مغارة علي بابا وقانون معادلة الشهادات
بقلم : د. نادية هناوي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لم يعد غريباً أن نواجه بين الفينة والأخرى خضّة تجهيل هنا وهزّة استغفال هناك، تنحدران بنا إلى مزيد من التراجع والتردي العلمي والمعرفي.

ولا عجب بعد ذلك في أن تكون الخضّة تنفيذية أو تكون تشريعية ما دامت قد أُعدت صياغاتها وقننت بنودها مواد وفقرات في كواليس احترف المتدرئون فيها القنونة بأصولية تتخذ شكل قرارات أو تعليمات أو قوانين وآخرها ما يعرف بـ( قانون معادلة الشهادات والدرجات العلمية) الذي تمت قراءته في البرلمان ثم التصويت عليه لتكون المصادقة الرسمية على العمل به اعتبارا من 28 تشرين الأول 2020 ملغياً بذلك العمل بالقانون ذي الرقم 5 لسنة 1976 النافذ والمتضمن تعليمات معادلة الشهادات والدرجات العلمية العربية والاجنبية. وهو ما أثار سخطاً كبيراً وامتعاضاً واسعاً على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي.

ومن الأسباب التي سُوغ بها تشريع هذا القانون ما يأتي( أحكام الدستور وأهمية التعليم بوصفه عاملا أساساً في تقدم المجتمع وتشجيعاً للبحث العلمي للأغراض السلمية بما يخدم الإنسانية ولرعاية المتفوقين والمبدعين والمبتكرين والحث على الحصول على الشهادات العليا مع الحفاظ على الرصانة العلمية وتبسيط إجراءات معادلة وتقييم الشهادات والدرجات العلمية واعتماد المعايير الموضوعية وكفالة حق الاعتراض والتظلم على قرارات التقييم والمعادلة ) وليس وراء هذه العبارات الرنانة أية صحة أو مصداقية وإنما هي فذلكات تعبيرية وجمل إنشائية وذرائع واهية وغرابيل صدئة لن تستطيع أن تحجب الحقيقة الناصعة.

وإذا وصفنا هذا القانون بأنه جائر ويضر بالمصلحة العامة فلن نجانب الصواب ليس للسرعة الفائقة في صياغته والجاهزية العاجلة في تمريره وتنفيذه؛ وإنما في المكاسب الآنية الربحية التي يحققها لأطراف منتفعة من السلطة التشريعية( البرلمان ) ناهيك عن المضار العامة المترتبة على اعتبارات معادلة الشهادات والدرجات العلمية والمهنية ( غير العراقية ) من قبيل أن الشهادة التي تلي المتوسطة ويكون عدد السنوات فيها مساوياً لعدد سنوات الدراسة الثانوية تفيد في أغراض المعادلة. وبالتأكيد فإن هؤلاء الذين قصدهم القانون بالمعادلة هم أقل بكثير من الغالبية الذين لم يقصدهم والمتخرجين في جامعات ومعاهد ومؤسسات تعليمية ( عراقية)

وأما القائمون بمهمة معادلة (الشهادات) فهم: الامانة العامة لمجلس النواب ووزارة التربية ووزارة الدفاع والوزارات الأخرى والجامعات والمعاهد ومجلس الخدمة العامة الاتحادي. ليس هذا حسب؛ بل إن هناك بنداً يلزم هذه الجهات على كثرتها بأن تستكمل إجراءات المعادلة والتقييم خلال مدة أقصاها( 45 ) يوماً من تأريخ تقديم طلب المعادلة والتقييم. والأدهى أن المعادلة لا تتطلب مناقشة الجوانب العلمية لمضامين الرسائل والأطاريح باستثناء موضوع ( السلامة الفكرية) أي أن هذه السلامة ما زالت هي الموضوع الأهم من أي علم أو تعلم كما في النظام البائد.

فهل انتهت امتيازات فانوس المعادلة السحري للشهادات المصنوعة خارج العراق ؟ الجواب كلا؛ إذ أن الحاجة بدت ضرورية إلى أهمية أن لا يُلزم القانون صاحب الشهادة بمدة تعلم اللغة والدراسات التكميلية كما أن المعادلة التي ينص عليها البرلمان ينبغي أن تكون بصورة مستقلة ليحق له القول من ثم (وبخلاف ذلك تحتسب الدراسات التحضيرية العامة المقررة وكذلك التدريب الإلزامي المشترط قبل الحصول على الشهادة) وأن( تسمى الشهادات عند معادلتها بأسمائها الاصلية المستعملة في البلد المانح مع ذكر الاسم الأصلي لها بأنها أعلى شهادة مهنية او فنية او علمية او تكنولوجية في حقل الاختصاص في البلد المانح) مراعيا في المعادلة الحد الادنى من السنوات المقررة للحصول على الشهادة (الخارج عراقية) وأن( تعتمد معادلة الشهادات على الوثائق الدراسية وقوائم إجور الدراسة المصدقة من قبل الملحقية الثقافية المعتمدة في سفارة جمهورية العراق (( دون الحاجة لتصديق السفارة أو وزارة الخارجية )) وتعززها المادة رقم( 9 اولاً ) التي تنص على أن ( لصاحب الطلب التظلم من قرار عدم التعادل لدى الوزير أو من يخوله او المدير العام او من يخوله خلال (90) تسعين يوماً من تاريخ صدوره ) فضلا عن امكانية أن( يعاد النظر بطلبات معادلة الشهادات السابقة التي تم رفضها أو التي لم يتم البت فيها على أن يقدم طلب المعادلة خلال مدة لا تزيد عن سنة ) الى غير ذلك من الفقرات والبنود الاخرى التي لا تخرج عن النمط أعلاه مما يتعلق بالمراعاة والاستثناء والخلاف بخصوص مدد الاقامة والمؤسسات والنظم الدراسية المطبقة لمعايير الرصانة العلمية أو لا .

فهل بعد كل هذا الدلال دلال ؟ !!

الجواب نعم؛ هناك دلال استثنائي آخر يتمثل في أن لصاحب الشهادة التي لا يمكن معادلتها الحق في أن يقدم مذكرة تتضمن شرحاً وافياً(( للحالة )) ليقوم الوزير بمعادلة شهادة( المتظلم) غير المستوفية لكل شروط الدلال أعلاه( موافقاً ) على الشهادة التي يريدها هذا (المتظلم). والتبرير لهذا الدلال الاستثنائي هو (توفر أسباب منعت الطالب من إكمال المدة المذكورة في هذا القانون..)

لتكون مغارة علي بابا التي لا تفتح إلا أن يقال لصخرة بابها افتح ياسمسم أقل عجائبية وفانتازية من مغارة البرلمانيين( أعضاء مجلس النواب المحترمين) وهم يغدقون بالقوانين النافعة على أنفسهم ومعهم ينتفع أيضا على الوناسة والسلوان الوزراء ومن هم بدرجتهم والوكلاء ومن هم بدرجتهم والمديرون العامون ومن هم بدرجتهم والدرجات الخاصة العليا الذين إذا أراد أحدهم شهادة جامعية؛ فإن أبواب المغارة ستفتح على طريقة( شبيك لبيك الشهادة بين يديك )

ولأن من جاور السعيد يسعد؛ فإن الموظفين أو المكلفين بالخدمة لهم أيضاً أن ينالوا الشهادات وبأي شكل يريدونها أولية معهدية أو جامعية عليا( دبلوم او ماجستير أو دكتوراه ) داخل العراق أو خارجه وبصرف النظر عن ( العمر). ومن بعد ذلك يمكن لهؤلاء جميعا بوصفهم حملة شهادات عليا أن يُمنحوا اللقب العلمي كاستثناءً يجعل خدماتهم السابقة مدورة لأغراض الترقية إلى مرتبة أعلى.

والأمر المثير حقاً في هذا القانون( الفلتة ) أنه وإن لم يرتب على المعادلة الشهاداتية إي أثر مالي ولا شمول بأحكام قانون الخدمة الجامعية فإنه جعل الشهادة محسوبة لأغراض العلاوة والترفيع والتقاعد. وكأن القانون سُن لغرضين الأول سايكولوجي يردم به صاحب الشهادة نقصاً روحياً وذاتياً لا تسده أموال امتيازاته البرلمانية والثاني مستقبلي به يضمن بالشهادة امتيازاته ما بعد البرلمانية يوم لا ينفع برلمان ولا صولجان.

ونتساءل بحرقة ما هذه السرعة التي ما عهدناها من برلمان كسول في ما فيه خير الصالح العام، ونشيط وفعال في ما له مساس مباشر بمصالح رواده ومنتسبيه ومن دون أدنى احتساب لحجم المفاجأة غير المتوقعة التي سيعكسها هذا القانون في نفوس من يمس مصالحهم (بخاصة) قبل أن يمس مصالح المجموع العام ؟

إن ردود الفعل إزاء قانون معادلة الشهادات الجامعية كانت لافتة للنظر وهي ترفضه جملة وتفصيلاً، متسائلين بدهشة لماذا كان الرفض الوزاري والجامعي سريعاً وحازماً هنا في هذه الحالة فقط ؟ وإذا كانت الجهات الممثلة للتعليم العالي حريصة الى هذه الدرجة على العلمية فلماذا إذن عشرات القرارات الجامعية المتعلقة بالمقررات وسياقات التدريس وتقييم الاداء والترقية والامتحانات وآليات النجاح والعبور ما زال معمولاً بها مع انها غير نافعة وبليدة حتى أنها جردت الاستاذ من كل مقومات الاستاذية وجعلت الشهادة مطروحة على الطريق بلا هيبة ولا عنفوان مضيعة على النظام الجامعي حرمة سياقاته الرصينة ؟

أما ما يتعلق بكعكعة البعثات والمنح الدراسية والزمالات وهبات الاستاذ الزائر والاستاذ المتمرس فحدّث ولا حرج عن حجم التواطؤات والمحسوبيات وما يجري تحت العباءة من صفقات ؟ وأما ضوابط النشر وسبل التقييم وجودة النظام في التعليم العالي الاهلي والمسائي فتحت طاولة النقاش الكثير مما لا يسعنا طرحه في هذا المقال ؟ ولعل سؤال الأسئلة هو : متى وأين يمكن لنا إعادة النظر في القرارات الجامعية البليدة والعشوائية مصححين فقرة هنا أو مضيفين أخرى وربما حاذفين لقرار من تلك القرارات بالمطلق؟!!

ليس عسيراً الاجابة عن هذه التساؤلات لا لأنها معلومة الإجابة وجهاً وقفاً؛ بل لأن لا حق لمن يعترض على جهة هي نفسها الممثلة الوحيدة للقانون. والنتيجة أن التعليم العالي يظل سائراً في اتجاهه الذي رسمته له تلك الجهة وها هو اليوم مثل كابينة على قارعة الطريق لمن (هب) يبحث عن اعتبار مادي ولمن( دب) يريد ردم نقص هو فاقده ما دامت السبل القانونية متاحة ورسمية وهي تمكن ذاك الهاب وهذا الداب من الالتفاف عليها وايجاد الثغرات التي منها يحصل على قرار او يعدل قرارا لا يفيد أحدا سواه، فيصل القمة متربعا على عرش الشهادة دكتوراً واستاذاً وربما يرافقهما نيل منصب جامعي مرموق وكرسي يتحذلق من ورائه.. وكيف لا يتحذلق وهو الذي عرف دروب الالتفاف باشكالها واتقن أساليب التلاعب على أصولها.

بعبارة أدق أقول: ما كان لقانون المعادلة أن يثير حفيظة أصحاب القرار في التعليم العالي ومجالس الجامعات لولا أنه يمس مصالحهم الشخصية. ولو كانت بنود هذا القانون وفقراته تمس قضايا علمية بحتة وتتهاون في شروط تتعلق بالبحث والنشر والتقييم بعيدا عن التعيين بدرجة مدير عام وما فوقها وما تحتها لما اهتم لهذا القانون مهتم ولما كانت ردة الفعل بهذا الشكل اللافت للنظر.

فأية أهمية ستكون للشهادة أولية كانت أو عليا وقد سُفح العلم على مذبح الجهل قربانا لاشخاص لو عددناهم فلن يشكل رقمهم أية نسبة أصلاً ؟ وما الذي سيفيده العراق من تضخم أعداد حملة الشهادات سوى ضياع قيمة الشهادات ؟ إلا يكفينا سخاء وزارة التعليم العالي وهي تمنح المقاعد بالمجان لدراسات عليا لا تخطيط نظرياً فيها ولا تأمل واقعياً لحالها حتى تكدست الرفوف برسائل وأطاريح تعيد المعاد ليكون جاهزاً للاعادة من جديد. وغصت أروقة الكليات باشخاص محسوبين انهم طلاب دراسات علياً لا يريدون تعلماً ولا بحثا ولا تدريباً بل يريدون شهادة عليا فقط لا غير ؟.

أما الاستاذ فليس له إلا أن ينصاع لإرادة هؤلاء ويأخذ بأيديهم ليجتازوا سنوات الدراسة، إذ الوزارة معهم وستمدهم بالعون رافعة الراسب ومعيدة المرقن قيده وبحسب رغبته. وأية رصانة ننتظرها ونحن نهدر السياقات بالتوصيات؟ وأية قيمة تبقى للترقيات والألقاب ؟ وأية تخصصية نبحث عنها داخل أروقة جامعاتنا والاستاذ / متأستذ يهادن في عمله منتفعاً من رئاسة لجنة تمكنه من تمرير موضوعات بعضها مدروس وبعضها متلاعب في عنوانه وبعضها مسطو عليه إن لم يكن قد جعل نفسه الموضوع، ممكناً هؤلاء المريدين للشهادة أن ينالوها ؟

أما إذا حصل وكان هناك طالب جيد فان هذا الاستاذ سيفرض عليه موضوعاً يشترط فيه أن يأخذ قسم منه لينشره في كتاب يطبعه وعليه اسم ذلك المتأستذ/ المتأستذة بلا خجل ولا حياء ؟ ولو قامت الوزارة بعمل إحصائية بالموضوعات التي اشرف عليها المتأستذون والكتب التي اصدروها فسينكشف لها العجب العجاب علماً أن الآوان لم يفت بعد على عمل مثل هذه الاحصائيات ما دام هؤلاء المتأستذون لم يتقاعدوا بعد؟

وأين هم أصحاب المواهب العلمية الفذه ذوو الجهود المتميزة الذين لهم أهميتهم النوعية في ميدان البحث العلمي وقد استحوذ على مكانهم من لا علمية لديه ولا رصانة له ولا استشارة ترجى منه ؟ وبأي حق تكون ضوابط التعيين والتدريس عامة وشاملة وعشوائية وفوضوية وهي تجعل كل من حمل الشهادة مؤهلا للتدريس في الجامعات أو المعاهد أو مراكز التدريب والتطوير ؟

كم من قرار جامعي تم تمريره مع أن الاعتراضات والرفض من لدن لجان أو افراد أو تشكيلات تترى وتتصاعد وهي ترفضه او تطالب بتعديله، وخير مثال على ذلك الدراسات العليا التي تفتح كل عام ويزاد في مقاعدها باطراد وعلى مختلف الاختصاصات رغم أنف المطالبين بتجميدها أو تقليصها في الأقسام والكليات التي صارت متخمة من زيادة هذه الدراسات عن حاجتها الفعلية ؟ وكم هي القرارات التي تاتي مرفقة باستمارات لا جدوى منها وهي تفرض فرضا والشكوى مستمرة من لا نفعيتها كونها تضيع الوقت وتعيد التاريخ الى الوراء ؟ وكم هي اسماء الذين رقن قيدهم وعادوا بكل الق وشموخ لياخذوا الشهادة والوزارة في ظهورهم تساندهم ؟ وكم من أوامر صدرت بتعيينات وترقيات وتنقلات أناس لا يعرف كيف وأين ومتى انتسبوا الى التعليم العالي ؟ وكم من أموال اهدرت على ترميمات بائسة لا تغير سوى أصباغ بأصباغ وتشطيبات متهرئة لا تنفع ولا تضر وإضافات لا يتعدى انجازها السقوف الثانوية والأرضيات أو تبديل الطاولات والكراسي ؟ أما الدعوات الإخوانية اللا علمية والمنصات الافتراضية التكتلية والاحتفالات الفارغة والملتقيات العقيمة والأنشطة الاستعراضية فلا تعني شيئاً بالنسبة لتعليم يراد له أن يكون عاليا بينما عشرات المشاريع المقترحة والمدروسة باقية على الأدراج يعلوها الغبار إن لم تكن القوارض هي النديم لها .

وأين الحمية على العلم والعلماء وعشرات الكفاءات العلمية تحال على التقاعد وهي ليست كأي صنف من الموظفين يتقاعدون فلا أحد يسد مكانها ؟ وكيف يسد مكانها من تعلم أن الخبرة والكفاءة تعنيان لقلقة اللسان الذي به يداري الخواء والعجز ؟ وأين الحمية على طلابنا وكل يوم يصدر قرار يسهل للكسول إمكانيات بلوغ الشهادة مضيعاً على المتفوق جهوده ؟ ولماذا يبذل الطالب المتفوق الجهد وهو يرى أمر الشهادة صار أسهل من قضمة تفاحة فلا تعب في البحث ولا مجهودات في التنقيب؟

أما صناعة الشخصية البحثية فليس مكانها هنا في مؤسساتنا الخاوية التي فيها المنتسب للتعليم العالي نصف أستاذ في أروقة شبه جامعية وقد غدا كل شيء داخل التعليم العالي مثل خارجه، متاحاً بقرارات مجانية وحيثيات عشوائية معدة بما يناسب ذوي القدرات البسيطة والمتواضعة، خادمة بالدرجة الأساس توجهات أصحاب الوساطة والمحسوبية وذوي النفوذ.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 09-11-2020     عدد القراء :  1362       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced