استثنائية تفعيل قرار الأمم المتحدة مسؤولية الحماية والتداعيات المحتملة
بقلم : د. أحمد عبد الرزاق شكارة
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

مع إنطلاق الموعد السنوي الثاني لثورة تشرين وفي أعقاب سجل مؤلم جدا لم يغلق بعد منذ عام 2019 يتمحور حول ضرورة مسؤولية المحاسبة العادلة لمرتكبي جرائم القتل المتعمد ضد المتظاهرين السلميين وأخرين من رجال الأمن (تجاوز الضحايا من الشهداء ال550 والجرحى بحدود تصل إل مايقارب من 25000 )

تنتفض مجدداً محافظات العراق الوسطى والجنوبية إنطلاقا من محطتي العاصمة بغداد –ساحة التحرير و مؤخراً بحدة أشد من ذي قار- الناصرية - ساحة الحبوبي ويبرز معها سؤال مهم برسم الإجابة : كيف يمكننا تفعيل قرار الأمم المتحدة الخاص بتطبيق مبدأ مسؤولية الحمايةResponsibility to Protect-R2P --الصادرعن الجمعية العامة -2005 ؟

إن تكرر أعمال العنف في أكثر من مجال ومحفل ومنها عدد من النزاعات العشائرية الدموية غالباً ما تحمل أنباءً غير سعيدة للعراق تتمثل بإزهاق أرواح مقدسة ، وأخرى تقبع في حالة إنعاش سريري وثالثة تتعافى ولكن بعضها برغم تعافيه تستمر معاناته من أمراض نفسية –مجتمعية تنعكس سلباً على صحة وعافية الأشخاص المعنيين بها وأسرهم تستدعى اللجوء لاستثنائية تطبيق القرار الاممي مسؤولية الحماية . إن الإعلان الرسمي عن مبدأ مسؤولية الحماية من قبل الأمم المتحدة ورد في بيانها الصادرعام 2005 خلال إجتماع القمة العالمي لرؤساء الدول والحكومات. خلاصة الإعلان تقول بأن على دول العالم مسؤولية حماية سكانها من جملة مخاطر وتهديدات تصل لحد جرائم كبرى يمكن وصفها بالخطيرة أو الجسيمة إنسانياً منها : "الإبادة" ، التطهير العرقي ، الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحروب المتنوعة في حجمها وتأثيراتها المأساوية.

أبتداءً يمكننا التأكيد على أن المحاسبة القانونية – القضائية لمثل هذه الجرائم الكبرى تعد مسؤولية الدولة أولاً وتتم بتفعيل دورها في التصدي الحازم لمثل هذه الجرائم الجسيمة ومنعها مسبقاً . ولعل الأمر يعد بمثابة تحصيل حاصل لإحترام سيادة الدول ومصداقية سلوكها القويم . من ضمن سياق الموضوع المهم الذي نحن بصدده ضرورة منع حالات التحريض أو الفتن المجتمعية –السياسية التي تهدد مؤسسات الدولة أو قد تضعفها لدرجة تجعل قوى اللادولة أقوى وأكثر فاعلية ونشاطاً من قوة الدولة الاخذة في عدد من المجالات بالانحدار . ينطبق الحال على الدول التي تعاني من هشاشة مؤسسية - فكرية –سياسية – أمنية واقتصادية (لا نستثني العراق منها). ترتيباً على ذلك، على المجتمع الدولي من خلال دور إيجابي تضمنه وتعززه الأمم المتحدة أن يعمد لتشجيع دول العالم ومنها العراق على أهمية الإعلاء من إستثنائية وعجالة الاهتمام بمسؤولية تطبيق الحماية المجتمعية من خلال الاعتماد على آليات شبكة واسعة لنظام التحذير المبكر "عالي التقنية" Early Warning Systemيغطي كافة صور التهديدات الراهنة والمقبلة لاسامح الله. ضمن هذا السياق يمكننا أن نرى وبوضوح مثلا أن حكومة السيد مصطفى الكاظمي (رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة) وخلال أزمة الناصرية الأمنية سارعت إلى أتخاذ خطوات عملية سريعة مهمة منها إعادة هيكلة بعض المناصب الأمنية وتشكيل خلية لطؤارئ الأزمة من كبار المسؤولين الامنيين (يرأسها مستشار الامن الوطني السيد قاسم الاعرجي ورئيس أركان الجيش الفريق عبد الغني الأسدي) مهمتها إحتواء تشخيص مسببات الأزمة وتداعياتها الخطيرة تمهيداً لإيجاد حلول مستقبلية ناجعة لها.

إن أهمية تحويل التحديات أو التهديدات الامنية إلى فرص مثمرة يتم من خلالها توفر الاستبباب والاستقرار الامنيين لبيئة صناعة القرار تمهيداً لتطبيق أحكام القانون في ظل محيط من العدل الاقتصادي- الاجتماعي أمر يفترض أن يقع في أعلى درجات الاهتمام السياسي وكذا السلم القضائي- الامني – السياسي . من هنا، أهمية أن يتم إعتبار تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية للمواطنين مسألة إستثنائية يجب متابعتها والاعلاء من شأنها في كل حين مبررها الموضوعي أغلاق الفجوة القائمة بين فرقاء العملية السياسية سواءً ممن يدعون لبقاء الاوضاع على حالها Status Quo تأكيداً لمبدأ سيادة الدولة State Sovereignty أوالاخرين الذين يدعون بل ينافحون عن ضرورة الحفاظ على حقوق الانسان الاساسية العابرة للحدود. الشيء الواضح في أهمية تفعيل مبدأ مسؤولية الحماية مرتبط بقدرة وكفاءة صناع القرار في توفير الحماية الأمنية – القانونية المستدامة الرصينة للمواطنين وفي حالة النكوص او الاخفاق عن أداء ذلك ، فإن المبدأ يقر في حالات محددة أهمية التدخل الدولي لتطبيق أحكام القانون الانساني Humanitarian Law. السبب يرجع لضرورة أن لايضحى الأخير مدخلاً للتدخل غير المرغوب به في شؤون الدول الأخرى ما يؤثر سلباً على السيادة الوطنية.

إن نجاح الاجهزة الأمنية – السياسية الوطنية في مواجهة الإرهاب والاحتلال الداعشي لإراضي العراق سيسهم مستقبلاً إن استمر زخمه في بناء أسس صلدة مستدامة لمجابهة التحديات الأمنية ومنها توجيه الاهتمام ضد كل أعمال العنف أو الجريمة المنظمة التي ترتبط بشكل أو بأخر بأدوار جماعات تمثل أحزاباً أو تيارات عقائدية مؤدجلة نبعت من رحمها ميليشيات مسلحة تعمل بعضها خارج إطار سلطة الدولة أو اختصاصها السيادي القانوني . الأمر الذي يضر ولاشك بشرعية الدولة وحفاظها على سيادتها الوطنية .من منظور مكمل ، صحيح أن حرية التظاهر السلمي يعد أمراً مقبولاً بل ومشروع دولياً ولاغبار عليه ولكن علينا جميعاً أن نفهم درجة الحساسية والتعقيد التي ترتبط بإحداث العراق تستدعي أتخاذ السلطات الرسمية المركزية إجراءات أستثنائية ملائمة للحماية المجتمعية لكافة المواطنين المدنيين ولكل من يقطن أرض العراق السمحاء دون تمييز من أي نوع أووبعيدا عن أية هيمنة جيوسياسية لإطراف في العملية السياسية من حواضر معينة على أخرى أو على مواطني الدولة عموما . ترتيباً على ذلك ، يصدق الباحث سعد العبيدي بالقول إنه : "لايمكن الفصل بين ماجرى ويجري في الناصرية عن مدن أخرى في وسط وجنوب العراق بينها العاصمة بغداد.." نظراً لكون ظاهرة التظاهر السلمي لروادها الشباب "تكاد تكون مترابطة متداخلة من الجوانب النفسية والسياسية والاجتماعية" خاصة وأن المشتركات التي تجمع فئات التظاهر السلمي تؤكد أن مطالبها الرئيسة بالأمن أولاً وتأمين العمل تخلصاً من البطالة بكل أشكالها ومستوياتها ثانياً مسائل جوهرية إن تم ضمانها لن تهدر الطاقات البشرية الخلاقة و لا المال العام بل وتشكل إحتراماً للكرامة الإنسانية التي تعد اللبنة الاساسية لبناء ودوام الثقة المتبادلة بين المحكومين وصناع القرار . من هنا، على السلطات المعنية القيام بمسؤولياتها الوطنية (الطبيعية والاستثنائية) وعلى رأسها حماية ومنع الأذى عن كل المتظاهرين السلميين من أية فئات قد تعد دخيلة على العمل السياسي الوطني أو ربما تدعي بعضها مشروعية مطالبها السياسية – الايدولوجية على حساب أولوية بناء دولة المواطنة – المدنية ذات المؤسسات الشفافة التي تعتمد مبدأ الثواب والعقاب ممتزجة بقيم المحاسبة القضائية – القانونية لكل عمل أو إجراء تتخذه الدولة. علماً بإن مستقبل العراق لايحتمل الانخراط في نزاعات حادة بين فرقاء أو شركاء العملية السياسية - هذا إن سلمت نواياهم – طالما تستمر ظاهرة المحاصصة السياسية ، المجتمعية والاقتصادية مرسخة بدورها جذور الفساد الإداري – السياسي – الاقتصادي وغيره مما يؤدي إلى إحداث نخر كبير في جسد الدولة لسنوات قادمة . عندئذ تضحى الدولة كالقارب الذي تكاثرت ثقوبه واضحى غير قابل للاصلاح بل وآيلا للغرق إن أجلاً أو عاجلاً. من هنا، كلما توفرت القواسم المشتركة في بناء الوطن كلما تمكن العراقيون جميعاً من تأكيد وترسيخ شكل ومضمون القرار الأممي لمسؤولية الحماية المجتمعية الشاملة مع كل ما يحمله من تداعيات ستنعكس إيجاباً على منع تدخل قوى داخلية أوخارجية هدفها إضعاف العراق وإحلال الفتنة فيه ما يؤدي بالضرورة إلى فشل عملية مؤسسات ديمقراطية حقة مستدامة تتمتع بتقاليد وقيم متينة تحمي وتنمي روح المواطنة ومدنية الدولة على حساب أية إنتماءات طائفية – عرقية – عشائرية وجهوية (مهما كانت درجة أهميتها) . ضمن هذا الإطار فقط يمكن للسلطات المعنية الشرعية أن توفق بين إحترام سيادة الدولة الوطنية من جهة وحماية حقوق الانسان وحرياته الأساسية ما يعزز إستقلالية قرار الدولة السيادي الحر. علماً بإن تفعيل قرار مسؤولية الحماية لابد أن يأخذ بالاعتبار أيضاً مايلي من إجراءات وسياسات مهمة :

أولاً: ضرورة أشراك فاعل لمنظمات المجتمع المدني في تعزيز اللحمة الوطنية وإذكاء الوعي الوطني منعاً لأية تجاوزت معنوية – قيمية أو مادية تضر بأموال وممتلكات الشعب والدولة بهدف توزيع الثمار الاقتصادية بشكل عادل على كافة شرائح المجتمع العراقي .

ثانياً: أهمية تعزيز روح التعاون والتنسيق بين كافة مؤسسات الدولة الديمقراطية الحقة تمتينا للحكم الرشيد من جهة و توطيدا لدورالتنظيمات الاقليمية والدولية من جهة أخرى بهدف بناء عراق حر مستقل الإرادة ولكنه بالضرورة مندمج في إطار نظام عالمي تعددي يعتمد الندّية في التعاملات وفي حل أية إشكالات تصل لحدود أزمات تؤثر سلباً على التنمية الإنسانية المستدامة.

ثالثاً: تمتين كافة إجراءات الحماية الشاملة السديدة المانعة من إختراق قيم ومنظومة حقوق الانسان وحرياته الاساسية إنطلاقا من مبدأ "الوقاية خير من العلاج".

رابعاً: على المحك إستثنائية قيام المجتمع الدولي بدوره الايجابي المسؤول في استتباب الأمن والسلم الدوليين منعا لإزهاق بعض أنظمة الدول المارقة او الفاشلة مزيدا من الارواح الطاهرة إذ لامناص من التحرك السياسي والدبلوماسي السريع في حالة تمادي الانظمة السياسية على خرق حقوق الانسان المدنية – السياسية والاجتماعية - الاقتصادية.

خامساً : لابد للإعلام الحر وللنخب الثقافية ولبيوت الخبرةInstitutions Think Tank المتخصصة بمعالجة الازمات أن تقترح حلولا ناجعة تعظم المكاسب وتقلل الخسائر المادية والمعنوية للدول التي تعاني من هشاشة أو ضعف أوضاعها الاقتصادية – الاجتماعية "الإنسانية" خاصة من تنامي درجات العوز والفقر المدقع. من هنا ، أهمية تشكل ستراتيجية تنموية فاعلة تتخذ سياسات عملية رادعة لحماية المواطنين من كل المخاطر والازمات المتوقعة.

أخيراً : من الأهمية بمكان أن تسرع الدولة من خلال تطبيق سليم وصحيح لمبدأ مسؤولية الحماية في بلورة مسار مستدام للنهضة الفكرية والثقافية الشاملة منعاً لإية أزمات قد تنذر بالتدخل الخارجي المهدد للسلامة وللسيادة الوطنية.

  كتب بتأريخ :  الأحد 13-12-2020     عدد القراء :  1695       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced