[email protected]
لعب تغيّر القطبية العالمية من الثنائية الى تعددية القطبية، اضافة الى الثورة التكنولوجية المعلوماتية العاصفة دوراً هاماً في تغيّر العالم . . حيث انتقل العالم من عالم القطبين السائر في طريق يلجمه مدى صراع و تفاهم القطبين و اتفاقياتهما العالمية، الى عالم تعدد الاقطاب الذي لاتقيّد اقطابه عملياً اتفاقات و لا نفوذ او قوة قطب ما لوحده، حيث ضاعت القوة التقليدية الاكبر و صارت قطباً من الاقطاب التي تتحرك وفق مصالحها، و تبعاً لذلك تغيّر تأثير و قوة منظمة الأمم المتحدة و قوانينها و امكانيات فرضها كالسابق، بعد ان فقدت الدعم من توازن القطبين السابقين . .
و ادىّ النمو السريع لبلدان صناعية و غنية متعددة، الذي احدثته الثورة التكنولوجية و ادىّ الى تكوينها اقطاباً و اتحادات مالية ـ اقتصادية كبرى كمنظمة شنغهاي التي تضم الصين و روسيا و الهند و البرازيل و غيرها كمراقبين، امام انف الولايات المتحدة و بلا اي اذن منها كما كان يجري في السابق، اضافة الى افول التأثير النفطي العالمي المسعّر بالدولار مقارنة بصعود تأثير الغاز و المعادن النادرة في العالم، و انتشار البدائل النظيفة للطاقة في الاتحاد الاوروبي . .
اضافة الى سرعة صعود التأثير التكنولوجي المتفوق على العلاقات الدولية، و تداخل مصالح الشركات المتعددة الجنسية لعدد متزايد من الدول العظمى و الكبرى و الصاعدة حديثاً بامكاناتها التكنولوجية الهائلة الكثيرة التنوع و حاجة بعضها للآخر لتحقيق اعلى الارباح لذاتها، و ليس لبلدانها ان كانت مسجّلة في بلد ما . . تلك السرعة هي التي جعلت عالم الالفية الثالثة لا يشبه عالم الالفية الثانية و تفسيراته !
من جهة اخرى تسببت تلك التغييرات و التطورات الهائلة بتطور صاعق بعالم الاسلحة و انواع الرقابات الالكترونية و التدخلات و فعاليات الحرب السيبرانية . . التي صار الجو و الفضاء مزدحمين بها، حتى صارت الاهداف العسكرية و العدوانية و الدفاعية تتحقق بسرع غير مسبوقة، الأمر الذي سرّع التنافس للحصول على اعلى الارباح ليس بتحسين البضائع و توفيرها باسعار مقبولة فقط، و انما بتحطيم الخصوم و المنافسين بطرق لاعدّ لها و لا رقيب يمنعها او يحذّر من وقوعها بالطرق المعهودة و القانونية المعروفة.
و امام تزاحم الاسواق بالبضائع المتنوعة، ازدادت روح التنافس اللامتوازن، و تصاعدت الروح العدوانية و الانانية لتحقيق اعلى الارباح، حتى وصلت الى ان لامبدأ و لا فكرة تنويرية او انسانية تستطيع الحد منها . . بل صارت حتى الديانات التي أستنجدت بها قوى كبرى حاكمة لاتقف بوجهها، بقدر استخدامها فقط كشعارات و واجهات لاقسى و ابشع الطرق لتحقيق اعلى الارباح.
لقد تغيّر خطاب و سلوك الادارة الاميركية الذي كان يتبرقع بالدمقراطية و حقوق الانسان، و صار متذبذباً رغم تشكيل كتلة (المحافظون الجدد) العليا التي تقود المسيرة الحاكمة الاميركية المؤلفة من (الجمهوريين) و (الديمقراطيين) لتدقيق و تصويب السلوك الاميركي و نتائجه على المراحل الزمنية القادمة، في عدة محاور . . عسكرياً او اقتصادياً او سياسياً، بيئياً و تقنياً و صحياً خاصة بعد وباء كورونا الذي تسبب بخسائر هائلة بالارواح و الاعمال .
التذبذب الذي عبّر عنه الرئيس الاميركي السابق ترامب بفضاضة او جفاف و بشكل مباشر كتاجر في سوق الخردوات يعلن عن اسعار البيع و الشراء و صار و كأنه صيحة (صحو) لعمالقة المشاريع الاميركية، للحصول على الاموال سواء من حلفاء الولايات المتحدة او من دول العالم التي تحميها هي، و الى التخلي عن سياساتها و ما اسمته بـ (شعورها بالمسؤولية) و ادعاءاتها ببناء مجتمعات و ديمقراطيات و حريّة في دول العالم، الذي كان يغلّب اكثر خطاباتها في السابق . .
و بذلك تسير السياسة الاميركية بشكل متذبذب و متناقض وفق المصالح الانانية الآنية في كسب الاموال و مواجهة خصومها و منافسيها بلا مبالاة بما يحمل ذلك التذبذب من مصائب و آلام للشعوب، جارّة لها دول العالم في نهجها ذلك، لأنها لاتزال الفاعل الاكبر في صناعة الازمات . .
تلك المصالح الأنانية التي انتجت الحصار و الحرب و الاحتلال و الانسحاب الاميركي الفوضوي من العراق عام 2014 الذي تسبب بهجوم داعش و احتلالها ثلث البلاد و كما يحدث الآن من انسحابها الفوضوي من افغانستان الذي لاتُعرف بعد بنوده السرية و لا حدود ماسيحصل اثره، الاّ انه انعش الحركات الاسلاموية الارهابية و الاصولية في المنطقة، بعد انفاقها تريليون دولار على بناء القوات المسلحة الافغانية. (يتبع)