عقد سياسي أم اجتماعي جديد في العراق؟ قول جميل بحاجة للتطبيق
بقلم : د. أحمد عبد الرزاق شكارة
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

مع مقتبل العام الجديد 2021 نقلت الأنباء عن عزم فخامة رئيس الجمهورية العراقية السيد برهم صالح على تحقيق إنجازات حقيقية للعراق من خلال تأسيس عقد سياسي جديد ، إذ أكد فخامته على "أن الاصلاحات لن تتحقق من دون معالجة مكامن الخلل" مضيفاً الاهمية المتصاعدة ل"الحاجة لعقد سياسي جديد يمكن العراقيين من بناء دولة بسيادة كاملة".

إن جوهر فكرة العقد الاجتماعي في بناء الدول وردت مفاهيمها المختلفة والجدلية خلال مرحلة القرنين السابع عشر والثامن عشر حيث دعى إليها فقهاء العقد المميزين (ابرزهم هوبز ، لوك وروسو) . من هنا أهمية فكرة تأسيس الدولة في إطار يتوافق مع إنطلاق موجة الحريات مصحوبة بمنظومة حقوق وإلتزامات قانونية – دستورية متبادلة بين الحكام والمحكومين هدفها النهائي في الحالة العراقية خدمة العراق وشعبه من خلال توفير كل أنواع الدعم والحماية إتساقاً مع تطبيق أهداف وطنية سامية مقرونة بسيادة عدالة إجتماعية – إقتصادية وتنمية إنسانية شاملة .

تحديات غاية في الصعوبة والتعقيد في بلد يمارس الديمقراطية بشكل جنيني أكثر منه موضوعي ، صحيح إن العملية السياسية الديمقراطية في العراق بدأت خطواتها الأولى منذ العهد الملكي بجهود سياسية متواضعة ، إلا أنها تركت إرثاً مقبولاً نسبياً . علماً بإن حالة النضج الديمقراطي الحضاري منذ تأسيس الدولة العراقية في 1921 وحتى الآن لم تزل تسير بخطى وئيدة بعيدة عن إحداث تراكم أساسي يؤسس لخلق تراث سياسي – مدني مناسب يوفر بدوره فرصاً مهمة إذن لخلق تقاليد دستورية متينة تتجاوز أهمية صندوق اقتراع وتبديل الوجوه خاصة التي فشلت في إدارة الحكم .

ما مطلوب إذن إعمال تغييرات جوهرية تستقرئ التحديات المستقبلية في ظل النظام السياسي الذي يعتمد الحكم الرشيد وفي إطارمن السياسات والستراتيجيات المثمرة إنجازات يستحقها وينتظرها العراق والعراقيين . إن االاهتمام بالشأن الديمقراطي شكلا ومضمونا يعد توجه حضاريا عقلانيا لتحقيق التقدم وحل المشكلات والازمات بشكل مدني وسلمي مستدام نسبيا خاصة في المرحلة الانتقالية التي يتوقع أن يلتزم بالأعداد وتنفيذ الانتخابات في ال6 من حزيران القادم . من هنا، نؤمل أن يتجه عراق الغد إلى تشكيل صورة وطنية جميلة يتحلى من خلالها نظامه السياسي الجديد بمؤسسات مدنية- ديمقراطية رصينة تنتشل شعبه من حالة عدم الأمن والأمان ، العوز ، الفقر ، الجهل والمرض أو الاوبئة وعلى رأسها كورونا- 19 مع كل النسخ المستحدثة منه.

عقد إجتماعي دعا في فكرته الأولية لإنتقال الجماعة الانسانية من حالة الطبيعة في ظل مايعرف بالقانون الطبيعي تمهيداً لدخولها في مرحلة "الجماعة السياسية" التي إستقر رأيها وفقا لرأي الفقيه الدستوري الدكتور إبراهيم درويش على "إنشاء مجتمع سياسي" . بأختصار دولة مدنية تؤسس لحقوق وواجبات المواطنة الحقة لاحقا بعناصرها المعروفة (الشعب ، الارض ، الحكومة والسيادة) معنية أساساً بإحتكار مطلق لشرعية ومشروعية القوة بمعناها الشامل. اي لا معنى ولا مكان ابدا لوجود فرق من المليشيات المتطرفة أو التي تحمل أيدولوجيات لا تتفق مع بناء عراق حديث نظراً لكونها أيضاً تعمل خارج إرادة وأختصاص السلطة القائمة دستورياً- قانونياً إضافة لكونها تحمل سلاحاً منفلتاً خارج منظومة السلاح الوطني المعهودة.

لعل أول أنطباع للمتابع الحثيث لإوضاع العراق القلقة والمتوترة أمنياً - سياسياً - اقتصادياً وإجتماعياً بل وجيوسياسياً يرى أن مسارات تشكل وتبلور عقد سياسي جديد محفوفة بمخاطر متجددة للتوتر والعنف أوعدم الامن والامان معها يستشعر المواطن العراقي "دع عنك النخب والمسؤولين عن إدارة وحوكمة الشان العراقي" الضرورة العاجلة لترجمة الاقوال الجميلة حول بلورة فكرة عقد سياسي جديد قائم على التوافقات السياسية المجدية إلى أفعال ثابتة مستدامة على الارض . إن مسيرة ال17 عاما منذ 2003 لم تؤتِ أكلها من ثمار ناضجة دانية القطوف تلبي إحتياجات الشعب العراقي الأساسية في كافة المجالات ومنها الامنية – العسكرية ، الاقتصادية – المجتمعية والمهنية – الخدمية ، هذا عدا عن تداعياتها السلبية بل وإنعكاساتها الخطيرةعلى مسار بناء وتنمية دولة بسيادة كاملة تمكن البلاد من إحكام السيادة الوطنية على كامل التراب الوطني بعيداً عن تفعيل قوى اللادولة العنفية Non – State Violent Actors كيلا لايسمح لها بالهيمنة حتى ولو جزئياً على الشأن السياسي - الأمني العراقي ما قد يوفر مجالاً لتدخلات داخلية أو خارجية غير مشروعة بل وغير مرحب بها أصلاً مضرة بمصلحة العراق. الامر الذي يتطلب بلورة تخطيط وطني أستراتيجي شامل بالاتساق مع إطلاق مبادرات رائدة لتعبئة الجهود المادية والبشرية المتخصصة على مختلف الصعد الحكومية وغير الحكومية (منظمات وإتحادات وجمعيات للخدمة والنفع العام) بهدف بناء عراق قوى متمكن وذا سيادة يتعامل بجد ومسؤولية مع مشكلات وأزمات محيطه الداخلي والخارجي. من هنا، تاتي أهمية قول متابعة ما قال به السيد رئيس الجمهورية العراقية الذي نتأمل أن يترجم عملا ، نقتبس مما أشار إليه: "العراق المستقل ذو السيادة الكاملة هو قرار وإرادة تلتزم بمرجعية الدولة والدستور ، وهو ركن أساسي لمنظومة أقليمية قائمة على أحترام حق الشعوب ونبذ الصراعات ولايمكن القبول بإن يكون البلد ساحة لصراع الاخرين أو منطلقا للعدوان على أحد". ضمن هذا السياق لابد لمن هم في قمة هرم السلطة في العراق أي الرئاسات الثلاث (تنفيذية – تشريعية – قضائية) إضافة للسلطة الرابعة الإعلامية أن يعمدوا من واقع المسؤولية القيمية - الأخلاقية والوطنية لكشف مكامن الخلل البنيوي في مؤسسات الدولة على صعيد السياستين الداخلية والخارجية محاسبة كل مستبد ، مقصر ، وفاسد أو مفسد. تقاليد دستورية متطلبة تؤسس فعليا لنظام سياسي شرعي عادل جديد يهتم بإعمال التنمية الانسانية المستدامة بعيدا عن كل أشكال وصور المحاصصة "الطائفية – العرقية- القبلية- الجهوية" و بعيدا جدا عن العنف الممتزج بمظاهر الفساد المنطلق من قوى اللادولة العنفيةActors Non-State Violent أو قوى سياسية اثبتت فشلها في إدارة شؤون البلاد والعباد . لاشك أن حماية حقوق وواجبات الإنسان بصورة متلازمة مع شروط العقد الاجتماعي – السياسي الجديد تعدعناوين كبيرة وتفصيلية لمهام حيوية متوقعة تحتاج إحكام وأنفاذ القوة الذكية في مجالات حيوية اقتصادياً – إجتماعياً – ثقافياً وإعلامياً وأمنياً . ضمن هذا السياق يأتي تحذير معالي السيد وزير الدفاع العراقي جمعة عناد " من مغبة إندلاع حرب أهلية في البلاد ، التي مزقتها الحروب في العقود الاخيرة". حقا ليس بالمستغرب إطلاق تصريح كهذا طالما تردد في مراحل سابقة حيث أن قوى اللادولة تستمر بنشاطاتها العنفية بعيدا عن المجال الشرعي للدولة التي يفترض أن تحتكر بسرعة لافتة ومنظمة القوة الشرعية للدولة بشكلها الخشن Hard Power والناعم Soft معا . ضمن هذا السياق يأتي تصريح مكمل لرئيس الجمهورية ينبه ل" تحديات جسيمة وإستحقاقات أبرزها الانتخابات المبكرة النزيهة بعيدا عن التزوير أو التلاعب بإرادة العراقيين في إختيار ممثليهم والشروع في الاصلاحات وتعزيز الاجهزة الامنية وضبط السلاح المنفلت". من هنا أهمية توفير بيئة آمنة للتعامل مع تحديات حقيقية ترتبط ببناء العراق الحديث المواكب للتطورات السياسية – المدنية – الديمقراطية - الأمنية في ظل إحترام لقيم إنسانية – أخلاقية - ديمقراطية يجب أن تسود كافة المؤسسات والإدارات ما يمكن في النهاية من الإعلاء من هيبة العراق في المجتمع الدولي . إن تواتر أزمة الثقة Trust Crisisبين صناع القرار والشعب لن تحل دون تحلي "أهل العقد والحل من أحزاب وتكتلات سياسية" بمسؤوليات بناء مؤسسات رصينة للدولة في ظل ممارسة القوة الذكية Smart Power التي يفترض أن تحسن مستقبلاً من مستويات الأداء في ظل "الحكم الرشيد" Good Governance ما يسمح بالتكييف الناجح في إدارة ومعالجة الازمات القائمة المتسارعة وغير المتيقن من تداعياتها أو آثارها على مستقبل ووحدة البلاد . من هنا حقا ، أهمية أنطلاق عقد سياسي فاعل ومؤثر يحفظ للعراق وحدته الوطنية ويبعده عن كل مخاطر التهديدات الداخلية والخارجية التي تضعف الدولة وتجعلها في موقع التابع لدول أخرى أكثر تقدما أو أكثر تاثيراً اقتصادياً- مالياً- سياسياً أو قد تمتلك مصادر حيوية مهمة يحتاجها العراق . من أمثلة ذلك ، طاقة الغاز التي يستوردها العراق من الجارة إيران وتلبي مايقارب من ثلث إحتياجات الكهرباء. موضوع لايمكن التعويل عليه مستقبلاً خاصة إذا قررت الإدارة الاميركية أن تنهي كلياً فترات السماح للعراق بأستيراد الطاقة الكهربائية من إيران في الربيع القادم . كذا وعلى ذات المنوال مسألة استيراد البضائع والسلع الخارجية بصورة لاتعزز بناء سياسات للاكتفاء الذاتي ولا تحقق مجتمع التنمية الاقتصادية – الاجتماعية-الانسانية المستدامة معطيات تستدعي تاسيس شبكة علاقات منتظمة مخطط لها جيدا لتكامل مشروعات مثمرة للتنمية الانسانية الشاملة بين القطاعين العام والخاص أو القطاع المشترك. مع متابعات حثيثة ومشجعة للأدوار الإيجابية لشرائح نخبوية ثقافية وإعلامية تهدف للارتقاء بالعراق مدنياً وحضارياً. من منظور أنطونيو غوتيرس الامين العام للأمم المتحدة أن برامج التنمية المستدامة يفترض أن تهدف إلى بلورة صيغة مقبولة منعشة إستثمارياُ للتنمية الإنسانية المستدامة التي تغطي موضوعات وقضايا إنسانية متنوعة منها مايخص إحكام العدل الاجتماعي وتقليص الفجوة الاقتصادية بين من يملكون ولايملكون ، معالجة أزمة الفقر العالمية، و أزمة التغيير المناخي الذي يهدد بقاء البشرية كما هو شأن مخاطر إنتشار كورونا بنسخها المتعددة عالمياً وإقليمياً والعراق من ضمنها . لعل تحقق مطالب ثورة الشباب التشريني للعام 2019 و2020 تعد اللبنة الأساسية لبناء منظومة مؤسسية عراقية جديدة تقارب أهتماماتها مع ما يحدث عالميا من تطورات علمية – تقنية متسارعة جداً من جهة وتواكب احتياجات الشعب بخاصة الفئات الأقل حظاً من المجتمع العراقي التي إتسعت مساحة معاناتها بصورة غير مسبوقة حتى وصل الفقر إلى ما يتجاوز ربع إلى ثلث مجمل عدد سكان العراق بضمنه ما تعرف ب"الطبقة الوسطى" التي إنحدرت قيمتها"المادية والمعنوي " كثيراً من جهة أخرى . علماً بإن مشاركة الشباب والشابات - الذين يشكلون جزءاً لايستهان به من مجمل القوى الشعبية - في رسم إحداثيات الخريطة الذهنية الجديدة ترتبط بأهداف 2030 في العيش بكرامة ورخاء تعد من الأولويات التي تتسق نسبياً مع أولوية تحقيق الأمن بكل صوره ، أنواعه وأشكاله وتداعياته . . أخيرا نتفق مع ما تطرق إليه الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرس حول ضرورة إعتماد مفهوم متسع الأبعاد للتنمية الإنسانية المستدامة يغطي أدواراً متنوعة للشباب وللشابات منها مثلاً : تمكين المرأة وتمتعها بفرص متكافئة تضفي مساواة في العمل والإنجاز دون تمييز مع أقرانها من الرجال ضمن إطار أجندة زمنية توصلنا بسلام وأمن وإزدهار إلى عام 2030 . مسؤولية لابد أن يكون للعراق وللعراقيين فيها دور رائد منتج ومبدع .

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 13-01-2021     عدد القراء :  1176       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced