الانتخابات بين إرهابين
بقلم : د. صادق إطيمش
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

بعض ردود الفعل على قرار الحزب الشيوعي العراقي بمقاطعته الإنتخابات البرلمانية المزمع اجراؤها في اكتوبر القادم، تناولت موضوعة مشاركة الحزب في الإنتخابات السابقة بالرغم من عدم توفر البيئة الأمنية التي وضعها الحزب كواحد من الشروط التي ينبغي توفرها لمشاركته في الانتخابات اضافة إلى الشروط الاخرى.

ما أرغب توضيحه هنا هو طبيعة نظرتنا إلى الإرهاب الذي رافق العملية السياسية في العراق بعد سقوط دكتاتورية البعثفاشية، والمستمر لحد الآن بالرغم من تغير الأساليب واختلاف مصادر الإرهاب.

الإرهاب الذي رافق العملية السياسية العراقية بعد انهيار دكتاتورية البعث والذي جرت تحت حرابه انتخابات برلمانية سبقها الإستفتاء على الدستور ، والتي اشترك فيها الحزب الشيوعي العراقي ، رغم عدم توفر البيئة الامنية التي يطالب بها اليوم كشرط للمساهمة في هذه الإنتخابات المبكرة ، إن هذا الإرهاب بالأمس يختلف عن ارهاب اليوم تماماً .

فإرهاب الأمس كان يمثل نشاطاً لقوى تظافرت في صفوفها منظمات لقوى الإسلام السياسي وقوى البعث المنهار وبعض الشراذم التي حملت هويات لا علاقة لها بالهوية الوطنية العراقية كالمناطقية والعشائرية والطائفية ، اجتمعت هذه القوى على هدف اسقاط العملية السياسية في العراق واجهاض اي توجه كان يشكل الامل لكثير من اهل العراق ان يكون العهد الجديد بديلاً عن جبروت وطغيان دكتاتورية البعث وجرائمه التي ملأت وفككت المجتمع العراقي . واستناداً إلى هذا المنطلق وتحقيقاً لهدف خلق الفوضى ووضع العثرات امام العملية السياسية، اصبحت التفجيرات اليومية بشتى انواع المتفجرات التي كلفت ارواح الآلاف من الشعب العراقي بكل فئاته وبجميع انتماءاته، تشكل ظاهرة ملازمة لحياة الإنسان في العراق، خاصة في المناطق خارج اقليم كوردستان، ولذلك اسباب كثيرة لا يسع المجال لذكرها الآن. وبعبارة اخرى يمكن القول إن هذا الإرهاب الموجَه للقضاء على العملية السياسية التي كانت تشكل، خاصة في بداياتها بارقة مستقبل وطني هادف، كان إرهاباً تظافرت فيه قوى دولية واقليمية ومحلية ايضاً واجهها الشعب العراقي بآلاف الضحايا وكذلك بكل ما استطاع عليه هذا الشعب من صبر على تحمل البلاء الذي ظل يزداد عنفاً وشراسة وتوغلاً في الجريمة. وعلى هذا الأساس كانت مساهمة العراقيين، والحزب الشيوعي العراقي بينهم، في الانتخابات يشكل تحدياً واضحاً لللإرهاب القادم من خارج الحدود، وإن اشتركت به قوى محلية باسماء دينية او قومية او مناطقية حتى. أي ان القوى العراقية التي ساهمت في الانتخابات، بالرغم من كل المخاطر التي رافقتها، ارادت ايصال رسالة إلى العالم بان الشعب العراقي يسعى نحو الديمقراطية باعتبار الإنتخابات احدى وساءلها التي تمارسها انظمة العالم المختلفة. وبان الشعب العراقي يرفض كل تدخل للقوى الإقليمية والدولية التي تدعم الإرهاب وتنشر الجريمة على ارضه . أي أن التحدي للإرهاب ولكل قواه التي تشكل منابعه الأساسية خارج الوطن ولكل المشاركين فيه من مختلف الجنسيات التي جاءت بها الدول الممولة للإرهاب، كان هو الفيصل في تحديد المشاركة، بغض النظر عن توفر فرص الفوز او عدمه.

اما الإنتخابات المزمع اجراؤها في اكتوبر القادم ، والتي جاءت كاستجابة لواحد من مطاليب ثورة تشرين فقد ارتبط  تنفيذها المبكر بهدف التغيير الذي تسير عليه العملية السياسية منذ اكثر من ثمانية عشر عاماً ، والذي اصبحت الطائفية والمحاصصات اللصوصية قاعدته الاساسية التي تستند عليها احزاب الإسلام السياسي الحاكمة وكل القوى الداعمة لها والمتشاركة معها في نهب قوت الشعب العراقي والإستيلاء على خيراته وسعيها للإثراء الفاحش على حسابه .

وقد لاحظ كل ذي بصيرة أن الساحة السياسية العراقية قد اصبحت، خاصة بعد القضاء على معظم قوى الإرهاب الداعشي، ساحة لقوى ارهابية اخرى بدأت تمارس تلك الأساليب التي كان الإرهاب الداعشي يديرها في المناطق التي سيطر عليها، حيث قام بعضها بتوظيف الانتصار على داعش وكأنه وثيقة تصرف حر بأهل وأرض المناطق التي اخلاها من داعش، وذلك من خلال تشكيل مليشيات مسلحة خارج سيطرة الدولة وبتصرف غير ملتزم بقوانين الدولة التي يعمل على ارضها وبين اهلها. لقد وضعت هذه المليشيات المسلحة التي تسترت بمسميات دينية مختلفة كتنظيمات تابعة للحشد الشعبي إلا انها تعمل باجندة خاصة بها وبقادتها، لا باجندة المؤسسة الدينية التي اسستها بفتوى الجهاد الكفائي .

وهنا نستطيع القول إن الإرهاب الجديد هو ارهاب محلي بامتياز تديره قوى عاملة ضمن المؤسسة السياسية وليس من خارجها، كما في الإرهاب الداعشي. وقوى مستمرة في العملية السياسية وتريد، ومن خلال هذه الانتخابات ايضاً، ان تستمر على نفس النهج اللصوصي الذي لا تريد ان تتخلى عنه، بل بالعكس تريد تثبيته وترسيخه من خلال جعل هذه الإنتخابات مُسيرَة من قبلها وبارادتها بقوة المال السياسي والسلاح المليشياوي وبالإستيلاء على كل مقومات اجراء انتخابات تفضي إلى التغيير فعلاً، تغيير النهج لا تغيير الوجوه.

ومن هنا نستطيع القول ان المشاركة في الإنتخابات السابقة والتي جرت تحت ظروف ارهابية داعشية كانت تشكل تحدياً عراقيا شامخاً لكل القوى الدولية والإقليمة والمحلية ايضاً والتي خططت من خلال تنفيذ عملياتها الإرهابية لإسقاط العملية السياسية والقضاء على الأمل الذي كان يراود اهل العراق بتاسيس نظام ديمقراطي يعالج الجرائم التي ارتكبتها البعثفاشية المقيتة طيلة مدة استيلاءها على قيادة الحكم في وطننا .

اما الإنتخابات المزمع اجراؤها في اكتوبر القادم فإنها تجري ضمن ارهاب محلي من مليشيات عراقية تقودها احزاب عراقية وقوى السلطة السياسية وتريد الإستمرار في سياساتها اللصوصية التخريبية للولطن لكل ما فيه من مؤهلات، لذلك فإن المشاركة فيها أصبح مرتبطاً بوجود أجواء لا توفر الغطاء الأمني المرجو سواءً للناخبين او للمرشحين، خاصة اولئك غير المنضويين تحت رايات هذه المليشيات. أي أن المشاركة لم تعد مسألة تحد للإرهاب الخارجي، بل خوف حقيقي من الإرهاب الداخلي الذي تقوده الأحزاب الحاكمة نفسها، والفرق واضح لكل ذي بصيرة.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 28-07-2021     عدد القراء :  1326       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced