع ، بحكم عمله ، اعتماداً على عناصر السيادة و المعلوماتية و السيطرة المتوفرة ، عنده ، من وجوده على رأس جهاز المخابرات العامة . معنى ذلك ان ملاحظاتي ليست سطحية او عابرة ، فيما يخص الجغرافيا السياسية بالعراق ، كما يتصورها البيت الأبيض الامريكي او كما تبدو في المظهر الخارجي في الاتحاد الأوربي.

ما يعيدنا الى واقع الحال حيث تصورات البيت الأبيض و تخيلات قادة بلدان القارة الاوربية بأن جميع الأنوار ستنطفئ في العالم ، كله، و أن جميع الطائرات ستتوقف عن الطيران و جميع البنوك و مؤسسات البورصة المالية ستغلق ابوابها و غير ذلك من الظواهر الجوهرية في العالم ، لمجرد قيام حربٍ اعتمدتْ على وضع ( الاقنعة ) سلاحاً ، مانعاً، رادعاً، على الأنوف و الحلوق . كما ، اعتماداً، على ( القفازات ) لتغطية الايادي و غير ذلك من اتباع قواعد (التباعد الاجتماعي) و الكف عن كلفة الوقائع الاجتماعية ، السابقة ، في التعبير عن الإلفة و التآخي و المحبة بواسطة تبادل العناق و المصافحة و التقبيل .

يمكن القول ان جميع مظاهر الحرب الخارجية ضد (فايروس كورونا )غير منفصلة عن عالمها الداخلي ، بل هي محور ، يومي ،مستقر وجوده ، بين أفراد الاسرة الواحدة و بين معلمي المدرسة الواحدة و بين أناس المجتمع الواحد .. جميعها موجودة في حالات (التفرقة ) و في حالات (التفاهم ) ..،موجودة حول نوع الكلمات المتبادلة ، في اثناء لقاءات المحبة و الوداع ، موجودة في معاني الكلمات و في قيمة السباب و الشتائم ، المتبادلة بين السياسيين و غير السياسيين ، بين المتفاهمين و غير المتفاهمين ، بين المتفقين على عناصر جمال النسوان و المختلفين حول القيمة الصحية لبول البعير. ربما هذه الصور نفذت و رسخت في اذهان الناس ، من سوء تعارضهم الطويل مع نظام التجربة الدكتاتورية، القاتلة ، في عصر أملاه عنف الدكتاتور صدام حسين ، على الناس العراقيين ، جميعاً ، خلال ٣٥ عاماً من العيوب المنهجية في أساليب نظام الدولة وإغراق مدرائها و ضباطها و أفرادها في مستنقعات التلف و الضياع واضطراب النفوس و شحذ الحواس بتركيبٍ سيكولوجيٍ فاسد .

ما يجب الانتباه اليه ان جلسة مجلس النواب ، التي انعقدت في منتصف الليلة البارحة ٦ /٧ أيار ، تميزت بالفوضوية من جميع جوانبها . كانت فوضاها ظاهرة قبل انعقادها ، حيث تساءل الكثير من المعقبين في القنوات الفضائية ، العراقية و العربية : ماذا كان يعمل (الرئيس المكلف) طيلة الاسبوعين الماضيين.. ؟ما هي حواراته و نتائج تصوراته ..؟ كيف كان الرئيس الكاظمي يتعامل مع نصوص أفكار الكتل النيابية و الأحزاب السياسية ، طيلة فترة تناسل الحكايات البرلمانية، الماضية، في ظل وباء كورونا و انخفاض سعر النفط العالمي . .؟

كل شيء جرى في ساعات هذه الجلسة ، بهدوء و بتلقائية كاملة، حركتها بين غرف و قاعات و زوايا البرلمان العراقي ، حتى ثقلت شكليات قبول ١٥ وزيراً رشحهم قلم الرئيس المكلف مصطفى الكاظمي ، كما تعذّر قبول التصويت الغالب برفض ٥ مرشحين و تأجلت لذة اختيار وزيرين الى جلسة اخرى . .. كلهم مرروا ، خلال مركب الديمقراطية ، معارفهم و تكتيكاتهم و مجاملاتهم و ميولهم و غيرها ، حيث المستويات (الحزبية ) و (المناطقية) و (الفقهية ) . صارت ، الوسائل ، كلها، مسيطرة على موكب التنافس البرلماني و على تصويت جميع الكتل و على العقول البرلمانية ، المنتجة افكارها ، في الدقائق الاخيرة من المفاوضات و التحديدات ، حيث ألغيت نصوص و استبدلت اسماء و تغيرت مناصب . ارتفعت نصوص جديدة فوق مسافات مناصب ، مدونة و مكتوبة ، تشتت جزئيات و تشظّت تفاصيل، قربت مراكز وزارية عند بعض المرشحين وانتقلت بنية مراكز وزارية اخرى من فوضى فرضية معينة، الى ذهنية فرضية اخرى. انتفت مكونات بعض التأليف وحضرت مدلولات بديلة .

الى جوار هذه المصيبة العراقية او تلك فأن الكثير من القادة السياسيين ، يطلقون زوجاتهم شفقة عليهن و رحمة بهن. ثم يتزوجون شابات جديدات شفقة على محاسنهن او رحمة بجمالهن ، مثلما يختلف الخياطون في سوق الخياطين على الفرق بين أسعار خياطة ثياب العيد عن ثياب الحداد . اما في السياسة العراقية و في صفوف السياسيين ، المختلفين، فان ، جميعهم ، يستغلون الفرص الجديدة ، المتاحة ضد ، جميعهم ، كما لا يتوقف استخدام جميع الطرق الدنيئة السافلة في جميع المعارك و في جميع الحروب.

السؤال القريب ، هنا، هل يوجد فرق ، محدد و ثابت، بين ممارسة ( السلطة الاستخباراتية) و ممارسة ( السلطة التنفيذية ) لدى الرئيس الجديد (مصطفى الكاظمي ) حيث تتعارض ، عنده بأكثر مما عند من سبقوه، صفات هذين الصنفين من الممارسة مع بعضها ..؟

من مظاهر السخرية ، التي لا تعرف وَقَاراً ، ان السيد مصطفى الكاظمي شكّل وزارته بأعلى أشكال التكامل و بأرقى قالب من قوالبها المعقدة في المحاصصة الاثنية و الطائفية .. ترى هل هذه الصفات ، متطابقة ، مع حقائق هذا الزمان السياسي العراقي الفارغ ..؟

اقول ، اولاً، أن ( وعي الحرية) يختلف عن وعي ( المغامرة بالحق) ، على ضوء منطق الحسم في وحدة ميلاد منصبين مختلفين لشخصية واقعية ، عراقية ، واحدة ، كان لها متن منصب مدير المخابرات العامة ، من دون عهدة العقائد السريعة و الأحداث المريعة، لحماية بدعة أصل الدولة ، المرتبطة بواقعية و ادعاءات الإلهيات . قام تاريخ و منطق الصداقة بين رجلين عراقيين الاول استغل تغور الماضي ، و الثاني يمثل محدثات الحاضر وجعلها متحولة ، الآن ، الى وشائج منصب رئيس وزراء الكون الخاص بتسيير أمور الدولة العراقية تحت رعاية و عناية و فناية الرئيس الاتحادي ، المتطلع الى كسب أفضل العقول الإقليمية و جعلها اكثر إنتاجية .

هذا الواقع الفيدرالي لم يبتكره الشعب العراقي ، لذاته ، بل تعمد الكون العراقي وضع نفسه و افكاره ، منذ البداية، امام تجربة من احداث الحكم و الحكومة و أحكامها الفيدرالية - الإقليمية في بلادنا ، العراق، بزمان و مكان تحول مقعد رئيس الوزراء العراقي ، الى جزء من محاولة ارتقاء السيد رئيس الوزراء الجديد ، مصطفى الكاظمي، في الجمع بين صنفين من نهجي عمل مختلفين اختلافاً في (التجربة) و (العلة ) لكسب صنفين من الساسة ، ساسة إقليميين و ساسة فيدراليين. الصنف الاول من الممارسة يعتمد على بنية تحتية لمجتمع عصري يمشي الى المستقبل على وفق المهارة و البناء الصعب و التخلص من فقه العذاب و التعذيب للتحرر ، معرفياً و كلياً ، من كل نسبةٍ من نسب العداوة في الأدلجة المتقابلة ، مهما كانت درجة تعارضها إذ ان المهمة الأساسية المعتمدة هي تحويل بلادنا ، كلها، بمساحات الفيدرالية و الإقليم ، من مجتمع اقتصادي ، ريعي، الى مجتمع زراعي - صناعي. انها مهمة ليست صعبة اذا اعتمد الشعب العراقي ، كله، على سياسة موحدة في الدفاع عن الدولة و المجتمع و الشعب .

اقول هذا القول مستفسراً ، متسائلاً ، عن لحظات الاندفاع نحو الانطباعية ، السياسية و العمومية ، حول مصدر الإيحاء و الإشارة بإنفاذ عملية تصويت المصوتين البرلمانيين مساء يوم ٦ أيار ٢٠٢٠ بالموافقة على تشكيل حكومة مدير المخابرات ( مصطفى الكاظمي) الحالم ان تكون مدرسته الحكومية العراقية ايحاءً ، ذهنياً ، مشابهاً لحكومة ( فلاديمير بوتين ) ، المدير السابق في المخابرات السوفييتية ، لينال حظوته في ان يكون فناناً في فن البقاء، حاكماً ، متسلسلاً ، في رئاسة حكومة روسيا الى عام ٢٠٣٥ ، مخادعاً جميع عشاق الدولة الروسية العظمى. مع فارق وحيد في اختلاف التشكيل الوزاري بين الدولتين ، حيث علو المحاصصة في الوطن العراقي ، قد بلغ سحاب سمائه، كانما جاء مصطفى الكاظمي لتأكيد استمرار وجود و طغيان (المحاصصة الطائفية) و الحفاظ على شهرتها الدولية و استهانتها بتضحيات ٧٠٠ شهيد و اكثر من ٢٥ الف متظاهر مصاب بنار الرصاص الحي في ساحة التحرير وغيرها من ساحات التظاهر .

اخيراً استحق الرئيس مصطفى الكاظمي لقب النموذج المثالي في (الشجاعة ) و (البطولة ) و (الرجولة) ، حين جعل ( الطائفية ) و ( العشائرية) صورتين (محسنتين) لسلطة ( المحاصصة المبتذلة) باقتحام بونابرتي ، بذله الرئيس برهم صالح لمساندة سطوته العليا بمصالح الوطن ، باستمرار تقييد السلطة التنفيذية ، كلها، بقواعد و قوانين الأنظمة الشمسية ( الطائفية ) و الابتعاد المؤسف عن كل تواريخ التقدم المستقبلي وعدم مواصلة السير بمجرة (الطائفية المبرمجة ) من دون اي تغيير حقيقي في بنية السلطة ، بالتغافل عن سيئات جميع الفاسدين و العفو عن قتلة المتظاهرين السلميين والابتعاد عن ممارسة سياسة إصلاح سلوكيات الدولة و اخلاقية موظفيها ، اجمعين ، و تطهير جميع المؤسسات الحكومية ، من جميع علامات الاستبداد وأفعال المستبدين ، تمهيداً لإقامة مجتمع المساواة و العدالة الاجتماعية و الحرية و الديمقراطية.

----------------

بصرة لاهاي في ٦ أيار ٢٠٢٠

  كتب بتأريخ :  الأحد 10-05-2020     عدد القراء :  1164       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced