كثيراً ما نسمع عبارات مثل (العراقي شجاع أو العراقي لا يخاف والعراقي ابو الغيرة، وهو ابن الملحة..) وهي كلمات مديح جميلة، ومدعاة للفخر في ظاهرها، لكنها حملت وتحمل الويلات لهذا الكائن المسكين (العراقي)
الذي لا يميز بين الشجاعة والتهور، وبين الخوف والجبن، وبين الغيرة والحماقة وسواها من الثنائيات القاتلة هذه، وقد دفع الكثير من رجالنا وأولادنا وأسرنا بعامة الثمن الباهظ في المال والأنفس والممتلكات جراء سوء الفهم هذا، في اندفاعات أقل ما يقال عنها أنها بلا معنى، دونما إرشاد من واعظ على منبر أو باحث في جامعة أو زعيم في حزب سياسي.
وبعيداً عن تعريف الطب النفسي للخوف والذي يقول:" بأن الخوف شعور يُصيب عقل الإنسان المترقب لحدوث أمر سلبيّ له من خطر معين" فان الخوف يُتجاوز بالادراك والتعلم ليصبح عقلانيا وحالة طبيعية في السلوك العام. ولعل ما يحمل العراقي على الاندفاع والتهور وارتكاب أفعال تقع دائماً خارج السلوك السوي في الصدامات المسلحة بخاصة هو عدم قدرته على تعريف الخوف بما لا يظهره بصفة الجبان في محيطه، فتراه يذهب الى أقصى حدود العنف، نافياً أيَّ وجود للعقل والإدراك وغير مبال بالنتائج المترتبة على سلوكه هذا. وكثيراً ما نسمع من عراقي يشير الى قوته و(شجاعته) وجرأته بقوله: أنا ما أخاف حتى من الله.
لو بحثنا في قضية بسيطة مثل موقف العراقي من الاحتفاظ ببندقيته، وإصراره على تعزيز ممانعته، وتنويع مصادر قوته بالأسلحة، لوجدناه محقاً جداً، فهو في غابة حقيقية، والوحوش فيها كثيرة، فلا قانون لحمايته، ولا سلطة تردع من يتجاوز عليه، لذا لم يبق أمامه سوى الاعتماد على نفسه في أسرته وعشيرته، وهنا، في الحيّز الضيّق هذا انتفى التفسير الفلسفي للخوف ولا جدوى من الذهاب به الى العقل والاحتكام للمنطق، إذ، لا وقت لديه لفلسفة مترددة تضيع حياته، وتفقده ما يملك، وتقلل من شأنه في محيطه، وبذلك تكون البندقية أقصر وأنجع السبل أمامه، وما الشجاعة إلا القتال والموت والدم وتحطيم الخصم، ولو دققنا في الأمر عميقاً لوجدنا انَّ الدولة بضعفها وعجزها وإهمالها للقوانين هي المسؤول الأول والأخير في ما حدث له ولـ (خصومه) أيضاً.
هي دعوة خالصة للحكومة بأن تجعل العراقي يخاف، فخوفه هذا ضروري جداً لضمان حياته، ومستقبل أولاده، ولا أقول لإرهابه بقوة السلاح، أبداً، فهي الأسوأ هنا، أنا أدعوها لتخيفه بقوة القانون، وأن تجعل من سلطة القضاء معينا له في إيجاد تفسير جديد للخوف عنده، وأن تفهمه بأن الطمانينة والعيش الرغيد لا يأتي بالبندقية، فهو بحاجة أكيدة للخروج من حاضنته الاجتماعية، التي تشنّع عليه تراجعه في أيّ مواجهة، سواء أكانت في الحق أو الباطل، اللذين اختلطا في فهمه، ولم يعد يرى الشعرة التي تفصل بينهما. وأرى بأن الوقت قد حان للعراقي بالخروج من دائرة الحماقة والتهور الى دائرة العقل والإدراك، وما ذلك بعسير إن أخذت الدولة بيده، وتمكنت من انتزاع البندقية التي في رأسه، والتي بات وللأسف، لا يرى طريقه وحياته ومستقبل أولاده إلا منها. ربما تنفع مقالتنا هذه القائمين على حملة نزع أسلحة العشائر التي لم تفد من تجارب الحملات السابقة.