كتاب.. الحياة لا تجري دوماً حفيفة ناعمة
بقلم : شميران مروكل
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

صدر مؤخرا عن دار سطور للنشر والتوزيع كتاب بعنوان (الحياة لا تجري دوما حفيفة ناعمة)  للدكتور سيف عدنان القيسي في 494 صفحة من القطع المتوسط

يتضمن المذكرات الشخصية  في مخطوطة السيد مكرم الطالباني

والتي دون فيها يومياته الشخصية منذ بواكير حياته إلى عام 2011.

تضمنت المخطوطة جميع ما دونه بخط يده لمسيرة امتدت لأكثر من سبعين سنة، ذكريات الطفولة وبدايات تكوينه السياسي والفكري وانخراطه في العمل السياسي والمهني وسنوات اعتقاله التي طالت أيضا أقرانه من السياسيين من ذوي الافكار اليسارية والشيوعية ولينتقل به الحال ويشغل وزارة الري ومن ثم النقل والمواصلات ممثلا للحزب الشيوعي العراقي في بداية السبعينيات من القرن الماضي، ومن ثم ليكون شاهدا على فترة من أهم وأعقد الفترات التاريخية التي مر بها تاريخ العراق المعاصر والتي انتهت بفشل التحالف الجبهوي في بداية عام 1979 .

مكرم الطالباني لم يكن شاهدا على حياته الشخصية والحزبية فقط بل شاهدا امينا على احداث وتطورات العراق السياسية لسنوات طويلة حملت في طياتها الكثير من التعقيدات والتحولات السياسية والانقلابات العسكرية والحزبية والتي ما زالت آثارها باقية ليومنا هذا.

ينتمي مكرم الطالباني إلى الاسرة الطالبانية من عشيرة زنكنة الكردية، ولد في مدينة كركوك ربيع عام 1923 في قرية زرداو جنوب بلدة كفري التي كان يديرها والده ويربو عدد بيوتها على مائة بيت، ويصف حياتهم وحياة سكان القرية بالتفصيل وعن علاقات والده المتميزة مع الفلاحين.

وعن جمعية ئازادي كردستان وفتح فرع لها في منطقة كفري ونشر الوعي القومي في المنطقة وهدفها الرئيسي كان مسألة الحكم الذاتي. تم قبوله في المدرسة الابتدائية وهو بعمر الخمس سنوات كتلميذ احتياط ومن ثم انتقل إلى كركوك تحت رعاية جده. ومن ثم تحت رعاية عمه بعد وفاة الجد.

وتعلم اللغتين التركية والعربية إلى جانب لغته الكردية. أما بداية الوعي القومي لديه فقد بدأت عندما تلقى أولى شحنات الوعي القومي من والده الذي كان يتحدث عن المسألة القومية بالمفهوم السائد آنذاك. وكان قد أسس مع صديقه محمد فتاح بك الجاف فرعا لجمعية آزادي كردستان في قضاء كفري.

تخرج من الاعدادية بتفوق في عام 1943 وكانت رغبة والده ان يدرس الطب في اسطنبول ولكن وفاته غيرت مجرى حياته فدرس القانون والسياسة في كلية الحقوق ببغداد وأصبح محاميا بدل طبيب.

وخلال وجوده في بغداد واصل نشاطه القومي العلني وتعرف إلى شخصيات كردية من نشطاء حزب هيوا الذي كان محلا للصراعات الفكرية والسياسية يجمع في صفوفه الشيخ الاقطاعي ورجال الدين وكبار الضباط والموظفين والطلاب، بعضهم يحمل افكارا قومية يمينية وآخرون أفكارا ديمقراطية تقدمية وآخرون افكار ماركسية لذا دبت التناقضات في صفوف الحزب فأدى إلى تشرذمه عام 1945 عندما عجز عن تقديم الاسناد إلى الثورة الكردية.

كان يراقب الأحداث منذ مجيئه إلى بغداد وخاصة نشاطات الحزب الشيوعي العراقي الاعلامية والسياسية. وكانت المكتبات وارصفة الشوارع مليئة بالكتب الماركسية ـ اللينينية وكان يتعاطف مع موضوعاتها ويقول.. كنت أقرب إلى المثقفين التقدميين داخل حزب هيوا وخارجها وكنت اتلقى منهم بعض النشرات السرية الشيوعية.

ولكن لم تكن له علاقة تنظيمية مع اية كتلة شيوعية..

وخلال وجوده في كلية الحقوق وفي خضم الاحداث اعتقل عدة مرات. حدثت تظاهرة جماهيرية في حزيران 1946 اصطدمت مع الشرطة التي أطلقت النار على المتظاهرين وقتل شاؤول طويق عضو الحزب الشيوعي وهو يردد (لا مهادنات ولا مساومات نريد عراقا حرا مستقلا)..

ثم تلتها تظاهرة كبيرة أخرى اعتقل خلالها الكثيرون وكان الطالباني بينهم، علما انه لم يكن عضوا في الحزب الشيوعي. وتم اصدار أمر بحرمانه من الامتحان والذي يعني رسوبه.

ولكنه عمل المستحيل إلى أن تم اجراء امتحان خاص له في جميع المواد بعد ان صدر قرار من المحكمة ببراءته لعدم ثبوت اشتراكه في التظاهرة. فيما بعد رافقه صالح الحيدري ليلتقي الرفيق فهد الذي وافق على انتسابه للحزب بعد إبداء رغبته بذلك وكان من القلائل الذين انتسبوا إلى الحزب الشيوعي بترشيح السكرتير العام. وخلال وجوده في بغداد لم ينتظم في اية حلقة من حلقات الحزب السرية لأنه كان من المقرر ان يعمل كواجهة علنية في حزب التحرر الوطني، الحزب الجماهيري الذي ألفه الحزب الشيوعي ليكون الحزب العلني المجاز.

في كركوك تفشى الفساد يومها إلى درجة لا تحتمل، في دوائر تنظيم الاستيراد من الخارج وتوزيع بعض السلع على المواطنين في سنوات الحرب وما بعدها، ومن هذه الدوائر المديرية العامة للاستيراد والتموين وكانت سمعة الشيوعيين والماركسيين قد أوحت إلى الحكومة بتعيينهم في هذه الدوائر لقطع داء الفساد فيها وبإيعاز من نوري السعيد نفسه. فكان عملهم ونزاهتهم مثار الاعتزاز بين الناس.

دعي مكرم الطالباني من قبل القيادة القومية لحزب البعث في سوريا لحضور مؤتمر المحامين في دمشق، لم يمانع البكر بالرغم من العداء بين النظامين، بل طلب منه ان يتكلم عن الحقائق في العراق فتم إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين والغاء سجن السلمان الصحراوي ودعوة جميع المفصولين بالمباشرة بأعمالهم ووظائفهم في الاول من تشرين الاول 1968، اما العسكريون فقد تقرر تعيينهم بوظائف مدنية. ويلقي الضوء في مذكراته على عدد من المقابلات المهمة التي اجراها في دمشق اثناء حضوره المؤتمر منها لقاؤه الساخن مع الرئيس السوري..

ويستمر الحديث وصولا إلى الجبهة 1973، ورغم التباين في وجهات النظر حول جملة من المسائل تم التوصل من خلال الحوار الطويل والشاق إلى صيغ مشتركة حول المسائل المختلف عليها وقد عمل قرار التأميم على تقارب الحزبين والتوقيع على ميثاق العمل، وكان قد زال أيضا عائق مهم أمام هذا الاتفاق بإصدار بيان 11 أذار 1970 وإشراك الحزب الديمقراطي الكردستاني بخمسة وزراء في الحكومة.

ولم تمر سياسة الحزب الشيوعي دون عائق او صعوبات فقد أضعف موقف الحزب تجاه الوضع القائم قضيتان مهمتان اولهما الوضع الداخلي للحزب الشيوعي وثانيهما موقف الحركة القومية الكردية.

وعندما أسند إليه منصب وزير الري جرى الحديث عن انشاء قناة الثرثار ـ الفرات وجرى انشاؤها بالتعاون مع حكومة الاتحاد السوفييتي وتم انشاء المشروع في مدة قياسية هي ثلاث سنوات بكلفة 35 مليون دينار عراقي فقط. وفي عام 1974 التقى نائب وزير الخارجية السوفييتي ودار بينهما نقاش مهم..

وبعد سياسة التباعد والقطيعة بين الحكومة والحركة الكردية والتلويح باستخدام القوة حاول الحزب الشيوعي ايجاد مخرج لتحاشي اندلاع القتال بين الحركة الكردية والحكومة بعقد الاجتماع مع الديمقراطي الكردستاني لأقناعه بعدم اللجوء إلى القتال ما دام هناك أمل في حل العديد من المسائل وايضا لقاءات مباشرة بين القيادتين ومن ثم وقعت اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران في السادس من اذار 1975.

وبتفصيل يتحدث عن قيام قوات الأمن بمحاصرة مقرات الحزب الشيوعي ومكاتب جريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة ومطبعة الرواد.

ولم يبق هناك من شك في ان الافتراق قد حصل فعلا. واستمر في دوامه في مقر الحزب لتصفية بعض الامور منها جمع الأسلحة التي استلمها الحزب من الحكومة لحماية مقراته ونقلها بسيارته الخاصة إلى مقر الجبهة الوطنية.

ولم تبق فائدة لدوامه في مقر الحزب او مكتب الجريدة، وكانت قد عطلت بسبب نشرها قرار اجتماع الاحزاب الشيوعية في البلاد العربية ينتقد فيه اجراءات حزب البعث تجاه الحزب الشيوعي العراقي. في 2 ايار قدم استقالة تحريرية إلى رئيس الجمهورية احمد حسن البكر وتم قبولها في 10 ايار 1979.

ويتحدث ايضا عن وصول صدام للسلطة وقيام الحرب العراقية ـ الايرانية واول لقاء له مع صدام حسين بعد استقالته..

وكيف ان البعث طرح فكرة المصالحة الوطنية عام 1988 ولكن موقف الحزب الشيوعي كان واضحا حول المسائل الوطنية ومسألة تقرير المصير للشعب الكردي وحقوق الاقليات الديمقراطية السياسية والاجتماعية. وينهي مذكراته بالحديث عن اقتراح المعارضة العراقية لتشكيل حكومة ائتلافية ورسالته لصدام عن موقف المعارضة.

شاهد اضراب عمال النفط في كركوك / كاورباغي في تموز عام 1946 عندما نشطت الحركة السياسية في العراق بصورة عامة والحركة العمالية بصورة خاصة، وفي عام 1947عندما شنت الحكومة هجومها على سائر الحركة الوطنية والديمقراطية في البلاد وقررت سوق قيادة العمال المضربين إلى محكمة جزاء كركوك، وكان ضمن المحامين المدافعين عنهم.

يتحدث عن وثبة كانون الثاني والحركة الوطنية التي تقوم بالهجوم المقابل وكيف ان معاهدة بورتسموث كانت القشة التي قصمت ظهر البعير..

ومحاكمة المتظاهرين في كركوك أمام المجلس العرفي العسكري، كان المتظاهرون من العرب والاكراد والتركمان والآثوريين، مسلمون ومسيحيون وصابئة، وعلى الرغم من انهم كانوا من هذه التشكيلة الواسعة من القوميات والاديان اتهمتهم دوائر الامن بإثارة الشغب والتفرقة بين المواطنين.

كما شارك في فريق المحامين المدافعين عن قادة الحزب الشيوعي العراقي فهد وحازم وصارم عندما حوكموا امام المحكمة ببغداد عام 1947 مع قادة نقابات العمال وعدد من النساء والفتيات بتهمة الشيوعية والمشاركة بالإضرابات والتظاهرات التي خرجت للشوارع ونشر البيانات والتي سموها بالأعمال الفوضوية.

وفيما بعد قدم مكرم الطالباني إلى المحكمة بتهمة الدفاع عن الشيوعيين امام المحاكم وقضية الدفاع عن سكرتير الحزب الشيوعي الرفيق فهد ورفاقه الاخرين امام محكمة جزاء بغداد.

ويتطرق مكرم الطالباني إلى عناوين عديدة وبالتفصيل، منها كيف قاد حميد عثمان حركة انقلابية في نقرة السلمان، والافكار اليمينية واليسارية لقيادة بهاء الدين نوري، ومذبحة في سجن بغداد عام 1953، والاوضاع في سجن بعقوبة، وهجوم مقابل لاسترداد حقوق السجناء عام 1954، وقصة هروب سكرتير الحزب الشيوعي حميد عثمان، واعادة فتح سجن نقرة السلمان، وعندما قارب من اكمال مدة حبسه البالغة سبع سنوات كان قد صدر قانون في عام 1954 يقضي بإسقاط الجنسية العراقية عن المحكومين الشيوعيين واخراجهم من البلاد سألوا مكرم الطالباني إلى اي بلد يريد أرساله ؟ فأجابهم ان جنسيته العراقية اكتسبها لأن آباءه واجداده سكنوا العراق ولن يبرح الوطن إلى بلد آخر وسيبقى في العراق.

ويتحدث عن اول لقاء له مع عبد الكريم قاسم عندما كان مديرا عاما لإدارة انحصار التبغ، ولقاء في اواخر عام 1959 عندما اراد اجراء تعديل وزاري، ولكنه كان مترددا أولا لوجود طالبانيين في الوزارة، حسن الطالباني كان وزيرا للشؤون الاجتماعية وكذلك لأن مكرم شيوعي، كان قلقا انه لو حصل اي خلاف مع الحزب سيترك الوزارة ويكتب: اخبرته ان الطريق الذي سلكه الحزب الشيوعي لخدمة الشعب هو طريق آمن ومجرب وواضح، لماذا تفترض الخلاف ونحن غير مختلفين.

ويظهر انه اعتبر كلامي رفضا لأني لن اتخلى عن حزبي في حالة الخلاف.

ومن ثم اختار نزيهة الدليمي وزيرة للبلديات ولم يكن على اساس حزبي ولا على اختصاص لأنها كانت طبيبة، فقط اراد ان يستوزر عنصرا نسائيا لأسباب دعائية فكانت نزيهة رئيسة رابطة المرأة العراقية فاستوزرها.

سرعان ما عادت حكومة قاسم إلى التراجع عن الخطوات التقدمية التي خطاها في الاشهر الاولى من الثورة، فعادت المشكلة القومية الكردية تطفو إلى السطح ثانية، وأصدر قانون رقم 80 لسنة 1960 القاضي باسترداد كافة الاراضي غير المستثمرة من شركات النفط، وكان هذا يتطلب تعبئة كل طاقات الشعب، إلا ان حكومة قاسم بإجراءاتها اللا ديمقراطية قد عزلت نفسها تدريجيا عن الشعب.

وفي عام 1961 هددت شركات النفط بالإطاحة بحكمه إن هو استمر بمطالبه.

وتورط قاسم بالقتال في كردستان وتخلى عن العناصر التقدمية في قيادات وحدات الجيش، واستعان بغلاة الرجعيين من الضباط، وعارض الحزب الشيوعي تلك الحملة القمعية التي شنها ضد الاكراد في بيان، وطالب بوقف الحملة العسكرية وتلبية مطالبهم بمنحهم حق تقرير المصير، وعلى إثر البيان جرت حملة واسعة لجمع التواقيع على مذكرة قدمت إلى الحكومة تطالب بإيقاف القتال فورا وتحقيق السلم في كردستان، وكان مكرم الطالباني ضمن الموقعين، اضافة إلى عدد من المدراء في الهيئة العليا للإصلاح الزراعي، وأمر قاسم بإحالتهم إلى هيأة تحقيقية خاصة وتم التحقيق معه. واستمر قاسم في حملته القمعية ضد الاكراد، ولكننا نعرف كيف صفيت التركة التي اشارت اليها مجلة الايكونومست البريطانية في مقال سبق ونشرته فالكويت وهو اسم اخر للنفط قبلت عضوا في هيئة الامم المتحدة بعد ايام من نهاية قاسم.

كان الحزب الشيوعي العراقي على علم بما يبيت في الخفاء للإطاحة بحكومة قاسم، وكان يعلم ان نجاح الانقلاب يمر على اكداس من اشلاء الشيوعيين والديمقراطيين، وعلى الرغم من اصداره بيانا في كانون الثاني 1963 يحذر الحكومة فيه من الانقلاب العسكري، إلا ان قاسم كان يخشى اتساع نفوذ الشيوعيين أكثر من نجاح انقلاب قد يؤدي بحكمه وحياته. وان التنسيق بين الحزب الشيوعي وقاسم كان مستحيلا بعد ان عارض الحزب العديد من اعمال الحكومة، وايضا الحكومة بإجراءاتها اللاديمقراطية قد عزلت نفسها تدريجيا عن الشعب، وباستثناء الحزب الوطني التقدمي لم يبق أي حزب سياسي لإسناده في المعركة المزمع دخولها ضد شركات النفط، وما أن حل عام 1961 حتى كانت الشركات في وضع تستطيع تقديم التهديدات المباشرة إلى عبد الكريم قاسم بالإطاحة بحكمه. وحدث الانقلاب في 8 شباط 1963، ومنذ اللحظة الاولى كشف الانقلابيون عن معاداتهم للحزب الشيوعي وأعلنوا انهم يعادون الشيوعية ولكنهم لا يعادون الاستعمار.

ويذكر في الكتاب قصة اعتقال قاسم، كما رواها له سعدون غيدان، وايضا علاقة الانقلابيين بالمخابرات الامريكية التي كان لها دور كبير في الاطاحة بالحكم. وتم اعتقال مكرم الطالباني ايضا وقد سلمه عدنان الراوي بضمانات للحفاظ على حياته ويسرد في مذكراته..

عندما دخلت غرفة المعتقل استقبلني عدد من الوزراء الذين يضمرون لهم الحقد كونهم تضامنوا مع عبد الكريم قاسم واخرين.

وايضا يتطرق في مذكراته إلى انتفاضة في معسكر الرشيد حركة حسن سريع فجر 3 تموز 1963، وقد دلت هذه العملية الجريئة على القدرات الكبيرة التي كان الحزب الشيوعي يمتلكها في صفوف القوات المسلحة، وكان بإمكانه ان يسبق انقلاب 8 شباط 1963 بالإطاحة بحكومة قاسم والاتيان بحكومة ائتلافية واسعة.

وقد قرر الانقلابيون اعدام 300 من الضباط البارزين في معتقل معسكر الرشيد، انتقاما للانتفاضة فنقلوهم عبر قطار الموت المتوجه إلى سجن نقرة السلمان.

وتم نقل مكرم الطالباني ايضا في يوم آخر بالقطار إلى السماوة ومن هناك إلى سجن نقرة السلمان، ويروي في مذكراته عن 1700 معتقل بينهم عدد كبير من الضباط والمراتب.

وايضا يتحدث عن موقف الملا مصطفى من الشيوعيين وكيف ان البارزاني كان يثق بالدعم والتأييد الخارجي أكثر من ايمانه بقدرة الشعب في انتزاع حقوقه بنفسه. وعندما اندلع القتال مرة اخرى بين البعث والحركة الكردية، تطوع الشيوعيون كسرايا مستقلة في صفوف الثورة الكردية المسلحة في كردستان، وبدأ الحزب الشيوعي يوسع تنظيماته في العاصمة والمدن الاخرى من العراق، ويعيد اتصاله بجماهير العمال والفلاحين والطلبة وغيرهم من فئات الشعب، وكانت انباء مقاومة الشيوعيين وقوات الانصار تقوي من عزيمة الناس.

ولم يستمر الانقلاب الذي قاده البعثيون سوى 9 أشهر، ففي 18 تشرين الثاني 1963 قام عبد السلام عارف ورفاقه بانقلاب عسكري ضد البعثيين الذين دعوا القيادة القومية برئاسة ميشيل عفلق إلى تولي الحكم في العراق بسبب الخلافات بينهم.

وفي اجراءات طويلة جرت محاكمة مكرم الطالباني وصولا إلى قرار الحكم الذ اصدرته محكمة الثورة التي تشكلت بتاريخ 22 / 1 / 1964 وتم الحكم بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وتمت اعادته إلى ادارة القسم السياسي في السجن، وايضا كان معه ابراهيم كبة وزير الاقتصاد الذي قدم استقالته وقدم إلى المحاكمة بتهمة افساد نظام الحكم وتضامنه مع عبد الكريم قاسم، وفي الحقيقة ان مثل هذه التهم كانت وسيلة لتبرير الردة ضد الثورة، وحكمت عليه بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات..

ويشرح ان السجناء كانوا في ثلاثة مجاميع، مجموعة من الشيوعيين واصدقائهم من العسكريين والمدنيين، ومجموعة من الحركة القومية الكردية، ومجموعة دينية من الاكراد، وكانت العلاقة بين المجاميع الثلاث ودية.

بعد مرور نحو سنتين من الاعتقال وردت برقية إلى سجن السلمان مفادها ارسال مكرم إليها وتم نقله إلى بغداد لمقابلة وزير الداخلية صبحي عبد الحميد وكان يعرفه وهو ملازم في كركوك، وطلب عبر الهاتف من طاهر يحيى رئيس الوزراء لإصدار مرسوم العفو عنه.

وايضا إطلاق سراح سبعة من الشيوعيين كانوا محكومين في سجن نقرة السلمان من أهالي كفري، كان هو من كسبهم للحزب الشيوعي.

كانت الحكومة بحاجة إلى التفاوض مع الملا مصطفى البارزاني وايقاف القتال لتتفرغ للتفاوض مع شركات النفط الاجنبية حول مطالب العراقيين منها، وكان الاكراد الموجودون في بغداد يقدمون المساعدة لهم لنيل مطالبهم، وفي اجتماع في دار السيد فؤاد عارف حضره نحو 60 شخصية من مختلف الآراء السياسية، اتفقوا على كتابة مذكرة للحكومة يوقعها عشرة اشخاص باسم الجميع للمطالبة بوقف القتال في كردستان وتلبية مطالب الاكراد، وكان في الجلسة متعاونون مع السلطة سجلوا الاجتماع، وعلى إثره تم اعتقال الكثيرين وأرسلوا إلى ناحية عين التمر في كربلاء، و بقوا فيها إلى ان مات عبد السلام عارف وحل محله عبد الرحمن عارف الذي عرف بعدم شراسته كأخيه عبد السلام.

ويشير في مذكراته إلى الحركة الكردية ومعارك الشيوعيين في هندرين، وعودة الحزب الشيوعي إلى الميدان كقوة قائدة بعد ان كشفت الهزيمة العسكرية امام العدو الصهيوني عام 1967 ضعف الحكومات البرجوازية الصغيرة وعزلتها، فبدأت الجماهير تطالب بإلحاح بالمزيد من الحريات الديمقراطية وحقها في ممارسة التنظيم الحزبي والاجتماعي والنقابي.

وكان هناك حدثان مهمان كانا ايذانا بعودة الحزب الشيوعي إلى ميدان العمل الجماهيري كقوة لها وزن، أولهما انتخابات المنظمات والنقابات الحكومية، ثانيهما التظاهرة الجماهيرية التي قادها الحزب الشيوعي في مناسبة ذكرى العدوان الصهيوني عام 1967.  وبالنسبة للطلبة فكان الفوز 70ـ 100 بالمائة من الهيئات القيادية في الجامعات، الامر الذي ادى إلى الغاء نتائج الانتخابات واكتساح الشيوعيين قائمة تضامن المحامين. وحين قام حزب البعث العربي الاشتراكي ـ تنظيم العراق بتظاهرة في المناسبة نفسها لبيان قوته ولكنه أيقن ان هناك توازنا في القوى الجماهيرية قد يتطور لصالح الائتلاف الديمقراطي، فأمام البعث طريقان اما مواجهة الشيوعيين إذا ارادوا القيام بعملية الاستيلاء على السلطة، او التعاون معهم في ذلك. في اواسط حزيران التقى مكرم الطالباني احمد حسن البكر وبعد حديث طويل طلب تعاون الشيوعيين ومشاركتهم في تغيير الحكم واقترح مشاركتهم في الوزارة، ورده مكرم بأنه لم تمح بعد ذكريات مأسي 1963 وليس من السهل الاعلان عن أي شكل من اشكال التعاون ما لم تعالج الآثار النفسية الناجمة عن تلك الفواجع.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 25-07-2023     عدد القراء :  534       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced