بعد انقلاب شباط 1963 سنتذكر بأنَّ طيفاً واسعاً من طائفة دينية في المجتمع العراقي أعادت النظر في عقود الزواج المعمول بها بموجب القانون 188 لسنة 1959 بوصفها عقوداً باطلة، وهي من الانكحة الفاسدة، بحسب وصفهم لها، فرحين بما أتاهم به انقلاب الحرس القومي، سيئ الصيت، وأنهم أصبحوا في عهد جديد، بفضل انتصار طغمة الحرس تلك. وفي العام 2003 وبعد سقوط نظام صدام حسين سنتذكر بأنَّ طيفاً واسعاً من طائفة دينية أخرى فعل الشيء ذاته، أبطلوا بموجبه عقد النكاح القديمة، فراجت بموجب ذلك سوق المعممين الجدد، وكنا نشاهدهم داخلين وخارجين، من بيوت كثيرة، حاملين أوراقهم، منتفعين بما تجود عقودُهم الجديدة عليهم من المال والوجاهة، وسط اعتقاد أبناء الطيف ذاك بأنَّ نصراً كبيراً تحقق، وبداية جديدة لعهد ولائيٍّ سيح ملهم الى السعادة والجنان.
على وفق المعادلة هذه يعمل المشرعون الجدد، أصحاب دعوات مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، لكنهم هذه المرة يريدون نسف تفاصيل ما عمل به في السنوات الماضية، في عودة الى ما قبل ثورة تموز 1958 حيث سيادة الاقطاع ورجال الدين، غير مبالين بما تحقق لأبناء الشعب، وبما استردته المرأة العراقية بالذات من حقوق وكرامة، عبر نضالها الطويل، في البلاد التي ما أنْ تخلص من تسلط واستبداد حتى تقع في جهل وعمالة. من يتتبع محاولات هؤلاء البرلمانيين واصرارهم على تمرير القانون لن يقع على موجب واحدٍ اللهم إلا ما يدور في عقولهم المريضة، ومن يبصر في بواطن الأمور سيرى بأنَّ قانون العفو عن معتقلي داعش الذي تقدمت به إحدى الكتل البرلمانية هو الموجب الأول لتمرير القانون هذا.
وفي العودة الى حكومة عبد الكريم قاسم نجدُ أنّ قانون الأحوال الشخصية بالرقم 188لسنة 1959وتعديلاته ولم يأت من خارج تركيبة الحياة العراقية، أو بعيداً عن ضوابطها الدينية والمجتمعية، بل، هو نتاج عقل المشرّع العراقي، الحريص على لحمة مجتمعه، بطوائفه المتعددة، وأنَّه رصد وبدقة عالية كل محاولات الالتفاف عليه. ففي المادة الثالثة / 3 نقرأ" الوعد بالزواج وقراءة الفاتحة والخطبة لا تعتبر عقداً" وكذلك ما جاء في المادة السابعة /1 يشترط في تمام أهلية الزواج العقل وإكمال الثامنة عشرة" ونقرأ في المادة العاشرة / 5 ": يعاقب بالحبس مدة لا تثقل عن 6 اشهر ولا تزيد عن سنة أو بغرامة مالية لا تقل عن 300 دينار ولا تزيد عن 1000 دينار كلُّ رجل عقد زواجه خارج المحكمة. حيث يتضح منه تحديد سلطة رجال الدين، في عقود النكاح التي تعتبر قوام بناء الاسرة في أي مجتمع.
سيتيح قانون الأحوال الشخصية المزمع إقراره لمن إدّعى برشده وصلاحه، ولكل من وضع على رأسه عمامة، وحمل سجلّاً وخاتماً بأنْ يعقد لهذا وتلك، خارج ضوابط العمر والعقل والبلوغ، غير مبال بما يترتب على ذلك، طالما أعتقد بأنَّ ما يقوم به هو موافق لأحكام الشريعة، التي لم يمض على تعلمه إياها بضع سنوات ربما. حين نقرأ فقرات قانون 188 لسنة 1959 الأخرى وهي كثيرة، وشاملة، ومستوفية، سنعرف بأنَّ القانون ذاك إنما جاء ملبية لحاجات الانسان العراقي، ذكراً أو أنثى، وعلى وفق المتغير الذي أحدثته ثورة 1958 والذي انطوت بموجبه حقبة سلطة الاقطاع ورجال الدين، ما يقاتل لأجله هؤلاء البرلمانيون هو نكوص في الحياة العراقية، وعودة كريهة لإذلال المرأة بخاصة، تحت مسمى الدين والتشريع الإسلامي. ترى أين هم مما تتعرض له طفولة المرأة، حين قبلوا بزفافها وهي بعمر الـ 9 سنوات؟ إذا كانت دوائر المرور على سبيل المثال لا تمنح المرأة التي يقل عمرها عن 18 سنة إجازة السوق، كيف لقانون يبيح زواجها وهي قاصر، أتقدر القاصر على تحمل مسؤولية الزوج وتربية الأطفال؟ المرأة التي في عقولكم هي وعاءٌ، لا أكثر.