في تقرير نشرته صحيفة "يو اس ايه توداي "نقلا عن بيان للبنتاجون، جاء فيه أن حاملة الطائرات نيميتز التابعة للبحرية الاميركية والقوة الضاربة المرافقة لها صدرت لهما أوامر بالتوجه صوب منطقة الخليج لتوفير الحماية ألازمة للقوات الاميركية التي من المتوقع انسحابها من العراق وافغانستان.
إلا أنه، وفقاً للعديد من الخبراء، فإن الدافع الرئيس في القرار هو معرفة الإدارة الأميركية سلفا بتفاصيل العملية الإرهابية التي خططت لها إسرائيل، باغتيال عالم نووي ايراني بارز، وتوقعها لردة فعل سريعة من قبل إيران توفر الفرصة لصقور الإدارة الأمريكية بتوجيه ضربة صاروخية للمفاعل النووي الإيراني تقضي على احتمال عودة أميركا للاتفاق بشأنه في كانون الثاني القادم، بعد مغادرة الرئيس ترامب للبيت الأبيض.
ومع أن شبكة "سي ان ان" ، كانت قد ذكرت بان الأوامر بتوجه نيميتز الى منطقة الخليج اتخذت قبل ظهور الإعلان الرسمي عن اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة. إلا أنها كشفت في نفس الوقت، نقلاً عن مصادرها في البنتاغون، أن "نيميتز" قد تبقى في الخليج حتى كانون الثاني ، عندما تتسلم إدارة جو بايدن مقاليد السلطة في الولايات المتحدة.
وكانت القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية (CENTCOM) قد أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستنقل أسراب طائرات مقاتلة من طراز F-16 من ألمانيا إلى الإمارات العربية المتحدة "لردع العدوان وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة"، كما جاء في الإعلان، دون الإشارة الى مصدر "العدوان"، ولكن من المنطقي أن نفترض بأن الأمر يتعلق بإيران.
ومن جهته، أعلن البنتاجون في بيان رسمي له، أن سرب المقاتلات رقم 480 سوف يشارك في " تدريبات جوية للعمليات القتالية، للمساهمة في الانتشار السريع للقوات الاميركية في أي مكان في العالم وفى أي وقت كان". علماً بأن السرب 480 هو جزء من فوج المقاتلات 52 في قاعدة سبانغديلم الجوية في ألمانيا. ومن هناك، كما جاء في بيان النتاجون، نُقلت مقاتلات القوات الجوية الأميركية، إلى جانب أفراد الصيانة الأرضية، إلى قاعدة الظفرة الجوية في الامارات العربية المتحدة.
تجدر الإشارة الى ان الولايات المتحدة الاميركية، كانت قد نشرت، في وقت سابق، قاذفات ستراتيجية من طراز B-52H في الشرق الأوسط. وقالت القيادة المركزية في بيان إن "طواقم من طراز B-52H التابعة للسرب الخامس، والمتمركزة في قاعدة ماينو الجوية في داكوتا الشمالية، طارت على الفور في تحليق بعيد المدى إلى الشرق الأوسط في 21 تشرين الثاني " لردع العدوان وتأكيد الدعم لشركاء وحلفاء أميركا في المنطقة"، كما جاء في البيان.
وفي نفس السياق، حذر مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الجنرال هربرت ماكماستر، في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز في 12 تشرين الثاني/نوفمبر من أن إسرائيل قد تهاجم إيران إذا "اكتشفت أي مصدر تهديد لها، حتى في الأيام الأخيرة من إدارة ترامب". واشار ماكماستر الى ان اسرائيل تتبع "مبدأ الضربة الاستباقية " الذى يعنى ان الاسرائيليين لن يترددوا عن تدمير اي مصدر تهديد لوجودها في اي دولة معادية وسيبذلون قصارى جهدهم لإحباط محاولات ايران لصنع او الحصول على أسلحة دمار شامل. وقد سميت هذه العقيدة على اسم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغن الذى امر في يونيو عام 1981 بضرب المفاعل النووي في العراق . كما أشار ماكماستر، كذلك، إلى الضربات الإسرائيلية في أيلول 2007 على أهداف في سوريا، حيث يجري تطوير أسلحة نووية، وفقاً للاستخبارات العسكرية للدولة العبرية.
على أي حال، فقد وصِف الشهران الأخيران وجود ترامب في البيت الأبيض، في الولايات المتحدة وإسرائيل، بأنهما "فترة حساسة للغاية" يمكن أن تحدث فيها قفزة حادة في مستوى المواجهة مع إيران، حتى التورط في نزاع عسكري مباشر مع ذلك البلد. وكان من المتوقع أن تستفيد إسرائيل من تلك الفترة الى أقصى حد ممكن ولن تتوانى عن تحشيد كل الإمكانيات لتوسيع نطاق أي عمل عسكري يحصل بحيث يشمل المنطقة بأسرها. وهذا يفسر، ما أشيع في وسائل الإعلام، قبل اغتيال العالم الإيراني، عن الزيارة المثيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المملكة العربية السعودية واجتماعه مع الحاكم الفعلي لأكبر نظام ملكي عربي، ولي عهد المملكة السعودية محمد بن سلمان. وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو هناك في ذلك الوقت.
ومع أن وسائل الإعلام الغربية، كانت قد قيمت ردة فعل إيران على عملية اغتيال محسن فخري زاده على أنها سوف لا تتجاوز اجراءات مارستها في وقت سابق من هذا العام عندما قُتل قائد القوات الخاصة في الحرس الثوري الإسلامي الجنرال قاسم سليمان في مطار بغداد الدولي على يد القوات الجوية الأميركية (بطائرة بدون طيار). الا أن هنالك توقعات، بما فيها روسية، بأن ردة الفعل الايرانية ستتجاوز ذلك بكثير، حتى وإن كانت محدودة. ولكن إيران، حسب نفس المصادر، ستتريث في اختيارها للتوقيت المناسب للرد لكي لا تقع في مصيدة المخططات الاسرائيلية.
وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء ايرنا، أمر الزعيم الأعلى لإيران اية الله سيد على خامنئي " بمعاقبة المسؤولين " عن الهجوم الإرهابي الذي أدى الى اغتيال العالم الكبير محسن فخري زاده المسؤول عن تطوير البرنامج النووي بوزارة الدفاع الإيرانية. وفي خطاب بثه التلفزيون الرسمي الايراني، ألقى الرئيس حسن روحاني باللوم على إسرائيل في عملية القتل. وأضاف "أن شعبنا أكثر حكمة ولن يسمح لنفسه بان يقع في فخ مخططات النظام الصهيوني. ولا شك أن إيران سترد على استشهاد عالمنا في الوقت المناسب".
من الواضح، من تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن إيران تدرك بأن هدف إسرائيل هو جرها إلى الحرب في وقت وظرف مناسب لها، وبالتالي، فلكي لا تقع إيران في "الفخ"، الذي سعت إسرائيل لاستدراجها إليه، يتعين عليها التريث لاختيار وقت وظرف آخر لأي رد انتقامي.
وأخيراً، فإن كان من المؤكد صعوبة التكهن الآن بتوقيت وطبيعة الرد الإيراني، وهل مازال من الممكن تجنب الانزلاق نحو الحرب الشاملة والاكتفاء ب "الانتقام المحدود". الا أن الراجح، حتى الآن، هو أن إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وكذلك ترامب، سيفعلون ما بوسعهم من أجل أن تفقد إيران صبرها وترد بعمل انتقامي، أياً كان حجمه، قبل وصول بايدن إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني.