ثورة تشرين وتحديات المستقبل وبناء الوطن- الدولة
بقلم : محمَّد حسين الرفاعي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

أتوقف هنا عند جملة إشكالات، وإشكاليات مجتمعيَّة بعامَّةٍ، وسياسيَّة بخاصَّةٍ، تتطلَّب تمعُّناً وتأملاً عميقاً، وتمثيلاً في التجربة، من قِبَلِ الذَّوات الفاعلة في حركة مجتمعيَّة عامَّة هي ثورة تشرين. أقول ثورة، ولا أقول اِنتفاضة، لأنَّ الثورةَ، تُؤخَذُ من جذرها بواسطة ما تُحدِّده، وتَضعه، فتغيِّره، في بِنيَة الثقافة المجتمعيَّة، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ.

[I] ثورة تشرين بوصفها ثورةً في بِنيَة الثقافة المجتمعيَّة:

ظاهرة تشرين، بوصفها ثورةً، لا يمكن أن تُختزلَ في فرد، أو جماعةٍ، أو فئة، دون غيرها. إنَّ أساسها إنَّما هو تعدُّد الصرخة في وجه الفساد، والقتل، وشراء الذمم، وبيع الوطن للأجانب، شرقاً، وغرباً. فإنَّ كل ذلك حدث بواسطة التَّظاهر السلمي. إنَّها بلغت مستوى الثورة في بِنيَة الثقافة المجتمعيَّة؛ اِنطلاقاً من كونها ظاهرة مجتمعيَّة قائمة بحد ذاتها. فإنَّه لأوَّلِ مرَّةٍ:

I- يُجبر الزعيم على إعادة النظر بنفسه، وبأفعاله، وأفعال جماعته السياسية،

II- ويرتفع الوطن إلى مكانته الطبيعية: الأعلى من الجميع،

III- وتظهر المرأة العراقية بكل حُرِّيَّة في ساحات التظاهر، وتثبت وجودها المجتمعيّ،

IV- وتكشف السلطة عن وحشيَّتِها، وإمكانها القضاء على الاِختلاف معها، في سبيل الحفاظ على مصالحها.

[II]ثورة تشرين وتحديد الفعل السياسيّ:

ومن أجل أنَّ تاريخَ الأوطان يُكتب بالدَّمِ؛ فإنَّه لا يمكن أن يتوقَّف هذا النزيف المستمر إلاَّ بتمثيل مجتمعيٍّ، وسياسيٍّ لكلِّ ضروب التعدُّد الآيديولوجي، والتنوُّع المجتمعيّ، والاِختلاف الفكري. وهذا يتوقف على الاتفاق بين جميع الجهات، من الأسفل إلى الأعلى، ومن الأعلى إلى الأسفل، على سبل الوصول إلى ذلك، بالتوقف عند المحطات الآتية:

I- اِحتكار العنف وممارسته بواسطة الدولة، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ، واِعتبار كل سلاح خارج عنها- كان سلاحاً أو مالاً سياسيَّاً فاسداً، لا فرق- تمرُّدًا يواجه بقانون، وبتطبيقه بصرامة، ومن دون مجاملة أحد،

II- مفوضيَّة اِنتخابات جديدة، تتشكل من متخصِّصين مستقلين، برقابة دولية عليها،

III- قانون جديد للاِنتخابات يكون الوطن أساسه، ويفسح المجال أمام وصول الشباب إلى البرلمان،

IV- تنظيم الاِنتخابات المبكرة وفقاً لإرادة تشرين.

[III] ظاهرةٌ تفكك الإسلام السياسي:

إنَّ ثورة تشرين أصبحت مدرسةً علَّمتنا وتعلِّمنا دروساً مهمة:

I- لقد فضحت الإسلام السياسي بكل فرقه، وأحزابه، وتشكلاته، من السنّة، والشيعة،

II- لقد أثبتت لنا أن لكل طاغية يومه، وأن الوطنَ أعلى من الطغاة، ورجال التسلُّط،

III- علمتنا أننا إذا أردنا الممكن يجب أن نطلب المستحيل،

IV- كما إنَّها أعطت درساً جديداً في الحُرِّيَّة يتمثَّل في أن الحُرِّيَّة، والعدالة، والمساواة، ليست موضوعاتٍ للترف الفكري، بل ضرورات وجود.

[IV] المشاركة السياسية لثورة تشرين:

ثورة تشرين فكرة مجتمعيَّة تجسَّدَت على أفضل ما يكون؛ ولقد حان الوقت كي تتجسَّد في الواقع السياسيّ، وتخوض صراعَ الاِنتخابات... إنَّها اِستمدت شرعيَّتها المجتمعيَّة، ومشروعيَّتها القانونية- أخيراً، بواسطة وسيلتين مباشرتين: سلميَّتها الفذة في الغالب، والقمع المتوحش لها من قِبَلِ رجال التسلُّط... في هذا السَّبيل، كل ضروب الاِختلاف، والتنوع، والتعدُّد، بين الشباب، إنَّما هي غنىً للفكرة، وتغذية مستمرة لها. هكذا، يمكن لتكوينٍ- تنظيمٍ سياسيٍّ، أن ينطلق من أهدافها الوطنية العامَّة والشاملة، ويضم كل ذاك الاِختلاف، والتعدُّد، والتنوع، و يبدأ بالسير على طريق أخذ حق الوطن، والمواطن، بالتمثيل، والمشاركة.

[V] تساؤلات أساسيَّة لكل الجماعات السياسية الجديدة:

كلُّ الجَّماعاتِ السياسيَّةِ الجديدة، بعامَّةٍ، وكلُّ الأحزاب بخاصَّةٍ، سوف تعيد التجربة البائسة نفسها، وسوف لا تسعى لأكثر من الوصول إلى السلطة، إذا هي لم تتوقف، طويلاً، عند، وداخل التَّساؤلات الأساسيَّة الآتية:

I- كيف يمكن بناء اِقتصاد وطني، يقوم على إعادة تشغيل المصنع؟

II- كيف يمكن تحديث المدرسة- والجامعة على نحو بحيث تواكب المدارس والجامعات العالَميَّة؟

III- كيف يمكن اِحتكار العنف بيد الدولة، وبناء عسكر يقوم على إرادة مستقلة عن الشرق، والغرب؟

IV- كيف يمكن بناء علاقات مع الجيران، والإقليم، والعالَم، تقوم على المصلحة الوطنية، لا بَعدَ- الوطنية، ولا قَبلَ- الوطنية؟

[V] ولكن، كيف يُحافظ على السِلْميَّةِ؟

كيف يمكن الحفاظ على سلميَّة التظاهرات وسلامة المتظاهرين؟ وكيف يمكن أن تكون السلمية أكثر تأثيرًا من أي دعوة مشبوهة للعنف؟

I- باِحترام كل الرموز الدينيَّة، والمجتمعيَّة التي تتمتع بتقدير من قِبَلِ فئة، أو طبقة، أو مجموعة، أو جماعة مجتمعيَّة،

II- باِحترام الاِختلاف الآيديولوجي، والتعدُّد الفكري، والتنوع المجتمعيّ، وعدم التجاوز على أي ضرب من ضروبه مهما كان،

III- بالعمل بروح النحن، وروح المجتمع، ومصلحة الوطن، والمواطن، وعدم وضع الخلافات الشخصية في وجه تحقيق مصالح الوطن،

IV- بالشعارات التي تنتقد برنامجًا ما، أو خطة ما، أو سياسة ما، أو فكرة ما، وليست تذهب إلى اِستهداف شخصية ما، أو جماعة ما،

V- باِحترام القوات الأمنيَّة، والعسكر بعامَّةٍ، ووضع تقديرهم وتقدير أفعالهم في موضع تقدير الوطن، والدولة،

VI- بواسطة تنظيم الصفوف، وتوحيد الكلمة، والإصغاء لكل ضروب النقد- والنقد المضاد؛ من أجل الوطن- الدولة، والمستقبل.

... هكذا، وهكذا فقط يمكن للسلمية أن تحمل معاني الاِنتصار في طياتها.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 28-10-2020     عدد القراء :  918       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced