أين العراق من إشكالات تطبيق الرؤية الستراتيجية للتنمية المستدامة 2030؟
بقلم : د. أحمد عبد الرزاق شكارة
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

في عام 2019 أعلنت وزارة التخطيط العراقية عن الرؤية الستراتيجية للتنمية المستدامة ل2030 من خلال عنوان مركز واضح : "المستقبل الذي نريد – The Future we want" فريق فني مهني تولى إعداد وكتابة الموضوعات الرئيسة التي تناولتها الرؤية عبر 70 صفحة يمكن الاطلاع عليها في موقع وزارة التخطيط العراقية.

الغرض من الرؤية : التأكيد على مقولة مهمة جداً تشير إلى أن الاهتمام بإماني وآمال ومتطلبات الجيل الحالي يفترض أن تعزز وتبشر ببناء جيل قادم واعد في ظله يتمتع العراقيون جميعاً بمستقبل أفضل في ظل تنمية إنسانية مستدامة تستفيد من ثمار غرست بذورها في أجيال سابقة .

السؤال المباشر : هل سينتفض طائر العنقاء الأسطوري "العراق" مستعيداً عافيته وقوته بحركة ريشه المستمرة ومعها مسيرة التنمية الإنسانية ، نافضاً بذلك غبار ورماد عقود متعددة من التخلف ، الجهل ، العنف ، الفقر، المرض ، وسوء إدارة مزمن ؟ للإجابة : إن الغرض من المقالة ليس فقط تكرار الحديث عن مضامين التنمية الانسانية ومساراتها بل أهميتها تكمن في تلمس مسار المستقبل وإمكانية التغيير الايجابي أخذاً بالاعتبار المفارقات التي نشهدها بين الواقع المؤسف الذي نعيشه والامال المنتظرة التي يرنو إليها كل عراقي. العراق وشعبه الأبي بتاريخه الحضاري –القيمي وموارده الطبيعية والإنسانية يستحق الأفضل من منجزات الحضارة الإنسانية ما يفترض أن تترجم رؤية التنمية الستراتيجية الانسانية ل2030 إلى حقائق رائعة ناصعة تضع العراق فعلاً في مركز الصدارة العالمي للتنمية الانسانية الكونية. الحكمة الصينية تقول إنه إذا لم نغير الاتجاه من المحتمل أن ننتهي بالضبط في المنطقة التي نحن فيها أي دون أي تغيير. علماً بإن ألبرت إينشتاين العالم الشهير أخبرنا أيضاً بأننا لن نوجد حلاً للمشكلات المهمة التي نجابهها (اليوم) طالما نستمر بذات مستوى التفكير الذي أنتجها . الخطة الأخيرة للتنمية المستدامة تعد بمثابة خارطة طريق Road-map يمتزج فيها عمل وجهد فاعل مؤثر يمهد لإنجازات حيوية ترفع من مستوى ونوعية حياة الانسان العراقي بكل المجالات الحياتية . . إذن نحن بأمس الحاجة لخطة جيوستراتيجية –تنموية شاملة تطبق عبر مراحل زمنية محددة متضمنة اولويات ومجهودات علمية وعملية متنوعة تترافق وتتوازى مع موارد مالية ضخمة يتم تخصيصها وإنفاقها بصورة متزنة ومتوازنة عادلة لكل القطاعات الحكومية التي تشمل مختلف إدارات ومؤسسات الدولة العراقية بالاشتراك مع مسيرة وطنية تدعم أهداف وقيم منظمات المجتمع المدني غير الحكومية NGO’sفي كل ما تقوم به من خدمات إنسانية جليلة للفئات المحرومة.

العراق يقع في "عين العاصفة" ولكن لديه نافذة ضيقة بمثابة فرصة حيوية للتحرك المثمر بإتجاه إتخاذ قرارات ستراتيجية حيوية . تقع البلاد حالياً على مفترق تقاطع طرق جيوسياسي – اقتصادي يزداد حراجةعقب جائحة كورونا التي غيرت وستغير من معالم ومضمون المشهد الكوني بضمن ذلك العراق . من هنا ، الصورة المتوقعة : أما سنجد ذواتنا ضمن صورة قاتمة لإنهيار حضاري كوني متسارع تغلفه أزمات عالمية خطيرة ستعاني منها مجتمعاتنا من صورها مايلي : انتشار متسارع للاوبئة (على غرار جائحة كورونا مع كل التداعيات الخطيرة المصاحبة)، وللارهاب ، وللحروب الاقليمية والمحلية ، ظواهر أخرى تميز المرحلة القادمة منها : عدم التسامح والرغبة في التعايش المشترك وصولاً لحالات صادمة من إنعدام الامن بمفهومه الشامل آمنياً واقتصادياً ومجتمعياً وقد يشتمل على حالات متكررة للعنف الدموي الخطيرة التي يذهب ضحاياها الأبرياء من شعبنا .. كل ذلك يقع ضمن محيط ايكولوجي وبيئيي متنوعEcological and Environmental Diversified setting ومعقد وغير متيقن منه قد لايسمح بالبقاء على قيد الحياة للأجناس البشرية أوغيرها من الكائنات الحية . أو قد يكون الأمر مختلفاً وإيجابياً يتحدث عن مفاجآت سارة Happy Breakthrough incidents- صعب تصورها حالياً ولكنها ممكنة مستقبلاً من خلال تبني البلاد تنمية إنسانية حضارية منتظمة مستدامة تسمح بمستقبل أفضل لبلادنا وشعبنا.

لكن ما المقصود حقاً برؤية 2030 للتنمية المستدامة؟ الإجابة المركزة مايلي: "عراقيون متمكنون يقطنون في دولة آمنة ، في ظل مجتمع موحد يتمتع بإقتصاد متنوع وبيئة مستدامة وعدل وحكم رشيد". الخطة يفترض أن تحتضن تأسيس عقد إجتماعي جديد بين الدولة العراقية ومواطنيها جميعاً بهدف تعزيز الثقة المتبادلة وتوفير فرص واعدة للتنمية الذاتية تمهد لإطلاق مرحلة إنتاج مثمر للدخل الفردي والوطني . كل ذلك يحسب للعراق طالما بلورت السلطة السياسية حكماً رشيداً Good Governance متمثلاً بأعلى درجات الوعي ، التخطيط والاستعداد لإستقطاب موارده البشرية الحيوية ،ومن موارد أخرى مادية– طبيعية "مائية –زراعية ، ومعدنية" ضخمة غير مستغلة بشكل كاف و يراد تفعيلها والانتفاع منها بصورة مهنية عالية الكفاءة. ترتيباً على ذلك تم تحديد عدد من أسس حيوية تنموية للعراق لابد من الاهتمام بها ومتابعة تطبيقها بإنتظام نذكر بعضا منها : أهمية الارتقاء بدرجة النمو الاقتصادي وعلاقته بالتنمية المستدامة ، إتخاذ إجراءات وسياسات رصينة من الاندماج الاجتماعي "المجتمعي"- الاقتصادي ، التمكين Empowerment للرجل وللمرأة العاملة وأخيراً الاهتمام الضروري ببوابة الاستثمار الخارجي مدخلاً للتقدم والرفاه . ما تقدم يتطلب إنعاشاً للثقة المتبادلة بين الدولة ومؤسسات الاستثمار الخارجي بهدف إنجاز مشروعات جادة مثمرة تلائم البيئة العراقية وتخدم مصلحة العراق أولاً وفقاً لإحدث التصورات والتطبيقات العالمية بما يؤدي إلى تنمية الاستثمار في الرأسمال الاجتماعي – الاقتصادي والارتقاء به بإعتبار أن الإنسان يعد أداة بل هو محور جوهري لإستقطاب برامج ومشروعات التنمية الإنسانية. ما يؤسف بل يحزن له كثيراً أن الانسان في بلادنا مازال يعيش في مستويات دنيا بل ويعاني فقراً شديداً بلغ في بعض المحافظات الجنوبية والوسطى (40 ألى 50 بالمائة) بعيداً عن نيل حصة جوهرية "مادية ومعنوية" من عوائد برنامج التنمية الانسانية في بلد ثري جداً بإمكاناته بشرياً ومادياً . التصور الراهن يؤكد لنا أن الانسان في العراق وفي دول تماثل حالته من الضعف والفشل الاداري - السياسي مازال مواطنوه في الغالب الأعم يعيشون مرحلة الاقصاء والتهميش والفقر المدقع وإستبعاد نخبه العلمية من المشاركة الفاعلة في بنائه . أما العدل والانصاف فهما ركيزتان أساسيتان لنجاح اية خطة يسترشد بها نظام سياسي يوفر "الحكم الرشيد" ولكنهما بعيدان عن الترجمة العملية .. إضافة إلى كل ما تقدم ذكره هناك جملة من السمات "الخصائص" التي تنتقص من قوة وهيبة الدولة على الاقل في الامد القصير : على رأسها غياب الشفافية والمحاسبة القضائية العادلة الشديدة لحيتان الفساد ، علماً بإن الاجراءات الرسمية الأخيرة في استقدام واعتقال البعض منهم بتهم فساد تعد بوادر مشجعة نسبيا نحو إعمال دولة القانون وعدل إجتماعي وإدماج للعراق في المجتمع الدولي سياسياً وأقتصاديا وتقنيا . من منظور مكمل ما يحدث من تطورات سياسية وأمنية في العراق مازالت تحمل بين الحين والآخر بصمات العنف المسلح من قبل "قوى اللادولة" التي تجابه حالياً حملة حكومية حازمة للحد من تأثيراتها ونتائجها السلبية . إن نجاح المسارالسلمي - الاصلاحي –التنموي سيبعث برسائل إطمئنان لشعبنا منها أن مخاوف وقلق الشارع العراقي من استتباب الأمن الحقيقي الشامل ومن محاسبة قتلة المتظاهرين سياخذ بنظر الاعتبار في ظل حكومة السيد مصطفى الكاظمي ، مايعني أن بلدنا وشعبنا لم ولن يتقبل حدوث تغييرات جيوسياسية – اقتصادية – مجتمعية تتم عن طريق العنف المسلح خارج الإطار القانوني للدولة.

أساس أخر مهم يرتكز على ضرورة تطابق compatibility وتكييف adaptation وتكامل complementarity جهود التنمية على الصعد الوطنية مع الجهد العالمي من أجل تحقق تنمية إنسانية مستدامة. حتى الان لايبدو ذلك أمراً وارداً طالما لم يتم تدارك المعايير المهنية والعلمية في تطبيق إجراءات وسياسات التنمية الانسانية ما يعقد التوصل لرؤية ستراتيجية تمكن البلاد والعباد من تلبية متطلبات التنمية الإنسانية. ضمن هذا السياق لايمكننا تصور تنفيذ خطة ستراتيجية للتنمية الإنسانية بعيداً عن التخطيط السليم والدقيق لإمكانات العراق بموازاة خطة حيوية للتنويع الاقتصادي الذي يفترض إن ينهي حالة الدولة الريعية الاقتصاد التي تعتمد موازنتها على اكثر من 95 بالمائة على عوائد النفط مع كل مايجر ذلك من معاناة ومتاعب للاقتصاد وللمجتمع . السيد الكاظمي له قول مهم يعبر عن ذهنية سائدة لدى صناع القرار في مراحل سابقة يراد تغييرها تعرف بظاهرة الدولة الريعية في العراق : "النفط أو الموت ". لاشك إن التنويع الاقتصادي للموارد ولمصادر الطاقة سيعمد لإتساع مساحة الاقتصاد الاخضر الذي يستند على الطاقة المتجددة الخضراء ما سيعني توفر فرصاً حقيقية كريمة للعمل في مجالات اساسية ليس بالضرورة في القطاع الحكومي بل في القطاع الخاص تحديدا من أجل بناء مستقبل مشرق للعراق. ما يأخذنا لاساس آخر مكمل مهم جداً يؤكد على ضرورة بناء شراكات إقتصادية –سياسية حقيقية بين العراق والمجتمع الدولي ، إضافة إلى إنعاش أدوار تنموية أيجابية للمنظمات الدولية والاقليمية وأخرى للمجتمعات المدنية وللجامعات وللاعلام الجديد والقديم معا ما يقدم في النهاية شكلاً ونموذجاً مبدعاً حيوياً للتنمية الإنسانية المستدامة. ضمن تصور مبدع يمكننا أن نشجع دفع عجلة النمو والتنمية معا من خلال تطبيق نموذج داينمي لرؤية 2030 إن طبقت فعلاً بكل تفاصيلها يمكن توقع حصول تغييرات إيجابية عالية في نسب النمو والتنمية الاقتصادية وفي معدلات مماثلة لأستيعاب وخلق عمالة مهنية تناسب وتواكب عصر مابعد كورونا .

  كتب بتأريخ :  السبت 17-10-2020     عدد القراء :  1056       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced