يهلّ علينا السيد رئيس هيئة النزاهة مشكوراً بين الحين والآخر من خلال الفضائيات والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي ، وقد أعلن بالأمس عن بدء المعركة مع الفساد ، ويتعاطى العراقيون جرعاتٍ مسكنةً من التصريحات التي يطلقها المتحدث باسم هيئة النزاهة ، حيث يظهر الرجل بالصورة والصوت على فضائيات ليخبرنا بأن هذا العام هو آخر أعوام نهب أموال البلاد والعباد .
وبرغم كثافة الحضور الإعلامي لهيئة النزاهة ، إلا أن واقع الأمر يثبت أن أحداً في العراق لا يثق على الإطلاق بالتصريحات الوردية عن الشفافية والإصلاح ، والدليل أن معظم العراقيين يسخرون حين يسمعون أن هذا العام سيكون الأخير في سلسلة معاناتهم مع نهب المال العام ، فالثابت أن الناس تعطي آذانها للمشككين في أحاديث المسؤولين ، أكثر ممّا تعطيها لأصحاب خطب النزاهة ومحارلة الفساد ، ويمكن القول إن ظهور نموذج نور زهير جعل من النزاهة مجرد رواية تبدو واهية ومتهالكة بحيث لم تصمد في وجه ما يقوله الرافضون لبيانات القضاء على الفساد والمشككون فيها، وفي المحصلة النهائية يمكن القول إن الغالبية العظمى من العراقيين لا تعتبر النزاهة ضمن أولويات مصداقيتها بعد كل حديث عن صفقة فساد جديدة ، ومن ثم فأن الناس تعطيها "الأذن الطرشة" على حد تعبير أهالي بغداد.
ووفقاً للأرقام المعلنة حتى الآن فأن عشرات المليارات نهبت من أموال العراقيين حتى أن البعض قال ساخراً إن ما نهب من ثروات البلد يكفي لبناء بلد بأكمله وما أنفق من أموال على المشاريع الوهمية يصعب تصديقه في أي بلد، لكنه في العراق يقدم الدليل القاطع على أننا نعيش زمن اللصوص الكبار، وأن مصطلحات الشفافية والنزاهة لا تنفع حين تُغيب إرادة الناس.
أيها السادة الأهم من الحديث المكرر عن النزاهة ، ما كشفته الأخبار لنا مؤخرا من أن " المدلل نور زهير زور 114 صكاً مالياً ، ولديه جرائم غير سرقة الأمانات الضريبية وسرق 720 دونماً في شط العرب كما سرق الودائع الجمركية بأكثر من تريليون دينار، مع هذا يعيش حراً طليقاً دون أن تقترب منه هيئة النزاهة في الوقت الذي اعتبر القضاء ما سرقه نور زهير مجرد " خردة " لا يستحق أن يسجن عليها . لعل السؤال الجوهري لم يكن هو: كم مسؤولاً متهماً بسرقة أموال البلاد؟ ثم ــ وهذا هو الأهم ــ من الذي يتحمل مسؤولية ضياع مئات المليارات من موازنة العراق؟. كم " حوت " تحرص الدولة على عدم الاقتراب منهم؟
نحن ياسيدي رئيس هيئة النزاهة يحزننا أن نعيش عصر البيانات الوردية ، فالناس ملت من قراءة كتيب العلامة هيثم الجبوري "ألف نكتة ونكتة عن النزاهة".