الأوضاع السائدة في إيران تدل على مدى تدهورها بشكل عام، وتشهد البلاد حالة من التراجعات السياسة والاقتصادية والاجتماعية والأمنية على كافة المستويات الخاصة والعامة حيث لم تمر البلاد بها (ما عدى مجال السلاح وبخاصة الصواريخ والطائرات المسيرة ...الخ)
ولم يعد ذلك سراً من الاسرار حتى العسكرية حيث من الممكن الاطلاع على ابعاد مستويات التدهور العام في جميع مرافق الحياة الإيرانية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والخدمية ...الخ لأن التدهور ليس طلسماً تخفيه أيادي سريه بل قضايا ملموسة ومكشوفة ليس أمام الرأي العام العالمي فحسب بل ايضاً أمام أكثرية الشعب الإيراني، وما نشرته وسائل الإعلام الداخلية والخارجية حول مجمل القضايا بما فيها علاقات الدولة الإيرانية بدول الجوار وعلاقاتها الدولية يدل على ذلك ويفضح تداعيات السياسة الإيرانية، وقد لا نحتاج إلى الاطلاع بشكل مفصل وواسع لذكر كل ما يحيط العملية ثم التدقيق في برامج الدولة ومخططاتها وبخاصة العسكرية وقد لا نكون مبالغين بالقول أن السياسة الإيرانية وتداعياتها أصبحت ذات اتجاهات خطرة أفرزت العديد من الأزمات والمشاكل إضافة من التأثيرات العديد فهي:
ـــ الأزمة الاقتصادية المستفحلة وتداعياتها في مجال الخدمات والبنى التحتية والفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وتدني العملة الإيرانية بشكل كبير ثم وصول الأمر إلى هبات وانتفاضات جماهيرية مما أدى إلى زيادة الممارسات الإرهابية للأجهزة الأمنية الرسمية
ــ ترهق الدولة وأجهزتها ومؤسساتها المختلفة
ــــ التوجه لصناعة الأسلحة الممكن ارسالها إلى دول المنطقة أو المنظمات التي ترتبط بالحكومة الإيرانية، والمحاولات لتطوير البرنامج النووي للحصول على القنبلة النووية للتهديد وخلق حالة من الاستنفار عند دول المنطقة
ـــ تقوم بالتدمير على مراحل الحياة الخاصة والعامة للشعب الإيراني ومحاصرته وخلق حالة من الذعر والإرهاب الموجه بالضد من الراي الاخر
ــــــ محاولات لوضع اللوم على عاتق الدول الخارجية أو الإرهاب الدولي والتدخل في شؤون الداخلية لدول المنطقة ودول الجوار ومحاولات الضغط بأشكال مختلفة، وامام اعيننا مثال حي هو الموقف من دورة كرة القدم الخليجية حيث اثارت زوبعة ليس لها أي داع وهي عملية الضغط على العراق والتدخل في شؤونه الداخلية واستدعاء السفير العراقي في طهران بخصوص تسمية الخليج العربي بينما لم ينطق ولا مسؤول حكومي عراقي بكلمة ضد هذا التدخل والضغط الإيراني وكأنهم تابعين وغير عراقيين!
هذه وغيرها من الأمور والمحاولات اليائسة في السياسة الخارجية الإيرانية وقد دلت وما زالت تدل على العنجهية والتحدي للمجتمع الدولي انطلاقا من العنجهية في الخطاب السياسي الديني والطائفي المترجم الى نهج معادي للديمقراطية واحترام الراي الاخر في التوجهات الداخلية التي جعلت من الأوضاع الداخلية عبارة عن عقد عديدة في الحياة المدنية وعدم التوجه لإيجاد حلول منطقية لمعاناة الملايين من الايرانيين وعلى اختلاف مشاربهم الفكرية والقومية ومكوناتهم العرقية، هذه التوجهات التي وضعت أسسها منذ سقوط الشاه 1979 وفي مقدمتها تصدير الثورة وفق منظور ولاية الفقيه والتدخل في شؤون الدول الأخرى بما فيها تصدير السلاح بمختلف اصنافه مما أدى إلى وجود الاضطرابات الداخلية والصدامات المسلحة ولم تستطيع آلة الدولة القمعية من الوقوف بوجه الشعب الإيراني الذي بات لا يثق بالدولة الإيرانية ولا بولاية الفقيه وهو يتوق لحياة ديمقراطية مدنية ولهذا بدأت وسائل الإعلام حتى الرسمية تشير إلى ضرورة التغييرات وإعادة وجهات النظر في السياسة الخارجية وبخاصة هناك آراء وشكوك في قضية الوصول إلى اتفاق نووي جديد وبخاصة بعد أزمة الطاقة في اوربا ومن هنا فإن السياسية الخارجية الإيرانية باتت موجهة بشكل رئيسي لتمرير الأهداف التي رسمت بدون أي تغييرات ممكنة قد تشهدها المنطقة في الوقت الراهن ولهذا نتابع والعالم ما تقوم به الأجهزة الأمنية الإيرانية من اعتقالات وإصدار أحكام الإعدام بحق المتظاهرين والمحتجين والمعارضين لهذه التوجهات وبالضد من السياسة التي تقوم على الاضطهاد والتعسف والتي عرت ادعاءات الحكومة الإيرانية بخصوص ما تطرح حول الأعداء الخارجيين والعملاء الذين حرضوا على الانتفاضة الحالية كما كان موقف المجتمع الدولي من الإجراءات التعسفية الإرهابية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية الإيرانية من خلال توجهات الحكومة ونلاحظ مدى اشتداد العزلة وفرض العقوبات لتي دمرت الاقتصاد الإيراني وأضرت ملايين الإيرانيين، أن الإحساس بما يجري من تردي في أوضاع البلاد جعل البعض من المسؤولين الإيرانيين يطالبون بإعادة النظر في السياسة الخارجية المتبعة للتخلص من المخاطر المحدقة وبخاصة العقوبات الامريكية وحسب تأكيد احد المسؤولين ان العقوبات " كبدت الاقتصاد الإيراني آلاف المليارات من الدولارات " كما أوصى الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان " بالعمل على خفض مستوى التوتر على الصعيد الخارجي"، العقوبات التي صدرت ضد النظام الإيراني متنوعة وواسعة اصطحبتها إجراءات اخرى لا تقل أذية عن الحصار الذي فرض على الشعب الإيراني وآخر إجراء وليس الأخير من اجل دعم " للنساء الايرانيات الشجاعات " القيام باتخاذ قرار طرد إيران " من المجلس الاجتماعي والاقتصادي التابع للأمم المتحدة" لدعم الايرانيات كما طالب المجلس ايضاً الحكومة الإيرانية " إلى الإفراج غير المشروط عن كل الإيرانيين الذين تم اعتقالهم لممارستهم حريتهم بطرق سلمية" وبدلاً من وقف الاعتقالات ووقف عمليات الإرهاب والملاحقات للمتظاهرين السلميين فقد قام النظام بإصدار العديد من القرارات التعسفية بما فيها إصدار احكام الإعدام ضد البعض من المحتجين مما دفع منظمات حقوق الانسان إلى إدانة الإجراءات التعسفية وقرارات الإعدام، وبدلاً من تخفيف الملاحقات البوليسية ضد النساء الايرانيات فقد عادت قضية الحجاب للواجهة حيث أصدرت السلطات القضائية أوامر للشرطة التشدد في قضية قانون الحجاب وقد أشار أبو الصمد خرم آبادي مساعد المدعي العام ونقلته وكالة (مهر) "بتوجيه من المدعي العام، تلقت الشرطة مؤخراً أمراً بمعاقبة صارمة لمن تخالف قانون الحجاب الإلزامي في البلاد" ويعني عدم التراجع بالرغم من الانتفاضة والمواقف المعادية لعملية فرض الحجاب والتجاوز على حقوق النساء الإيرانيات ومعاقبة أي خرق للقانون الجائر المزعوم!! وتقديمهم الى القضاء وتطبيق أقسى العقوبات بالمخالفات رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة جداً وباعتراف مصلحة تشخيص النظام ورجال دين وسياسيين أصوليين اعترفوا بالصعوبات التي تواجه الفئات الفقيرة الذين يعانون من التضخم والأوضاع الاقتصادية السيئة والحصار وقد حذر عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام « حذارِ أن تقوموا بأفعال لا ترضي الشعب، فقد ينتفض الفقراء يوماً ما عليكم، وإني لا أرى هذا بعيداً" وهذا ما يحدث في الوقت الراهن.
أن الأوضاع المتردية داخلياً وخارجياً والنهج المعادي للحريات والمحاولات لحجب الحقائق وغيرها أدت الى الانتفاضة الحالية والتي لن تهدأ مهما اتخذت من قرارات تعسفية وملاحقات بوليسية ولا يمكن التصور أن الأوضاع وهذه الاحتجاجات والمظاهرات قد تخف أو أنها ستنتهي الى الابد! فإنها ستبقى محفزة للتخلص من الاضطهاد وبالضد من فرض سياسة ولاية الفقيه على الشعب الإيراني، وبالضد من النهج المعادي لتطلعات الشعب الإيراني ومكوناته القومية والعرقية.