بإرادتك أو بدونها، اكسر إحدى قوائم السرير ليبدو المشهد مربكاً، وبمشيئتك أو بدونها، اجعل نافذتك بزجاج غير مضبب ومائيٍ، ثمة من يستهويها رؤيتك بقميص النوم، وما تفعله بخرطوم المياه في الحديقة، فجرَ كلِّ يوم، لا تنتفع الاشجارُ به حسب، هناك، من تتلصصُ عليك مطمئناً الى المسناة،
حيث تحتشد السلاحف عند قاعها الطحلبي، هذه الغَرْباءُ قوستها الريح فصارت الى الماء أدنى، الى الحجر الذي يخضرُّ منذ أمس ويشقى بك واقفاً، متأملاً، ياه ... في الممشى الضيق الى بيت الخطّار من الأوز ما يكفي لبهجة الصباح.
قطعة الجبنة بالزيتون وبالنعناع، فطور العارفين، النازلين من أعلى الحلم الى قيعة الأمل، منشدي القصائد على الأنهار، وما الندى، بالغُ المسيل الى مجلسك، بين الدُّفلى وبعضها، بين الحنّاء وما يليها، إلا ما يَكْمُل في المباهج، ويختفي في المداخن والاحزان. إقرأ كتابك حيث لا أحد يسمعك ويراك، واكتب بيراع روحك ما يدوم ويضيئ في الألواح، وإن شئت، إرم صنارتك في النهر المحيط، تتلقف الأسماك طعومك، وما عجنت يداك في النهار، إفتح باب قفص قلبك، ولتذهب بلابلُه الى كل الجهات، هذا يوم للحرية كله، نهار لا ترتفع فيه الأشرعة المهزومة، فالريح شرقية تهبّ من الخليج الرطب اليك، يحملها مدٌّ آخره هناك، حيث جلست أمس، وحيث أضعتَ مفتاح غرفتك الأخير، ونسيت منديل الحكايات الملون وعلبة الفقاع.
قليل من السرور في حافظة السنوات، فقد أكلت الحروب ما كان لك منها، ومضت عربة أيامك، بخيولها النافرة الى حيث شاءت، لا الى ما شئت، فعن أيّ الجسور تحدثني؟ وهذا، الذي يتنزل من عليّين غضبك، أنّى لهُ، هذا، المركب الصعب، يصعد بي فلا أكاد له سلماً، ولا ابلغ فيه نهايةً، وهبك أردت الرضى والصفح من أحدٍ، أتراك بالغه؟ وإن بلغتهُ، فماذا ستضع في سلال القبول والرضى؟ كلمة خائنة جبانة، مما يسوّقه المتنطعون الى بعضهم؟ أيّ زيف هذا الذي تخشاه؟ وقد خُلقت من إمتلاء وعُجْبٍ، من دعة وثبات، من يقين وسواه. لذا، أدعوك أن تاخذني الى مشيئتك الاولى، الى حدائق الوجد التي لم يسوّرها أحدٌ بعد، الى باليتات ولوحات كارافاجيو وبوغيرو ومونيه ورينوار، ومستحمات سيزان، فما أجدني إلا هناك، أتقلب في ما بين أيديهم من الخطوط والألوان والمساحيق. أريد لهذا الجسد ما يكفنه من الجمال، ولهذه الروح ما يبقيها فيه الى الأبد.
يوحشني أنني لم أحفظ عن البلابل غربتها في الاقفاص، لم اتحسس ضجر الناسنيس في حدائق الحيوان، ولم أقترب كثيراً من قلوب الأسود والنمور وكلِّ ذوي مخلب ناشب، أبكي عنها ما جعلها أسيرة مرح السائحين ودعابتهم، ولا آلمَ لنفسي من شجرة اقتلعها إعصارٌ وساقها الى بحر مالح عميق، هناك أجدني، عند جذورها ناحباً، ألا قاتل الله الانهار والنخيل والسموات الزرق فقد صيروني بهذا الفرع، وجعلوا من جسدي منامة كل فجيعة، ومن شرفة أحلامي ملاذاً لكل غصن تعطلت الريح بين وريقاته، ولكل طائر خربت العاصفة عشّه. أيّ شقاء أن تنوء بحمل الأغصان والأجنحة وأفواف الورد وفساتين النسوة النازلات من اللوحات لقلبك، أي كأس حمراء أو صفراء سيكون بمقدورها ترتيب المخمل على صفحة الجفن لتنام؟