كورونا قمة جبل الجليد
بقلم : د. أحمد عبد الرزاق شكارة
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

جائحة كورونا فجرت أزمات راهنة وأخرى ستندلع مستقبلاً غير متيقن من جميع أبعادها وتأثيراتها الإنسانية تجعلنا نقول إننا وبرغم مرور نصف عام تقريبا على إندلاعها مازلنا نحن في قمة جبل الجليد ولم نلج بعد القسم الغاطس منه لإن الجائحة ذاتها معقدة وشمولية الأبعاد إنعكاساتها وتداعياتها مستمرة على مختلف جوانب حياتنا .

صحيح أن معرفة تأثيراتها الكلية لم يتم تحديدها بشكل دقيق نسبياً ولكن التحذير الأساس لمنطقتنا ومن ضمنها العراق وصلنا من قبل لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الاسكوا" إذ صرحت بما يلي : "فايروس كورونا من المتوقع أن يتسبب بخسارة أكثر من 1.7 مليون وظيفة في العالم العربي ، مع توقعات بتراجع الناتج المحلي الاجمالي للدول العربية بما لايقل عن 42 مليار دولار". على خلفية تراجع أسعار النفط" إلى مستويات غير مسبوقة .

علماً بإن هذا المبلغ سيعد متواضعاً مع مرور الزمن الصعب للازمة وتداعياتها الخطيرة التي ستتضاعف معها التكاليف البشرية والمادية ، إن هذه الأزمة تعد الاكبر تأثيرا في هذا القرن منذ الازمة المالية العالمية لقروض الاسكان في عام 2008 والتي لم تصل في تكاليفها البشرية والمادية لما وصلت إليه جائحة كورونا المستمرة معنا حتى كتابة المقال . من أبرز القطاعات الاقتصادية التي واجهت تاثيرات سلبية في "قطاع الخدمات والبنى التحتية" Services and infra-structure Sectorكونه المصدر الرئيس المنتج لفرص العمل التي أخذت بالتضاؤل بسبب أزمة كورونا نتيجة للهبوط المستمر في قطاعات الانتاج الرئيسة ترافقها معادلة تتضمن محاورمهمة : "التباعد الاجتماعي" وإنخفاض "قوة أو درجة المناعة " التي ستسود لمراحل أطول طالما لم يتم إعتماد لقاح فاعل يخفف من وطأة الجائحة .

لعل من أبرز التأثيرات الإنسانية للجائحة مايؤكد إستدامة الحرص الشديد على بقاء الجنس البشري أولاً ، ما يعني ضرورة التنبيه وعلى أعلى المستويات الدولية والاقليمية والوطنية من أن سكان الكوكب الأزرق يعيشون في مركب واحد إذا غرق جزء منه سيغرق بالكلية مع كل من فيه . يمكن تصور حدوث نتيجة مأساوية كهذه في حالة عدم إحترام الالتزامات، التوصيات والارشادات الأساسية التي تقدمها يومياً منظمة الصحة العالمية World Health Organization-WHO للحفاظ على الصحة العامة متزامنة بالطبع مع جهود عالمية "سلمية مدنية" تركز على حماية البيئة الكونية من كل التغييرات المناخية السلبية المحتملة Climate Change.صحيح أن التقييمات الأولى للمناخ الدولي تبين أن مآساة كورونا قد قللت نسبياً - بسبب عمليات الحجر والعزل الصحي - من نسب غازي الميثان وثاني أوكسيد الكاربون في الجو ما يعطينا بيئة نظيفة خضراء كلنا بأمس الحاجة إليها .مع ذلك كله دون وجود علاجات جذرية ناجعة متمثلة بلقاحات وأدوية تخفف من التداعيات الإنسانية للجائحة ستتصاعد درجات مأساة كورونا الراهنة لتأخذ أبعاداً إقتصادية - مجتمعية – ثقافية – بيئية بل وجيوسياسية لها تأثيرات عميقة على نظامنا الكوني وبالتالي لايمكننا إختزال الحلول المترتبة عليها فقط في الجانب الصحي- البيئي على أهميته.

إذ وفقاً للاحصاءات الدولية المعتمدة للعام 2020 سيضاف مايقارب من ال49 مليون شخص إلى شريحة مايعرف ذوي مستوى الفقر المدقع عالمياً (2 $ دولار يوميا) نظراً لإستمرار جائحة كورونا التي شلت أو قلصت مسار الحركة التجارية الخارجية للاقتصادات الوطنية للدول سواءً تلك التي لاتمتلك إحتياطات مالية تفطية أو تمتلكها كونها جميعا تستورد الغذاء بنسب متفاوتة حيث بلغت واردات الحبوب من إجمالي الاستهلاك حوالي %50 ..علما بأن حظوظ الدول التي لديها صناديق سيادية أوفر في التعامل الناجح مع الأزمة . بينما العراق ، سوريا ، اليمن وليبيا والجزائر تقع خارج هذه المعادلة بالنظر لتجذر الفساد (إدارياً وسياسياً وإقتصادياً) وسوء الإدارة أو خوض حروب غير ذات جدوى.

إن إنخفاض نسبة لاتتجاوز الواحد في المائة من الناتج المحلي الوطني للدول يعني نسبة مقابلة تصل ال %0.7 من الاطفال المعاقين أو غير مكتملي النمو. جدير بالذكر أن الأمين العام للأمم المتحدة قد أكد أيضاً بأن واقعاً كهذا لايستثني وضع الدول المتقدمة حيث تشهد مخاطر متكررة لإنقطاعات في سلسلة شبكة تجهيز الغذاء لشعوبها التي تعاني بعض شرائحها من فقر وعوز . من منظور مكمل العراق وبرغم أمكاناته الحيوية الغذائية والمائية إلا أنه لازال يواجه نقصاً مائياً وضع يجب أن يتغير سريعاً من أجل حصول نهضة إقتصادية تقلل من أي نقص في الموارد الغذائية ما يحد من الاستيراد موفراً مبالغ للانتاج الزراعي وللخزينة العامة بالضرورة . لم يكتفِ غوتيرس بتشخيص للعلاقة المتبادلة بين إستمرار تداعيات جائحة كورونا والأمن الغذائي مطلقاً مايعرف بملخص للسياسة Policy Brief دعى بموجبه قيادات الدول للقيام بإصلاحات حقيقية محدداً ثلاث نقاط رئيسة هي : أولاً : يجب أن يتم تركيز وتعبئة جهود العالم بإتجاه إنقاذ الأرواح وإنعاش مسارات العيش بالتزامن مع رفع ملحوظ لمستوى المعيشة للفئات الأكثر تعرضاً للمخاطر (الأطفال ، الشباب وكبار السن من الجنسين) . مايعني ضرورة توفر خدمات الغذاء والتغذية الصحية المتوازنة للسكان بينما يتم بذات الوقت توفير الحماية المتطلبة لفئة العمال العاملين في حقول مهمة منها: الإنتاج الزراعي والحيواني ، حقل السدود والنظم المائية والنقل الغذائي والتصنيع الغذائي (مازال في مرحلة جنينية) .

من هنا أهمية توجيه الدعم الأساس للقطاع الخاص الذي أهمل لفترات طويلة نسبياً. ضمن هذا التصور لابد من توفر ممرات - طرق سالكة وأمنة صحياً لنقل الإنتاج الغذائي من الأرياف إلى المدن منعاً لتفاقم مخاطر الأزمات الحياتية .

ولعل المناشدات المتكررة لخلية أزمة كورونا من العاملين في قطاع الإنتاج الزراعي والنقل لإستثنائهم من الحظر الشامل للتجوال مسألة يجدر من السلطات المعنية الإصغاء لها وتلافي أي إشكالات حولها لإنها تصب مباشرة ببقاء أو حياة ورزق الملايين من السكان "منتجين ومستهلكين" في العراق . ثانياً : لابد من إنعاش أنظمة الحماية الاجتماعية Social Protection Systems بهدف تمكن السكان جميعاً من الحصول على التغذية المتوازنة صحيا في ظل نظام عالمي تنموي مستقر مستدام نسبياً Sustainable Developed World Order . ما أحوج العالم عموماً ومنطقتنا والعراق بخاصة إذن لحلول جذرية ناجعة تنقذ الملايين من شعبنا من آفة الفقر والجوع والمرض.

إن المسار المقترح للتنمية البشرية من قبل الأمين العام لم يغفل الرؤية للمستقبل من خلال الخطة المقترحة حيث توجه بنداء عالمي واضح موجه للدول ، للمنظمات وللقوى السياسية- المدنية المؤثرة كافة داعيا إياهم إلى تمتين العلاقة المتبادلة بين إنعاش الانتاج والصناعة الغذائية من جهة ، والانغماس في تنمية البيئة الصحية - الطبيعية بقصد الحد من الآثار السلبية الخطيرة المتوقعة للتغيير المناخي –البيئي من جهة أخرى.

من الحيوي الإشارة إلى أن أنظمة الانتاج الغذائي في البيوت الزجاجية مسؤولة عن %29 من تلوث الهواء حيث يشكل غاز الميثان Methane Gas مايقارب %44 منه. أما "الاسكوا" فقد شملت إستجابتها العاجلة تأسيس "صندوق إقليمي للتضامن الاجتماعي" لمواجهة بعض من تداعيات الجائحة. من هنا ، أهمية وضرورة إنطلاق مسار تضامني مستدام لمرحلة الأزمة ومابعدها من أجل "دعم البلدان العربية الاقل نمواً والمعرضة للخطر" . "الاسكوا" بدت حريصة على تذليل جزء يسير ولكنه حيوي من " مخاوف تعرض الطبقات الفقيرة والمهمشة لإزمة متقاطعة مابين تفشي الوباء والحصول على الغذاء".

من منظورنا لتداعيات الأزمة أن شرائح واسعة من الفئات المحرومة وذات الدخل المنخفض ستزداد معاناتها نظرا لكون أنواع من وظائفها تعرضت للالغاء التام أو الاستغناء الظرفي عنها لفترات غير متيقن منها ما سيصعد من خجم البطالة في مختلف قطاعات الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي بخاصة في العراق وفي غيره من دول العالم . من هنا أهمية الاستفادة من تجارب الآخرين من الذين مضت عليهم أزمات إنسانية خطيرة واستطاعت تجاوزها بما توفر من إرادة سياسية فاعلة ومؤثرة.

الأمر الذي يستوجب من الجهات المعنية القيام بعدد من المهام الحيوية لمواجهة التحديات وترجمتها إلى فرص مثمرة للبناء والإعمار ِ، للإنتاج ، للتنمية وللإبداع مايقتضي تفعيل منهج الحكم الرشيد Good Governance الأمر الذي يتطلب مزيداً من تعميق التعاون والتنسيق التنموي المستدام مع منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها وأذرعها المتخصصة حيث أضحت بفضل العولمة ذات نشاطات تتداخل وتترابط مع ما يترتب عليها من إنعكاسات وتأثيرات لايمكن فصل تداعياتها .

هذا ولم تعد بالتالي أية دولة مهما بلغت قوتها أو تأثيرها النسبي بشقيه الخشن والناعم hard and soft power ومن ضمنها أقوى قوة عالمية (الولايات المتحدة الأميركية) والقوى الكبرى التي تليها في مراتب القوة : الصين ، اليابان ، الاتحاد الاوروبي وروسيا الاتحادية بمنأى عن التعامل معها بقصد إيجاد حلول ناجعة مستدامة تبلور صيغاً لقواعد جديدة للتضامن العالمي يمكنها أن تتكيف مع المتغيرات التقنية والإبداعية سريعة الإيقاع في عصر مابعد كورونا. وأخيراً لن ننسى دور الإعلام الجديد في تنمية الوعي الإنساني بمشكلات وأزمات عصر وضع لنا مقاييس ومعايير مهمة للتفاعل مع قضايا العصر على الصعيد الإنساني – الكوني.

  كتب بتأريخ :  الخميس 18-06-2020     عدد القراء :  1185       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced