بلاد الرافدين هذه التسمية تشير عن وجود نهرين مهمين هما دجلة والفرات على ارض اوروك* منذ آلاف السنين لهما فوائد جمة على عموم الوضع في البلاد فضلاً عن انهار وجداول كثيرة تغطي مساحات شاسعة وفوائد لا تحصى بالنسبة للإنسان أو الأراضي والبساتين التي تسقى وتزرع .
لقد بقي العراق بمنأى من التهديد بالجفاف فترات طويلة إلا أن السياسة المائية لكل من تركيا وإيران وبخاصة خلال السنوات الأخيرة أصبحت تهدد وتضر مصالح البلاد في جميع المجالات البشرية والحيوانية والزراعية، واتبعت الجارتان المسلمتان!! كل ما في وسعهما لاستغلال الأنهار ومصادر المياه التي كانت تتدفق على الأنهار والجداول العراقية ، ومن خلال تلك السياسة العدوانية التي تهدد مصالح البلاد من خلال تنفيذ مشاريع بناء السدود الضخمة وغيرها وتغيير مجاري الأنهار واستغلال ضعف الحكومة العراقية وتبعياتها بدأ العراق يعاني من الجفاف والتصحر، فسدود تركيا على نهري دجلة والفرات وانهار أخرى قصمت ظهر العراق وموارده المائية الطبيعية وجعلت هذين النهرين عبارة عن جداول صغيرة وبخاصة في فصلي الصيف والخريف ولم تفد الدعوات والاتصالات لحل هذه القضية بشكل سلمي وعلى ضوء الأعراف الدولية والقوانين المرعية ومصلحة الشعبين العراقي والتركي أما ايران فقد قامت منذ البداية بتغيير مجرى الأنهار والجداول ومصادر المياه التي تصب باتجاه العراق ولم تراع أي علاقة لا تاريخية ولا دينية وأغلقت اذانها عن جميع المطالب لا بل راحت تتحجج بحجج واهية لاستمرارها في هذه السياسة المضرة بمصالح الشعب العراقي وعندما دعت وزارة الخارجية العراقية يوم الاحد 3 / 10 / 2021 إيران "للبدء بتنفيذ الاتفاقات المتعلقة بالحدود وكري شط العرب". وأكد عليها احمد الصحاف المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية العراقية الذي أشار إلى لقاء وزير الخارجية فؤاد حسين بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على هامش اعمال الدورة « 76 " للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك حيث دعا الوزير العراقي إلى ذلك وهو دليل على استمرار تعنت ايران وعدم رغبتها في وضع حلول انسانية عادلة واستمرت في قطع كامل الاطلاقات المائية القادمة للعراق وذكر التلفزيون العراقي الرسمي أن "إيران قطعت كامل الاطلاقات المائية القادمة باتجاه العراق" بينما في الجانب الاقتصادي فإيران تُصدر بضائعها إلى البلاد بمليارات الدولارات وقامت وتقوم الحكومات العراقية بمد يد العون والتضامن بالضد من الحصار الاقتصادي وهي تتزود بالكهرباء والغاز الإيراني إضافة إلى قضايا أخرى تخص التعامل بالعملة الصعبة وبخاصة الدولار .
قضية ازمة المياه وخطورة الأوضاع المستقبلية تتعلق باتخاذ مواقف حازمة وعملية منها ما هو فني في جال التوجه لبناء السدود والاستفادة من المياه الجوفية ومنها ضرورة تنفيذ الاتفاقيات السابقة التي تلزم كل من تركيا وإيران التعامل فيها وفق القانون الدولي ومنها تصحيح العلاقات مع هذين الدولتين والضغط باتجاه استقلالية القرار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفي هذا الشأن بالذات اطلقت البعض من التهديدات العراقية بصوت خافت حول الخلافات مع إيران وبخاصة حقوق العراق المائية باللجوء إلى تدويل الخلافات مع إيران فقد أُسْتفزَ الجانب الإيراني وبدلاً من التوجه لحل الخلافات وعدم التجاوز على حقوق العراق المائية فإن عضو لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني رد بشكل جاف حول " عدم توافق مع ايران في ملف الحقوق المائية ، حيث صرح بكل وقاحة في 24 / 9 / 2021 لـ ميدل ايست نيوز " أنه من الأولى أن يحتج العراق ضد سياسات تركيا المائية" وهو أمر غريب يفهم منه أن العراق ملكاً لإيران ومخططاتها بما فيها الحصص المائية.
أن السياسات الخاطئة والمتخاذلة من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة أدت الى التفريط بالحقوق بشأن الحصص المائية، والاعتداءات العسكرية وخرق الأراضي العراقية من قبل قوات هاتين الدولتين والتدخل في الشؤون الداخلية بحجج يراد منها التدخل بدون أي اعتبارات أو التزامات، فإيران لها التوجه الطائفي إضافة الى أطماع أخرى وتركيا منذ تأسيس الدولة العراقية لها عين حمراء على الموصل وكركوك والادعاءات بخصوص الدفاع عن التركمان العراقيين أو ضدPKK ، والمشكلة الكبرى في الحكومات العراقية التي تعاقبت على السلطة بعد عام 2003 لم تعالج قضية التدخلات في شؤون البلاد ولم تقف بحزم ضد التوجهات غير القانونية واللاإنسانية في الاستيلاء على حصص العراق المائية مما شجعهما " تركيا وايران " في الاستمرار للتوغل في الأراضي العراقية وعدم احترام العلاقات وحسن الجوار والتفريط بالقوانين والاعراف الدولية المتعارفة عليه وفق مواثيق دولية في مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة الذي يخص العلاقات بين الدول، إضافة إلى أطماع هاتين الدولتين للسيطرة والهيمنة على العراق، وتلعب السياسة الطائفية والقومية دورا بارزاً في استغلال العواطف وتجنيد البعض من المرتزقة لخدمة تلك المخططات والمشاريع غير الوطنية، لقد برزت مشكلة الاستيلاء على الموارد المائية خلال الحقب الأخيرة وظهر جلياً تداعيات الجفاف وانخفاض نسب المياه في الأنهار وبخاصة دجلة والفرات والزاب الأسفل وكارون وغيرهما مما ألحق اضراراً جسيمة في الأراضي الزراعية والبساتين وزيادة نسب التصحر، وأشار تحسين الموسوي الخبير المائي الثلاثاء 5 / 10 / 2021 " حول الكارثة " والجفاف الفعلي الذي سيبدأ عام 2025 ، وأن صدقت توقعاته فهي فعلاً كارثة بيئية تحتاج إلى حلول سريعة، وصرح الموسوي " لا يوجد وعي وإدراك لخطورة ما سيحدث بسبب أزمة المياه، حيث أن الكارثة مقبلة والجفاف سوف يسبب تصحراً" واستمر في تداعيات أزمة المياه على "فقدان التنوع الاحيائي" والتصحر ونزوح بشري والجفاف وتلويث المياه وتفشي الامراض وفي هذه المناسبة وجه انتقاداً لاذعاً ضد الصمت الإعلامي والافتقار الى المعلومات وأسباب الكارثة المقبلة التي ستساهم في التدمير الذي يجتاح البلاد، وأضاف تحسين الموسوي بشكل واضح أن "ملف المياه خطر جداً، ويتوقع أن يبدأ الجفاف الفعلي من بعد سنة 2025، حيث أن موضوع المياه يعد أزمة عالمية" وقد حمل الحكومات العراقية مسؤولية هذا التردي وهو تأكيد على ما ذكرناه في مقالات وملاحظات سابقة بأن الحكومة العراقية لا تمثل جهة سياسية واحدة فحسب بل عدة أحزاب وتنظيمات تهيمن على السلطة ويهمها مصالحها الحزبية والسياسية والطائفية والخضوع لقرارا خارجية ، واشرنا منذ سنين على عقدة المشكلة بالنسبة لحكومات المحاصصة المتعاقبة بأنها صامتة لم تراع مصالح البلاد في قضية الحصص المائية ومنابعها من إيران وتركيا وكان يفترض بالحكومات العراقية أن تقوم بتحويل مشكلة المياه للمجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية بما فيها الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية وعدم الركون الى نوع العلاقات الطائفية والمصالح الضيقة مع هاتين الدولتين الجارتين" الله يجرم " ، والوقوف ضدهما وضد تجاوزاتهما على الحصص المائية للعراق الذي يعد مخالفة صريحة لجميع الاتفاقيات والنصوص والمعاهدات الدولية وعدم احترام العلاقات التاريخية بين البلدين من قبلهما.
إن ظاهرة التصحر تبدأ بالجفاف النسبي الناتج عن قلة أو شحة المياه أو انقطاعها وبسبب الكوارث الطبيعية في جو من اللهيب الحار الذي تتصاعد درجات الحرارة وصولاً الى أكثر من 50% وهذه الأجواء تعاني من قلة الامطار لتطل الظاهرة المذكورة برأسها الكارثي، مثلما الحال بالنسبة للعراق فمنذ سنوات اخذت الأمور تسير من أسوأ الى أسوأ والمعاناة تكبر وتكبر وأول ما يعاني منها سكان الأرياف بسبب النقص الحاد في الأغذية والتغيير المناخي ثم عدم الاهتمام بمعالجة أوضاع التربة الزراعية وتنوع هذه المعالجة ولا بد اول بدء أن تجري معالجة المشاكل بخصوص حصة العراق المائية مع كل من ايران وتركيا ثم وضع خطط وبرامج ملموسة لمعالجة الأوضاع السيئة والتفاهم وفق المفاهيم والقوانين والمعاهدات الدولية لتثبيت حصة العراق المائية واذا اقتضى الأمر عرض ذلك على محكمة العدل الدولية.
لقد شهدت الفترة الأخيرة تشكيل وفود والالتقاء بكل من تركيا التي كانت هناك البعض من التفاهمات معها واستجابة تركيا حسب تصريحات الوفد المفاوض، وأما ايران فهناك نوع من التنمر واللامبالاة وأشار في هذا الصدد مهدي رشيد الحمداني وزير الموارد العراقية "لم يتوصل إلى أي اتفاق مائي مع الجانب الإيراني لأن إيران مازالت مصرّة على اتفاقية العام 1975" وتتخذها ذريعة " لمواصلة حفر الانفاق وتحويل مسارات الأنهار" وأكد الوزير على "بدء الإجراءات الحقيقية لتدويل الملف ضد إيران بعد مخاطبة الرئاسات الثلاث ووزارة الخارجية" وفي المناسبة فقد أشار برهم صالح رئيس الجمهورية في تغريدة على حسابه "تويتر" أنّ "العراق في المرتبة الخامسة من أكثر البلدان هشاشة عالمياً من حيث نقص المياه والغذاء ودرجات الحرارة القصوى، ومن المتوقّع أن يصل العجز المائي إلى 10.8 مليارات متر مكعب بحلول العام 2035 " ان الدفاع عن حصة العراق المائية دليل على التوجه الوطني والتحلي بالمسؤولية الوطنية للحفاظ على مصالح الشعب العراقي، من هنا يجب التفكير الجدي لإيجاد مخرج حقيقي ملموس للدفاع عن مصالح العراق الوطنية وعدم اهمال الملف المائي او المراوحة وضرورة اتخاذ الإجراءات الفعالة الكفيلة في الوصول الى حل شامل وواقعي مع كل من تركيا وايران وإلا سيكون التدمير الشامل اذا سُكت عن الحق " والساكت عن حقه شيطان أخرس "
* ــ اوروك اسم العراق القديم