الثامن من آذار، يوم المرأة العالمي
بقلم : لاهاي عبد الحسين
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لم يكن الثامن من آذارعام 1908 يوماً سعيداً بالنسبة إلى مجموعة من عاملات النسيج في مصنع للنسيج في مدينة نيويورك الأمريكية، حيث أقدم صاحب المصنع على احراقهن مجتمعات بسبب تجمعهن للتظاهر والمطالبة برفع الأجور وتحسين ظروف العمل ومنع عمل الأطفال.

بالتأكيد، لم يكن تظاهر أولئك العاملات ليأتي من لا شيء، فقد كان ثمرة تظاهرات احتجاجية كثيرة سبقت ذلك التاريخ. ولم تمض تلك الحادثة المفجعة بلا تذكّر حيث أعقبتها احتجاجات ومطالبات بلغت أنْ اقترح الاتحاد النسائي الديموقراطي العالمي عام 1945 على اعتبار ذلك اليوم يوماً عالمياً للتذكير بمعاناة النساء والعمل على انصافهن والمساعدة على تحقيق المساواة بينهن وبين الرجال من أجل المساهمة ببناء مجتمع متكافئ إنسانياً، وحر أخلاقياً.

استغرقت المطالبات بتخصيص يوم عالمي للمرأة ما يقرب من السبعين عاماً حتى اقتنعت الأمم المتحدة بأنْ اقترحت على دول العالم عام 1977 اختيار اليوم الذي يناسب كل واحدة منها للاحتفاء بالمرأة. سرعان ما أجمعت الغالبية العظمى من دول العالم على اعتبار الثامن من آذار يوماً عالمياً للمرأة. كان ذلك اليوم إذن، يوماً حزيناً دفعت ثمن إحيائه نساء شغيّلات، كل ما فعلنه أنّهن طالبن ببعض الحقوق الأساسية لهن كعاملات وباعتبار ذلك جزء حيوي من وثيقة حقوق الإنسان التي سبق للمنظمة الدولية أنْ وافقت عليها للنهوض بنوعية حياة البشر ووقف طواحين العنف والكراهية والحرب والاستبداد.

إذا ما عدنا إلى أوضاع المرأة في العراق فإنّ الثامن من آذار منذ موافقة العراق على اعتباره يوماً للمرأة لم يكن ليسجل انتصارات تذكر خارج رغبة الأنظمة السياسية للظهور بمظهر حسن. فقد اكتظت مسيرتها التاريخية بالنضالات من أجل تحقيق المساواة والعدالة والحرية التي تقدمت فيها نساء بجهود فردية وعائلية ومن ثم مؤسساتية لاقتحام المؤسسة التعليمية والصحية والقضائية. وكان لأولئك الرائدات أنْ عبدن الطريق لأجيال متعاقبة من النساء للدخول في مختلف مجالات العمل على صعيد الحكومة وقطاعات الأدب والفن والتعليم العالي. بيد إنّ ظروف الاحتلال وانعدام الاستقرار السياسي والنزاعات المسلحة والحروب بعد عام 2003، سرعان ما وضعت المرأة العراقية بمواجهة أوضاع غير مسبوقة، امتحنت إرادتها وصبرها وقوة تحملها. فكان ما كان من القتل والتهجير والتفريق كما تشهد على ذلك الأحداث التي أجبر الجيل الحالي من النساء على أنْ يكون شاهداً عليها وضحية لها في مختلف مناطق الصراع والتيتمثل الفاجعة التي ألمت باليزيديات والمسيحيات على وجه الخصوص، لطخة العار الكبيرة فيها. ولكنّ المرأة العراقية بمختلف انتماءاتها العرقية والقومية والثقافية والدينية والمذهبية، لم تستسلم ونهضت من جديد مصرة على طي صفحة الماضي البغيض الذي جعل منها شاهداً قسرياًعليها.

مع ذلك يبدو أنّ بعض الأطراف تصر على امتحان صبر النساء وتحملهن. فقد أقحمت الأوساط النسائية بمحاولة البعض الالتفاف على بعض المكتسبات التي أمنّها قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959 بسلب حق الأم من حضانة الصغير من خلال محاولة تعديل المادة 57 منه. غاب عن بال دعاة مثل هذا المشروع المظلومية التي عانت منها المرأة في حالات الطلاق وحتى بعد وفاة الزوج من خلال تسليط الذكور في عائلة الزوج للتحكم بمن حملت به فأنجبته وأرضعته وأطعمته من بدنها وروحها. ثم بادرتنا المحكمة الاتحادية بقرار عدم تجريم فعل ضرب الزوجة والطفل تحت باب "التأديب". ولم يتخلف مجلس النواب العراقي على الصعيد الاتحادي خلال أكثر من دورة نيابية عن ذلك من خلال تجاهل تمرير قانون مكافحة العنف الأسري في الوقت الذي تشهد فيه المحاكم ومختلف ميادين الحياة الاجتماعية أمثلة غير مسبوقة على زيادة اعتداءات من هذا النوع. ولم تتخلف وسائل التواصل الاجتماعي عن رصد الكثير من هذه الحالات، التي هزت ضمير المجتمع وروّعت أفراده، فيما تعجز مؤسساته عن تناولها ووضع المعالجات لها.هذا فيما تنتشر مختلف مشاهد التجاوز والاعتداء على النساء وبخاصة الشابات والفتيات ممن تتطلب طبيعة امكاناتهن المحدودة ونشاطاتهن اليومية الخروج والعمل واستخدام وسائل النقل العام. وتساهم وسائل التواصل الاجتماعي بنصيبها لإيذاء المرأة على هذا الصعيد بسبب الاستخدام غير الواعي وغير المسؤول لتسبب ما صار يعرف بـ "الابتزاز الإلكتروني".

وفيما تنشغل الكتل السياسية بمفاوضات تشكيل الحكومة بعد ما يقرب من الستة أشهر على القيام بالانتخابات النيابية في 7 تشرين الأول عام 2021، التي يفترض أنّها تؤسس لها فإنّ من الطبيعي أنْ تساعد أجواء الإنشغال والتشاغل هذه على إنعاش البيئة الاجتماعية العدوانية والمتربصة بالمرأة. سيكون من أجل مجتمع عراقي ناهض وسليم أنْ تعطى الأولوية لمعالجة قضايا المرأة وتوفير الظروف اللازمة لمساهمتها الخلاقة فيه. ولعل على رأس هذه الأولويات، التشجيع على إشاعة الأجواء التي تحث الذكور على التفهم واحترام حق المرأة والتعامل معها باعتبارها النظير المكافئ، وليس التابع الذليل. لقد أظهرت تجربة الدول التي تتبنى سياسات مساواتية بين النساء والرجال وتشجع على التفاعل المتكافئ البنّاء بين الجنسين كما هو الحال في الدول الاسكندنافية أنّها تحظى بقدر أقل من التوتر والمنافسة الحادة، وأنّ المرأة تعود حمامة سلام ودعة ومودة واحترام، لهذا السبب. يعزى ذلك إلى حالة الطمأنينة والأمان التي توفرها الأجواء الاجتماعية والسياسية التي تحث على مزيد من التفاعل الكيفي غير التنافسي بين النساء والرجال. وفيما ندعو إلى هذا،يبدو أنّ من الضروري التأكيد على ضرورة التنبه إلى أنّ المرأة لم تعد كتلة واحدة بل كتلاً متعددة وفئات كثيرة تتطلب التفرغ لكل واحدة منها لوضع ما يهمها من معالجات حسب درجة الخصوصية الثقافية والاجتماعية ضمن رؤية وطنية عراقية شمولية لا تفرق بين جماعة وأخرى.

تحية للمرأة في يومها العالمي، وتحية لمن ينصرها ويدعم جهودها في التحرر والمساواة والعدالة الاجتماعية.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 08-03-2022     عدد القراء :  969       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced