عيوب جدّية في ممارسات أحزاب سياسية تعرقل استقرار العراق 1-2
بقلم : عادل حبه
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

انتقل العراق إلى جادة الديمقراطية على ركام النظام الديكتاتوري بعد الغزو الأميركي وحلفائه للعراق في التاسع من نيسان عام 2003، في بلد لم يشهد مثل هذا النظام طوال تاريخه الحديث والقديم، ولم تُتح للشعب العراقي أية فرصة ليمارس هذا النمط من النشاط في إدارة شؤونه.

وحُرمت غالبية الأحزاب العراقية من ممارسة حقها الديمقراطي المنصوص عليه في أول دستور شُرِّع عند تأسيس الدولة العراقية الحديثة. ولم يكن هناك أي تصور عند غالبية من الأحزاب عن ماهية الديمقراطية سواء في إدارة المجتمع أو حتى في حياتها الداخلية. ولم يكن لديها أية خارطة طريق ولا آلية لتحقيق الديمقراطية ولا دراسة وبحوث حول سبل الوصول إلى هذا الهدف، بالرغم من أن غالبية هذه الأحزاب كانت تردد طوال نشاطها خاصة ضد النظام الديكتاتوري مطالبتها بالديمقراطية، كمفهوم عام، وكرد فعل على عسف النظام السابق المعادي للديمقراطية، بإستثناء الأحزاب الدينية على إختلاف مشاربها التي أعلنت صراحة عن مبدأ آخر هو "الشورى" ضمن إطار تصورهم الديني لمشاركة الشعب في إدارة شؤونه، ولكنها قبلت أثناء اجتماعات المعارضة العراقية قبيل سقوط النظام السابق وبُعيده بالديمقراطية بعمومياتها.

إن المجتمع العراقي ورث تركة ثقيلة من الحكم الديكتاتوري السابق الذي أقام دولة هشة مشرذمة ضعيفة الأركان غير قادرة على الاستمرار، بحيث إنها انهارت عند الدقائق الأولى من اختفاء رأس الحكم. فقد إتخذت قمة الحكم الكثير من الإجراءات التي تكرس فردية إتخاذ القرار وحكم العائلة والمبالغة في العسف والعنف، علاوة على اتخاذه جملة من القرارات الإقتصادية والاجتماعية والإدارية التي أدت إلى تهميش فئتين إجتماعيتين وثيقتا الصلة بإرساء قواعد الديمقراطية في المجتمع الحديث؛ أي الطبقة العاملة، عندما شرع بتحويل العمال إلى موظفين في الدولة ويرتبط مصيرهم بمصير الدولة، والحد من الدور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للطبقة الوسطى، بما يعني إلغاء أحد أركان التطور الديمقراطي في المجتمع الحديث، وهكذا تحول الإقتصاد العراقي إلى إقتصاد ريعي يفرخ الإستبداد والفساد ويلغي أية إمكانية للتطور الديمقراطي التدريجي في البلاد. وعمد النظام السابق إلى تغيير ديموغرافي تمثل في تهجير فئة واسعة من العراقيين الساكنين في المدينة، بدون وجه حق، بذريعة تبعيتهم إلى دولة مجاورة هي إيران؛ أي تقليص نسبة عدد الساكنين في المدينة العراقية. وسبقه في ذلك النظام الملكي الذي بادر قسراً بتهجير المكون الفعّال اليهودي العراقي خارج العراق. هذا إضافة إلى هجرة أهالي الريف إلى المدن الرئيسة في العراق كالبصرة وبغداد وكركوك والموصل، بسبب قلة الإهتمام بتطوير الريف وتحديثه وتوعيته ونشر التعليم والثقافة الحديثة فيه، الذين نقلوا إلى المدينة كل مظاهر الضعف في شتى المجالات إلى المدينة بدل أن يتأثر بأجواء المدينة. ووصل الأمر بالنظام السابق إلى تدمير ما يزيد على 8000 قرية في إقليم كردستان، مما يعني عملياً تدمير إقتصاد القطاع الزراعي في الإقليم، وإسكان الفلاحين المهجرين بالإكراه في مدن الإقليم أو الإبعاد إلى المدن الوسطى والجنوبية. وأدت الهجرة من الريف، طوعاً أو بالإكراه، أثراً سلبياً على ثقافة ووعي سكان المدن، حيث زاد حجم القوى الهامشية (البروليتاريا الرثة) في المجتمع العراقي.

تشير كل تجارب العالم خلال المرحلة الإنتقالية من الأنظمة الشمولية والإستبدادية تقريباً إلى ضرورة المرور بمراحل إنتقالية والتدرج في تحقيق هدف إرساء قواعد الديمقراطية في البلاد. فالتركة الثقيلة التي يرثها أي مجتمع من النظام الإستبدادي تحتاج إلى التروي والتدرج والتبصر لمعالجة الآثار السلبية لتلك الأنظمة، وهذا ما فطنت إليه بعض الأحزاب العراقية المعارضة في إجتماعاتها قبيل سقوط النظام عام 2003، وإقترحت تشكيل حكومة وطنية مؤقتة وإنتقالية تتولى إتخاذ خطوات متأنية لإنتقال العراق صوب الديمقراطية، وعدم الإستعجال في الإنتقال مباشرة إلى هذا النمط من إدارة الدولة. ولكن وللأسف طالبت المؤسسات الدينية اللجوء إلى الإنتخابات الفورية وحرمت البلاد من التدرج الضروري في الإنتقال إلى نظام يحقق مشاركة الشعب في إدارة شؤونه. وتشير التجربة الأوروبية على وجه الخصوص، إن للديمقراطية قواعدها وقوانينها وثقافتها وبيئتها الإجتماعية والإقتصادية وهي في تطور وتكامل دائم إلى الآن. ولم يتوفر أي من هذه العوامل في البيئة العراقية التي قامت على أنقاض النظم الديكتاتوري.

لقد ورثت غالبية الأحزاب السياسية العراقية القديمة منها والجديدة، التي بلغت أكثر من ثلاثمائة حزب، كل عيوب وممارسات الأنظمة المتعاقبة السابقة المعادية للديمقراطية التي حافظت على البيئة الإقتصادية والإجتماعية والفكرية والثقافية هي نفسها، بل وتدهورت أكثر، دون علاج أو إجراء إي تغيير خاصة في الميدان الإقتصادي القائم على الفساد جراء هيمنة الإقتصاد الريعي.

إن بعض الأحزاب السياسية التي رفعت السلاح ضد النظام قبل عام 2003، قررت الإحتفاظ بسلاحها وضاعفته لتحوله إلى وسيلة ضغط لفرض إرادتها وسلطتها على المجتمع وإستباحة الدولة وانتهاك القانون بهدف الحصول على المغانم، إذا إستثنينا الحزب الشيوعي العراقي، الذي أعلن حل فصائل الأنصار المسلحة بعد سقوط النظام والشروع بالعمل والنشاط السلمي. وإستمراراً لهذه العقلية التي ورثت عن النظام السابق، عقلية العسكرة والعنف والإكراه، راحت بعض الأحزاب الجديدة تشكل أذرعها المسلحة بدعوى المقاومة وطرد المحتل، ولكنها في الواقع إنخرطت في مواجهات أما بين هذه الأذرع المسلحة حول الغنائم، كما حدث في غالبية المحافظات الجنوبية أو في محافظات الإقليم، أو في مواجهات طائفية مقيتة غذّتها أطراف إقليمية طائفية تسعى إلى إضعاف وتدمير طاقات العراق، أو في خوض نزاعات عشائرية وقومية مما أسهمت في تعميق تشرذم النسيج العراقي. ومما يشكل أكثر خطراً على البلاد واستقرارها هو استغلال أطراف إقليمية لهذا المشهد لتتحول إلى حامية لهذه الأذرع ووسيلة لنشر نفوذها مما أدى إلى أن تتحول هذه الأذرع المسلحة وأحزابها إلى رهينة وأداة لتحقيق أجندات هذه الدول الإقليمية والدولية. وأبرز مثال على ذلك داعش وما ألحقه من ضحايا وخراب وعدم استقرار بالعراق وممارسات الميليشيات التي زاد عددها إلى أكثر من 70 ميليشيا عسكرية تدين غالبيتها بالولاء لأطراف ومرجعيات خارجية، أو أنها إرتهنت لها.

نزعة العسكرة وهوس التسلح في المجتمع، تحول إلى نمط من أنماط البزنس، ومن الطبيعي أن يؤدي هذا الهوس ونزعة التسلح خارج إطار الدولة إلى زيادة شهية أقطابها إلى توسيع نفوذهم وسطوتهم جغرافياً للحصول على المغانم، مما أدى تدريجياً إلى تقسيم أراضي العراق إلى كانتونات لا تخضع لأية رقابة من قبل الدولة المركزية، ودشنت البلاد عهداً بالغ التعقيد، حيث فقدت الدولة العراقية خلاله ما بقي من سيادتها وهيبتها، وأضحت ميداناً تصول فيها وتجول مختلف أنواع الميليشيات المرتبطة بغالبيتها بدول إقليمية وغيرها، وبذلك إنتُهكت أبسط مقومات السيادة والإستقلال في البلاد.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 04-09-2020     عدد القراء :  1326       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced