أفكار من أوراق اليسار.. اليسار والوطن
بقلم : د. إبراهيم إسماعيل
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

سمعت قبل أيام، متثاقفاً يدعي بأن الشيوعيين أمميون وليسوا وطنيين، فليس للعمال وطن! ورغم إني سأحمل هذا الأخ على سبعين محملا، ليس أقلها الجهل بمغزى هذه العبارة التي وردت في البيان الشيوعي، أجد لحسني النية، الحق في أن يعرفوا، في عالم تسوده ماكنات التجهيل والتضليل، بأن للعمال وطن، بلادهم التي ينتمون اليها بالولادة والثقافة والمشاعر والولاء، والإنسانية وشغيلتها التي ينتمون اليها بالحس الثوري ضد العبودية والقهر الطبقي.

لقد مثلت قضية الوطن أكثر الأسئلة تحدياً لليسار، ربما بسبب العلاقة التكاملية، بين هدفه في توحيد الطبقة العاملة في الفضاء الأممي، وبين التواجد في فضاء الإنتماء الوطني المحدد. لهذا لم يكتف اليساريون، بنشر آلاف الدراسات عن هذه العلاقة فحسب، بل وبتجسيدها عملياً في الكثير من المواقف، منذ زمن ماركس وأنجلس، اللذين أقرا بحق البولنديين في التحرر من الإستعمار الروسي وبحق الإيرلنديين في الإستقلال عن إنجلترا، وعاضدا بقوة حركات التحرر الوطني في الهند والجزائر وغيرها واعتبراها حركات ثورية.

وتبقى مشرقة مواقف اليسار من الوطن، في صراعات لينين الفكرية، دفاعاً عن المشاعر الوطنية، وفي البطولات التي اجترحها الشيوعيون، ذوداً عن أوطانهم وشعوبهم ضد النازية والفاشية والكولونيالية، مدركين بأن أمميتهم لا يمكن أن تشمخ الاّ إذا ما أُرسيت على قاعدة دفاعهم عن مصالح بلادهم ومسؤوليتهم عن تحقيق التحول الثوري فيها، كجزء لا يتجزأ من الكفاح الإنساني لإقامة الحرية والعدالة على الأرض، وكمساهمة واعية في الصراع الطبقي ضد الرأسمالية، هذا الصراع الذي يشكل أساساً لتطور المجتمع البشري كله، وليس في بلد ما دون غيره. ولي في مطالعة الخالد يوسف سلمان فهد أمام المحكة السعيدية أجمل مثال على ذلك حين قال (كنت وطنياً قبل أن أصبح شيوعياً، وحين صرت شيوعياً شعرت بمسؤولية أكبر تجاه وطني).

وبالمقابل، أثبتت عشرات التجارب التاريخية من أن اليمين بكل تلاوينه، كان سباقاً في استخدام الوطنية لضمان سلطته وبغية تمزيق وحدة الشغيلة التي يستعبدها، ومستعداً بدون تردد للتفريط بمصالح البلاد وسيادتها مقابل الحفاظ على امتيازاته.

واليوم يسعى اليسار، وهو يدرك وجود أوجه متعددة لمفهوم الوطنية، يفرضها تعدد وتناقض المصالح الطبقية المختلفة، إلى تطوير مفاهيمه في هذه القضية، استنادا إلى نظريته كمرشد للعمل، وإستعانة بوقائع تاريخه الناصع، معتمداً على رؤى ثلاث:

أولها تجديد السياسات والإستراتيجيات على ضوء المتغيرات المحلية والدولية في ظل العولمة المتوحشة، التي عمقت التناقض بين رأس المال الدولي والمصالح الوطنية، وهمشت الطبقات الاجتماعية الرئيسية في دول الأطراف، لصالح فئات جديدة تابعة له، وقلصت مكتسبات الشغيلة والطبقة الوسطى في دول المركز، مما يشي باشتداد الصراع الطبقي في العالم، لاسيما مع تصاعد المخاطر الأمنية والاقتصادية التي تتعرض لها البشرية، إلى حد قد يفضي إلى دمارها أو إلى قيام عالم متعدد الإقطاب.

وثانيها أن يبقى اليسار متمسكاً بتطهير مفاهيمه وصيانتها من أردان الشوفينية القومية، التي تتستر بمصالح الوطن من أجل إستعباد باقي الأمم ونهب خيراتها، ومن أردان الطائفية، التي هي شوفينية أخرى، تعطي لمجموعة ما الهيمنة على السلطة والثروة، ساعية لمنح الهوية الفرعية المغلقة، إنتماءً يتعدى مصالح الوطن، وهيمنة تمزق وحدة البلاد.

وثالثها التمسك بالهوية الوطنية الجامعة، وبوحدة الشغيلة وكل اطراف القاعدة الشعبية ذات المصلحة ببناء دولة ديمقراطية تضمن قدراً من العدالة الاجتماعية، وتواجه محاولات تخريب هذه الوحدة، التي يمكن بها مقاومة سياسات التبعية والتهميش.

إن يساراً كهذا، جدير حقاً بالوطن، كما كان دوماً!

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 26-09-2023     عدد القراء :  450       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced