ديمقراطية الولايات المتحدة في أزمة
بقلم : عادل حبه
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

 كريستينه هوفمن*

ترجمة:عادل حبه / مجلة دير شبيغل الألمانية

لا تقتصر الاضطرابات في الولايات المتحدةعلى الاحتجاج ضد العنصرية، حيث أصبحت رئاسة ترامب تهديداً للديمقراطية الأميركية. فهل مازالت لدى هذه (الديمقراطية) القدرة على تجديد نفسها؟

هناك علامة غير مشجعة للديمقراطية، والتي تم اقتباسها مراراً وتكراراً من قبل وينستون تشرشل، حين قال "إن الديمقراطية هي أسوأ أشكال جميع أشكال الحكومات، باستثناء الأشكال الأخرى للحكم". إنه لأمر محزن بما فيه الكفاية أن تكون فوائد الديمقراطية، حسب تشرشل، هي أن تكون جميع أشكال الحكومة الأخرى أسوأ منها. ولكن هذه الحقيقة التي يجري التأكيد عليها باستمرار لا تؤشر بالخير لحال ومستقبل الديمقراطية.

ولذا فليس من المستغرب أن تغرق أقوى ديمقراطية في العالم في لجة من الفوضى. لقد ولّد الوباء والاحتجاجات والاضطرابات وأسوأ ركود في العقود الأخيرة الأميركيين الشعور، كما أشار السيناتور الديمقراطي ، بأن يجري تجارب جميع أزمات الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، والكساد العظيم لعام 1929 ، وأعمال الشغب في عام 1968 بشكل متزامن.

أزمة الديمقراطية المضاعفة

إن حقيقة كون الديمقراطيات الغربية تعاني من أزمة ليست بالأمر الجديد: لقد تراجعت عند البعض فكرة القبول بهذه الحقيقة لبعض الوقت، وجرى الحديث وقتها عن عوامل التهديدات الداخلية أو الخارجية، أو الحديث عن عيوب الديمقراطية الهيكلية، والتي يجب إصلاحها. ولكن الأزمة الحالية في الديمقراطية الأميركية تجاوزت كل ذلك. أنها أزمة مزدوجة تتمثل في فقدان الثقة بحكم القانون، الذي تجلى التعبير عنه أثناءالاحتجاجات، وما رافقها من الهجوم على الديمقراطية من داخل قمة السلطة بشكل غير مسبوق في تاريخ الديمقراطية الأميركية، عندما إعلن دونالد ترامب أنه إذا خسر الانتخابات فلن يعترف بنتائجها. فلم يسبق أن هدّد رئيس للولايات المتحدة بلاده بالانقلاب.

لقد تراجعت الثقة في الديمقراطية وسيادة القانون منذ حين في الولايات المتحدة. فالديمقراطية لم تستطع التغلب على التمييز العنصري في البلاد بعد مرور أكثر من 150 عاماً على الحرب الأهلية الأميركية؛ وحكم القانون لم يمس الأميركيين من أصل أفريقي، ولم يستطع النظام السياسي الحد من النمو المستمر في التفاوت الاجتماعي. فالديمقراطية تفقد شرعيتها دون توفير درجة معينة من العدل.

ويضاف إلى كل أوجه القصور هذه في النظام السياسي للبلاد، والتي كانت واضحة منذ سنوات: هو النظام الانتخابي الذي نصّب العديد من الرؤساء في السلطة بدون حصولهم على الأغلبية الديمقراطية، والقيام بالتعمية والتجاوز على الدوائر الانتخابية،أي خطة التلاعب التعسفي بهذه الدوائر الانتخابية ضمن ما يعرف بالولايات المتأرجحة (Swing State) ، وأصبح المال الشرط المسبق لترشيح رئاسي ناجح، إلى قوة العائلات السياسية من كينيدي إلى كلينتون. خلاصة القول: لا يمكن لأحد أن يجادل عن حق في أن الديمقراطية الأميركية قد مكنت الأشخاص من كانوا الأكثر قدرة والأفضل في البلاد ، من رونالد ريغان إلى دونالد ترامب ، في العقود الأخيرة - حتى أنه لو تكن هناك أية امرأة بينهم.

تهديد ترامب

وتعتبر جميع نقاط الضعف هذه حتى الآن على أنها إخفاقات للديمقراطية التي وصفها تشرشل ، إنها كانت ولا تزال أفضل من أي نظام آخر. لكن ترامب بدأ الآن في مهاجمة قلب الديمقراطية: الانتخابات الرئاسية. فهل سيجرأ ترامب حقاً على تحدي نتيجة الانتخابات في حال فشله، وهل سيقف حزبه إلى جانبه، وهل ستقف المحكمة العليا الأميركية إلى جانبه حقًاً – أنها مجرد تكهنات. لكن هذا الحديث المتتالي عن انتخابات مزورة وغير شرعية سيقوض في حد ذاته الثقة في الديمقراطية.

إن تلاعب ترامب بالألفاظ بشأن الحرب الأهلية، والذي أشار إليه في أعقاب الاضطرابات الأخيرة، يغذي هذه النزعة أيضاً.

ويشكل تلاعب ترامب بألفاظ الحرب الأهلية رسالة تهديد للرأي العام الأميركي. قد يكون ترامب قادراً، كما يبدو، على وضع الولايات المتحدة على مفترق طرق: أنا أو أيا كان. ولطالما عُرف ترامب بممارسة الضغط والافتراء والترهيب لخصومه السياسيين. ولكن هذه الصفة تتمتع بصفة جديدة: فإذا لم يتم الاعتراف بشرعية الانتخابات ، فمن المرجح أن يكون النضال من أجل الديمقراطية عنيفاً، وإذا لم يكن صندوق الاقتراع حاسماً في تحديد الحاكم ، فإن السلاح سيفعل ذلك.

مع وقوع أقوى ديمقراطية في العالم في دائرة الأزمات، فإن عواقبها ستطال المناطق الواقعة إلى ما وراء حدود الولايات المتحدة. والنتيجة الفورية لذلك هي تعزيز المعارضة للديمقراطية. ويقوم ترامب الآن بتقديم الدعم لمعارضي الديمقراطية. وأصبح رئيس الولايات المتحدة نموذجًا يحتذى به لأمثال جيرارد بولسونارو ، وفيكتور أوربان ، ورودريغو دوتيرتي ، وجميع أولئك الذين يريدون أن يتسلطوا على إدارة بلادهم. وفي الوقت نفسه، يقدم ترامب العديد من الحجج لأولئك الذين يروجون بشكل علني للنموذج الاستبدادي للحكم. إن الفوضى في الولايات المتحدة هي أكبر هدية للدعاية الصينية. فبالنسبة لهم ، هي أفضل مثال لفشل الديمقراطية الغربية وتفوق النموذج الصيني. ناهيك عن أن دعوة ترامب لاستخدام القوة مع بكين يمكن أن يكون أفضل مبرر لاستخدام الصين لقوات الأمن: من تيانانمن (قتل المتظاهرين في ميدان تيانانمن) قبل أكثر من 30 عاماً إلى هجوم محتمل على هونغ كونغ في المستقبل.

فقط كبار السن على رأس دفة الحكم

إن قوة الديمقراطية الغربية حتى الآن تتحدد في أنها كانت دائمًا قادرة على إعادة بناء نفسها والتكيف مع التطورات الاجتماعية والتكنولوجية والاقتصادية. وينطبق الشيء نفسه على الديمقراطية الأميركية على مدى 200 عام الماضية.

لكن لا يبدو أن الولايات المتحدة فقدت القدرة للقيام بذلك في السنوات الأخيرة. إن حقيقة كون كلا المرشحين الرئاسيين متقدمان في السن وهم في سن التقاعد ويقتربان من الثمانينيات من العمر تقريباً هو مؤشر على مأزق الديمقراطية الأميركية. كما أن زعيمة حزب المعارضة في مجلس النواب، نانسي بيلوسي ، بلغت هذا العمر حتى قبل ذلك. وفي تلك الأيام قال جو بايدن ، "نحن أمة متعبة". هذه "الشيخوخة" في الولايات المتحدة تجلب إلى الحياة ذكريات غير سارة شهدها الاتحاد السوفياتي في أوائل الثمانينيات. يمكن أن يكون هذا علامة على مدى خطورة التحديات ومدى عمق التغييرات.

لكن الأزمة في الولايات المتحدة جلبت إلى الواجهة جيل الشباب تولوا مناصب حكام الولايات وأعضاء البرلمان. إنهم يساندون بقوة حركة المقاومة ضد ترامب. وهذا يعطي الأمل. لكن على مؤيدي الديمقراطية القتال، ربما بالأدوات والأساليب التي ترفضها. وفي نهاية هذا الصراع ، ستكون الديمقراطية مختلفة عن سابقتها.

___________

* كريستينه هوفمن مراسل صحيفة "فرانكفورتر ألجيماينه"، وعاشت سنوات في إيران وكتيت كتاب بعنوان" إيران وراء الستار، نظرة من داخل بلد مخفي". وهي تعمل الآن مديرة لمكتب المجلة الاسبوعية "دير شبيغل" في برلين.

  كتب بتأريخ :  الخميس 11-06-2020     عدد القراء :  1455       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced