القلق هو الشعور الذي يلازم كل شاب عراقي يبحث عن فرصة توظيف ثابتة في قطاع الدولة، فلا غير التوظيف في مؤسسات الدولة ما يطمّن الشباب، بعدما عجزت طغمة الحكم وسياساتها الارتجالية عن تنويع الاقتصاد وتأمين فرص عمل. اما التصريحات حول الدعم الحقيقي والصادق للصناعة والزراعة والسياحة وتشجيع الاستثمار فيها، فهي مجرد كلام مكرور لا معنى له وهي للاستهلاك الإعلامي لا غير.
لقد جعلت عقلية طغمة الحكم المأزومة القطاع العام منفذا وحيدا للباحثين عن عمل، وبوابة التشغيل الأساسية التي لا يجد العاطلون عن العمل بابا غيرها للاستقرار الوظيفي، بعد ان رسخت الحكومات المتعاقبة الاقتصاد الريعي، رغم انه احادي يجانب التنمية المستدامة، ولا يبني اقتصادا ولا يحل أزمات، كما انه لا يصمد امام أيّ متغير يطرأ على أسعار النفط.
بهذا تبقى اعين الشباب الباحثين عن عمل، وأصحاب العقود الآملين في التثبيت في وظائفهم، مشدودة الى النتيجة المرتقبة كل عام مع قانون الميزانية، عسى وان تتضمن فقراتها وظائف لهم. لكن امام الجميع ضآلة التخصيصات الاستثمارية في الميزانية، وضخامة الأموال المخصصة للفقرات التشغيلية، وتخمة المؤسسات الحكومية بالمنتسبين حتى لم تعد تستوعب المزيد، ما يشكل عجزا هيكليا عن استقبال المزيد من العمالة في مؤسسات الدولة، وسدا منيعا بوجه التنمية التي لا سبيل دونها للبناء والتعمير والتشغيل. ونظرا الى كل ذلك إضافة الى ما ينهبه الفساد من أموال، والتشويه المركب الناجم عن عدم وجود فلسفة اقتصادية واضحة، وفي ظل غياب الحساب الدقيق لإمكانيات العراق وثروته البشرية، وعدم وجود إرادة وطنية لإدارة الموارد الهائلة التي يمتلكها عراقنا الغني، ستبقى طغمة الحكم في دوامة الفشل الدائم والعجز التام عن حل مشكلة البطالة المتنامية، والتي لم يتوقف تفاقمها، مع ما ينتج عنها من مشاكل معيشية واجتماعية وتعطيل للطاقات الشابة، التي لم تتأخر احتجاجاتها عند تيقنها من ان فقرات الميزانية تخلو من فرص التوظيف.
وهذا ما حصل في الأيام الفائتة، حيث شهدت بغداد وعدد من المحافظات تظاهرات احتجاجية تركزت على تثبيت أصحاب العقود والأجور اليومية، العاملين في مؤسسات وزارة النفط والتربية، على الملاك الدائم. مؤكدين استمرارهم بالتظاهر لحين تحقيق المطالب، وانهم سيواصلون تظاهراتهم ويلوحون بتصعيدها حتى يتم تثبيتهم.
ولم تجد طغمة الحكم غير اللجوء الى العنف والقسوة لفض الاحتجاجات، كما شهدنا في مدينة الناصرية الاحد الماضي، حين اتجهت الأنظار مجدداً نحو محافظة ذي قار، بعد ان اوقعت عناصر (مكافحة الشغب) أكثر من 20 مصابا بين المتظاهرين، الذين تعرضوا لقمع وحشي، أعاد إلى الذاكرة القمع الدموي الذي مورس ضد منتفضي تشرين 2019.
ان القمع هو السيناريو الأسوأ، وهو اخطر ما يكون على الاستقرار المجتمعي، وكم جربته حكومات سابقة فتحوّل وبالا عليها.