مئوية ثورة 1920.. ماذا لو نجحت الثورة العراقية الكبرى ؟
بقلم : رفعة عبد الرزاق محمد
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

قبل مئة عام وفي مثل هذه الأيام ، وقعت الثورة العراقية الكبرى سنة 1920 ، الحدث المفصلي الكبير في تاريخنا السياسي الحديث ، الذي كان له الأثر الكبير في تكوين الدولة العراقية الحديثة بعد قرون طويلة من سلسلة احتلالات وغزوات أجنبية مختلفة عقب السقوط المدوي للدولة العباسية على يد المغول سنة 1258م .

كتب عن الثورة وأحداثها ورجالها الشيء الكثير ، ولعل هذا الحدث هو الأكثر فيما كتب عنه توثيقاً وتحليلاً ومشاهدات وذكريات ، حتى أن كتاباً كبيراً تضمن ثبتاً بما كتب عن الثورة قد صدر قبل سنوات ، وأقيم لها متحف في مدينة النجف إحدى معاقل الثورة ، لا أعرف ماذا حل به في السنوات الأخيرة ، وتنوعت الكتابات عنها بين الانصاف والتحيز والاختلاق ، بل بلغ الأمر أن جعل البعض من هذه الثورة التي وقعت أحداثها في أغلب مناطق العراق شمالاً وجنوباً ، حدث خاص بعشيرة واحدة من عشائر الفرات الأوسط ، مما استدعى للرد عليه من الكثيرين .

وعلى الرغم من كثرة الكتابات ، فإن العديد من أحداث الثورة ونتائجها ، لم تزل تحن الى البحث الحقيقي الجاد . ولابد من القول إن الثورة في صفحتها العسكرية بدأت بالتقهقر والفشل الميداني ، مما مكن البريطانيين من إعادة تنظيم احتلالهم للعراق وفق المعطيات التي أدركوها مع أحداث الثورة ، ولكن في الوقت نفسه أدرك صناع القرار الإنكليز بأن الاحتلال المباشر للعراق لا يمكن نجاحه وله عواقب وخيمة ، ولا يمكن حكم العراق بشكل مباشر كما هو الحال في الهند ،فكان التفكير بأنشاء كيان سياسي جديد في العراق لا يتعارض مع نظام الانتداب يمهد للنهوض بالدولة الجديدة والمضي نحو استقلالها الناجز .

الثورة العراقية سنة 1920 حققت بعض ما كان يصبو إليه رجال الثورة ، وهو الضغط على بريطانيا بتغيير سياستها الاستعمارية بتأسيس حكم وطني ، وهذه حقيقة يجب أن لا تغرب عن الجميع .. ولكن في الوقت نفسه يجب أن نعترف أن الثورة في صفحتها العسكرية قد فشلت وتراجعت الانتصارات التي وقعت هنا وهناك الى أن تم إخماد الثورة ومطاردة رجالها .

إن المؤرخ المنصف لا يمكن أن يبخس رجال الثورة من زعماء دينيين وعشائريين ومثقفين جهادهم وما بذلوه في سبيل الاستقلال والحرية وإقامة دولة جديدة بعد انقضاء العهد العثماني الذي استمر نحو أربعة قرون . لقد خرج العراق من الحرب العالمية الأولى طامحاً الى آمال واسعة وفقاً لتطلعات الشعوب نحو النهوض والتقدم . وقبل أن نلج الى تفصيل التساؤل ، لابد من تقدير جهود الملك فيصل الأول ورجال حكمه المؤسسين للدولة العراقية الناشئة في سبيل توطيد الكيان الجديد وتأمين حدوده ، والجهود الكبيرة للحفاظ على الموصل ، والحصول على اعتراف الدول الكبرى والدول المجاورة ولاسيما تركيا وبلاد نجد ( السعودية) وإيران التي لم تعترف بالعراق إلا بعد ثماني سنوات من تأسيسه ، ثم إدخاله في عصبة الأمم ليكون العراق بلداً كامل الاستقلال باعتراف دولي كامل .

أسباب الثورة العراقية الكبرى سنة 1920 كثيرة ومتنوعة ، ولعل الدكتور علي الوردي في الجزء الخامس من كتابه ( لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ) كان الأكثر تحرياً للحقيقة عند حديثه عن أسباب اندلاع الثورة بلا مواراة أو محاباة ، وإن ( الوطنية ) ليست وحدها كافية لتفسير قيام الثورة . ومهما يكن من شيء فإن الثورة قامت بعد أحداث ممهدة لها ، ثم اندلعت عسكرياً في الثلاثين من حزيران 1920 على النحو المعروف .

ولكن ، يخامرني كلما قرأت عن الثورة وأحداثها وأعلامها سؤال بريء ، وأنا مدرك بعمق وطنية الكثير ممن شارك بالثورة :

ماذا لو نجحت ثورة العشرين عسكرياً وأخرجت بريطانيا من العراق في تلك الفترة الحرجة ؟

اعتقد أنه لو قدر للثورة العراقية النجاح العسكري الى النهاية بإخراج القوات البريطانية من العراق وإنهاء الدور البريطاني .. لم يكن من السهولة تكوين كيان سياسي معترف به وقيام الدولة العراقية الجديدة .

وأود أن أقدم ما يُبرر اعتقادي بالحقائق التالية :

1. كانت مطالبة تركيا بولاية الموصل بكل انحائها ( ومنها منطقة كردستان) قد بدأت ، وأصبح مستقبل الموصل ومصيرها غامضاً ، وذلك إن الاتراك تركوا الموصل بعد عقد الهدنة سنة 1918 وإن بعض العراقيين في كركوك والموصل يفضلون الالتحاق بتركيا .

2. كان عدد كبير من أبرز وجهاء البصرة يطالبون بالانفصال والانضمام الى حكومة الهند البريطانية كما فعل شيوخ منطقة الخليج العربي لأسباب تجارية وأمنية .

3. كان الصراع الهاشمي السعودي قد احتدم وكانت نظرة عاهل السعودية نحو الحكم الهاشمي في العراق نظرة لا تخلو من العداء ، والغارات على حدود العراق لم تتوقف ، ولم تتمكن الحكومة العراقية من ردها إلا بعد الاستعانة بالبريطانيين وذلك بعد انعقاد مؤتمر كربلاء في نيسان 1922 .

4. كانت المنطقة الكردية تشهد ثورة تطالب بالاستقلال بقيادة الشيخ محمود الحفيد الذي سمى نفسه ملك كردستان ، وقد جدد ثورته بعد تأسيس الدولة العراقية سنة 1921 .

5. كان عدد من كبار زعماء المنطقة الغربية يفضلون بقاء الحكم الانكليزي المباشر ، وهذا ما افصحت عنه المس بيل في رسائلها .

6. بعد أن أخرج الفرنسيون الأمير فيصل من سوريا وأصبحت بلاد الشام المجاورة للعراق تحت حكمهم المباشر ، أصبحوا يضمرون العداء لفيصل وحكومته عندما أصبح ملكاً في العراق .

7. إيران وكعادتها منذ قرون كانت ترى في بعض مناطق العراق تابعة لها ولها قيمومة عليها ، ولا تعترف بحدود العراق معها وتطالب بتعديل معاهدتها مع الدولة العثمانية حول الحدود مع العراق ، وهذا ما يفسر تأخر الاعتراف الإيراني بالدولة العراقية الى سنة 1929 .

8. أما بالنسبة لزعماء العراق ومنهم ممن ساهم بالثورة العراقية فقد كانت آراؤهم متنافرة لا يجمعهم جامع سوى العبارات الرنانة ، يقول مير بصري : لو قدر للثورة العراقية النجاح لالفت في بغداد وألوية العراق حكومة محلية يحكمها خليط متنافر من الوطنيين ومجتهدي النجف وكربلاء والكاظمية وشيوخ العشائر في الفرات وديالى . ومن الأمثلة يمكن أن نشير الى موقف نقيب بغداد عبد الرحمن الكيلاني القلِق ومواقف طالب النقيب الطموح للسلطة .

9. كانت مواقف الكثير من المثقفين العراقيين غير واضحة من الثورة نفسها أو من النتائج التي تمخضت عنها ، وبعضهم كان يرى في بريطانيا الأمل الوحيد في عودة المجد العربي وتأسيس الدولة العربية اسوة بالدولة التي نشأت بعد الحرب .

10. لقد تبين الصراع حول السلطة والمصالح المختلفة عندما برزت قضية عرش العراق ، ولولا التدخل البريطاني الذي اعتمد على مطالب الحركة الوطنية بتوجيه زعامة الدولة العراقية الناشئة الى أحد أنجال الشريف حسين وهو فيصل لأصبح أمر مستقبل العراق مجهولاً وخطيراً .

  كتب بتأريخ :  الأحد 05-07-2020     عدد القراء :  981       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced