لا مساغ قانوني للاجتهاد في مورد النص ، إذ أن النصوص القانونية جاءت صريحة وواضحة لا لبس فيها . فالمادة (7) من قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982 المعدل قد نصت في فقرتها المرقمة ( 6 ) على إعفاء الراتب التقاعدي من ضريبة الدخل ، ويشمل الإعفاء أيضاً المكافأة التقاعدية ومكافأة نهاية الخدمة ورواتب الإجازات الاعتيادية فالإعفاء يشمل المتقاعدين إذن وكذلك الخلف من العيال بعد الوفاة ،
على اعتبار أن المتقاعد وعندما كان مستمراً في الخدمة وقبل إحالته على التقاعد كانت دائرته تستقطع مبلغ الضريبة من راتبه ، أي أن التوقيفات التقاعدية والتي ستؤول بعدئذ الى الراتب التقاعدي كأن ضريبة الدخل قد استوفت حقها الضريبي منه أثناء خدمته وأن وصولها الى صندوق التقاعد يجعلها مطهرة من الأعباء الضريبية ، إذ من غير الجائز قانوناً استيفاء ضريبة الدخل على ذات الدخل مرتين .
أما من يحتج به البعض بالقول إن الدولة تساهم بمبالغ مجزية تدفعها الحكومة الى صندوق التقاعد تعضيداً لهذا الصندوق ، فإن تلك الحصة لا تعد دخلاً يوجب فرض ضريبة الدخل عليه . لأن النصوص القانونية الضابطة لهذا الموضوع لا تحكم بذلك ، لكون ما تدفعه الحكومة الى صندوق التقاعد جاء على سبيل المنحة ، والمنحة لا تستوجب فرض ضريبة الدخل عليها لكونها معفاة من ضريبة الدخل حسبما تقضي بذلك الاحكام القانونية .
الأمر الجدير بالملاحظة والاعتبار في هذا الموضوع ، هو عندما تتلاعب السلطة التنفيذية بالقرارات الإدارية وتصدرها خلافاً لاحكام القانون . حيث إن مجلس الوزراء سبق له وقام بالاستقطاع الضريبي من الموظفين بموجب التعليمات رقم (1) لسنة 2007 . ويعيد الكرّة الآن عندما يوعز الى أجهزته بالاستقطاع أيضاً ومن رواتب المتقاعدين رغم صرامة النص القانوني الذي يحظر الاستقطاع الضريبي من راتب المتقاعد لكون إرادة المشرع قد انصرفت الى الإعفاء من الأعباء الخاصة بضريبة الدخل لسببين الأول – سبق دفعه لهذا الاستحقاق القانوني وكما هو مبسوط أعلاه . والثاني – تقديراً للجهد النبيل الذي قدمه المتقاعد أثناء مسيرته الوظيفية وتضحيته بأجمل سني العمر .
وكلا الاستقطاعين وضمن التوصيف القانوني لهما ما هما إلا ( قرار إداري ) صادر عن السلطة التنفيذية ، وإن أمراً كهذا لم يخف عن مدارك واضع الدستور كونه يدرك أن السلطة التنفيذية كثيراً ما تنزع نحو إصدارالقرارات الادارية تعسفاً والضارة بالآخرين وبغية كبح جماحها ووضعها في حجمها المرسوم لها قانوناً فقد وضع المادة ( 100 من الدستور ) التي تنص على : ( يحظر النص في القوانين على تحصين العمل أو قرار إداري من الطعن ) ، أي أن القرار الإداري ومهما ارتفع شأن من أصدره فإنه خاضع للطعن فيه أمام القضاء الإداري للحكم بعدم صحته والغائه إذا خالف أحكام القانون .
وأخيراً فقد استقرت القواعد القانونية وفي دول العالم أجمع على : عدم استيفاء أي مبلغ إلا بموجب قانون تلزم نصوصه بذلك . وضمن هذا الفهم فقد جاء نص المادة (28) من الدستور صريحاً بالنص على : ( لا تفرض الضرائب والرسوم ولا تعدل ، ولا تجبى ، ولا يعفى منها ، إلا بقانون ) وإما صرامة هذا النص فإن السلطة التنفيذية فرضت ضريبة الدخل على المتقاعدين من دون نص قانوني يقضي بذلك ، فتكون السلطة تلك قد ارتكبت فعلاً يخالف قانون ضريبة الدخل القاضي بإعفاء المتقاعدين وهذا أولاً . فضلاً عن مخالفتها لنص المادة (28) من الدستور . كونها فرضت الضريبة من دون نص قانوني يخولها بذلك وهذا ثانياً .
السلطة التنفيذية اختارت الخاصرة الرخوة من المجتمع العراقي ، في حين أن بإمكانها أن تلجأ الى المصادر المالية الأخرى كالمنافذ الحدودية والكمارك وايرادات الضرائب وسواها من المصادر الاخرى . إلا أن خشيتها من القائمين على تلك المصادر بسطوتهم وسلاحهم المنفلت أفقدها أخلاق الفرسان ويدفعها الى هذا السلوك المُذل .
ان السلطة التي تخشى من سطوة مافيات الفساد وسلاحها المنفلت المستحوذة على موارد الدولة في المنافذ الحدودية والكمارك والضرائب وسواها من الموارد الاخرى والتي يمكن ان تشكل رافدا مهما في موازنة الدولة تسد به العجز ، هذه السلطة تغولت امام الخاصرة الرخوة ( المتقاعدين ) في المجتمع وبطشت في مصدر رزقها ورزق المعيل المبتلى بامراض الضغظ والسكر والقلب وامراض الشيخوخة الاخرى لكي يقالل رجل السلطة هذا صاحب هذه المبادرة بانه بطل ومغوار لانه جاء بالرزق منحيث لا يحتسب .