بالعادة عندما نسمع هذه الكلمة يتم التركيز على أن هناك جثة وهناك محاولة لتشريحها لمعرفة بعص الأمور والتفاصيل التي من الواجب معرفتها قبل إصدار شهادة الوفاة ، إذا كان سبب الوفاة مجهولاً ، أما إذا كان الانسان معتلاً وجسمه مملوء أمراضاً فان شهادة الوفاة تكون تحصيلاً حاصلاً،
من خلال التجربة والمعرفة والاستنتاج والاطلاع على كل الأوضاع ما يمكن أن يكون في السياسة هو قريب من الإجراءات التي ذكرناها أعلاه مع اختلاف الأدوات والوسائل والمعطيات، ووفق فهم الواقع والأحداث نجد من خلال ذلك أننا أمام حالة مرضية إما تتماثل للشفاء التدريجي وببطء وأما نكون أمام حالة مستعصية في غاية الصعوبة، وسواء كنت طبيباً أم سياسياً فانت بحاجة إلى الخبرة والإرادة التي تجعلك أولا قادراً على تحمل المسؤولية وثانياً أهل للقيام بعملك الموكل إليك.
النظام السياسي في العراق معتل بألف علة من باب الفساد المالي والإداري وباب أخرى المحاصصة التي لا تزال تنخر في جسد الدولة وبين الحين والأخر تهدد الداخل العراقي معضلات أمنية سواء من الإرهاب القادم من خارج الحدود وتسيطر على هذه النقطة أو تلك، أو من خلال التدخل المباشر في القرار السياسي وكل التعاملات السياسية التي أثرت بشكل كبير على عمل الدولة ومؤسساتها، لا يزال النظام السياسي العراقي يعاني من عدم قدرته على مجاراة الأحداث الداخلية والخارجية التي تحيط به لا بل غير قادر على تحقيق النتائج التي تجعل منه قادر على الاستمرار بشكل طبيعي، بالإضافة إلى صناع القرار الذين يعملون وفق معتقداتهم ومنطلقاتهم الأيديولوجية التي تميل بين الحين والآخر إلى هذا الاتجاه أو ذاك وهذا ما ساعد على أن يكون القرار العراقي مرهون بالتحولات التي تحدث في المنطقة وتتوافق مع اتجاهات بالضرورة لا تصب في مصلحة العراق، كان وما زال القائمون على هذا النظام غير قادرين على تحديد أولويات العراق لأن هذه الأخيرة قد لا تتماشى وسياسات قد رسمت خارج الحدود وهي بالتالي مرهونة بسياسات دول الجوار، وتأثر الأخيرة بسياسات الدول الكبرى التي تسيرها وفق مصالحها والعراق يُسير وفق مصالح الأولى، بالتالي فإن النظام السياسي يعاني من مشكلات وعلل لا يمكن أن يسيطر عليها والحلول التي تطرح هنا وهناك لا تجدي.
أما معضلات السلطة فهنا تكمن المشكلة أو كما يسميها المراقبون والمتابعون بالكارثة فالسلطة بالنسبة للطبقة الحزبية مرض استشرى في جسد كياناتها المشكلة سواء السياسية او الاقتصادية، فقد تصارعت الأحزاب منذ اليوم الأول من إنشاء العملية السياسية على ايدي الاميركان على الاستحواذ على السلطة والمال والسلاح، والسعي بكل ما لديهم من قوة من إضعاف الدولة من خلال إفراغها من محتواها وبناء سلسلة من المرجعيات الحزبية التي بدورها سعت للسيطرة على كل تفاصيل الدولة من ضمنها تأسيس ما يسمى بالدولة العميقة التي لا تزال تسيطر على أجزاء من عمل الدولة ابتداءً من منصب وزير انتهاءً بالمناصب الدنيا، بالتالي ومن خلال أن تستأثر هذه الأحزاب على السلطة في العراق حول التنافس السياسي الذي كان من الممكن أن يغير استراتيجية بناء الدولة للأفضل إلى صراع حزبي على المناصب والمكاسب وتسطيح القضايا الرئيسة.
أما المحركات الاجتماعية فقد كتب عنهم الكثير سواء كان منها رجال الدين والعشائر والمثقفين والأكاديميين الخ... من المسميات والأسماء التي من الضروري أن تؤثر على التفكير الجمعي للناس، لكن ما حصل عكس ذلك فكل جهة منهم أو مسمى كان يعمل لصالح الجهة والجماعة التي ينتمي إلى أن ساهم كل واحد منهم على تجزئة المجتمع، ساعدت هذه المحركات على تعزيز سلطة الأحزاب وتربعها على عرش العراق بعد أن تحولت أروقتها إلى تمجيد وتعظيم واتباع، هذه المحركات لم تعمل على تعزيز فكرة المواطنة والهوية الوطنية والتعايش السلمي بل راحت تركض خلف المكاسب والفتات المتساقط من حقائب الأحزاب، والأكثر من ذلك كانت هذه المحركات ولا تزال تلعب دوراً في تظليل شرائح مختلفة من المجتمع كل حسب دوره والمهمة الموكلة إليه، اليوم الدولة تعاني من مشاكل عدة سياسياً هزيلة اقتصادياً منكسرة مشرفة على الإفلاس كل مرافق الدولة تعاني من شلل تام، بالتالي فالعملية السياسة بُنيت على أنقاض ومن غير الممكن أن تكون في حال أفضل إذا ما تغيرت الفواعل والعوامل التي تشكل العمل السياسي في العراق والقوى الداعمة لهم.