دعوات واجبة السماع قبل فوات الأوان
بقلم : محمد عبد الرحمن
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

في بيان أصدره الثلاثاء الماضي رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم البطريرك لويس روفائيل ساكو، قال ان العراق فقد ثلثي عدد مسيحييه، وأضاف انه اذا استمر هذا الحال فـ"قد نفقد من تبقى منهم امام عدم الوصول الى السلام والوئام ".

ولا شك ان هذا لا يقتصر على أبناء شعبنا من المسحيين فقط، بل يكاد يشمل أطياف شعبنا جميعا، وإن كان الأوضح والابرز والاكثر تضررا بعد ٢٠٠٣ هم المسيحيون والصابئة المندائيون  والايزيديون .

وعندما يقول البطريرك ساكو ذلك، ويتحدث عن امكان فقدان المزيد من أبناء الوطن، ممن تجبرهم الظروف الصعبة والقيود التي تفرض كل يوم على ترك وطنهم اضطرارا، فانه يؤشر بذلك عدم اهتمام المنظومة الحاكمة باقسامها وعناوينها المختلفة، بالحفاظ على التنوع الأصيل في مجتمعنا، وهذا تفريط يفضي في النهاية، ومهما كانت التصريحات والمواقف المعلنة والوعود المغدقة، الى إعادة تشكيل مجتمعنا بنحو غير الذي عرفت به بلاد وادي الرافدين .

والملفت هنا ليس فقط عدم الانتباه الى هذه الظاهرة الخطرة، بل ايضا إمعان قوى ضيقة الأفق وانانية تحركها دوافع الهيمنة والسيطرة، الى الامعان في الإجراءات التي تتناقض تماما مع كل الدعوات الوطنية المخلصة، المشددة على ضرورة مراعاة مصلحة البلد العليا وتعزيز وحدته الوطنية ونسيجه الاجتماعي، وعدم التفريط بأحد.

وقد يكون مفيدا إعادة التأكيد بان مجتمعنا العراقي يشبه الفسيفساء متعددة الإلوان، ويتسم بتعددية جليّة وبتنوع لا يعجز عن رؤيته الا من عمت مصالحُهم الضيقة أبصارَهم وافئدتهم. فمجتمعنا ذ تنوع قومي وطائفي ومذهبي وديني وسياسي وفكري، وافق البعض المحتقن بهذا ام لم يوافق. فليس لاحد مهما كان موقعه في الدولة والمجتمع، الحق في التنكر لذلك والسعي الى مصادرة هذه التعددية تحت أي عنوان واسم، بما في ذلك الحديث المتكرر اليوم عن "الأغلبية" التي لا تقوم عندنا على أساس البرامج والتوجهات السياسية والمواطنة العراقية الجامعة. فأي اجراء يضعف الوحدة الوطنية ويكرس الطائفية والهويات الفرعية، انما يشكل موقفا متعمدا وانتهاكا سافرا للدستور.

ونذكّر هنا بتجارب شعوب عدة، عانت من مساعي تنميط حياتها وسلوكها بدوافع مختلفة، وحشرها حشراً في اطر معينة، بعيدا عن واقعها ورغباتها وارادتها، ومصادرة حقها في الاختيار الفكري والسياسي، وفي تعدد الانتماء. فقد دفعت تلك الشعوب ثمن ذلك باهظا وواجهت كوارث ومهالك.

ان ما يُتخذ في بلدنا اليوم من إجراءات تصادر الحريات والحقوق، وما يراد فرضه من تشريعات يمررها البرلمان الحالي، ومنها مسودة التعديل المتخلف والمثير للجدل لقانون الأحوال الشخصية، يثير القلق على مستقبل التعددية والتنوع في بلادنا، ويثير تساؤلات جدية بشأن التفسير الضيق لمواد الدستور وقرائتها على نحو انتقائي. ومن دون تردد نقول اننا نجد في ذلك منهجا غايته إبعاد معالم ومؤشرات الدولة المدنية، والاتجاه تدريجا نحو دولة ثيوقراطية، في وقت تتخلى فيه دول في المنطقة عن ذلك بعدما جربته وعانت من مساوئه، وهي الان تسابق الزمن في مراجعة وتصحيح المسارات في اتجاه المزيد من الانفتاح.

ان دوافع القلق المتنامي، الذي انعكس أيضا في بيان البطريرك ساكو، تكمن أساسا في ما نشهده من قضم تدريجي للحريات، ومن تقزيم للديمقراطية وإلغاء هامشها وافراغ مؤسساتها من وظائفها، وجعلها هياكل جوفاء تتحكم فيها الاهواء والمصالح الانانية الضيقة. وهو قلق جدي على هيبة الدولة وسلامة بناء مؤسساتها، وعلى قدرتها على حماية التنوع والتعددية عمليا، وليس في معسول الكلام المنمط.

ان من الواجب الاستماع جيدا وقبل فوات الأوان الى بيان البطريك ساكو ودعوات العديد من القوى والشخصيات الوطنية، وان تكون الدولة بالفعل وعاء يتسع لجميع العراقيين، وكما هم في الواقع، لا كما يتصور ويخطط البعض المريض ويريد تحقيقه بالقسر والاكراه، وبمختلف الوسائل بما فيها البرلمان المختلة تركيبته اليوم. وهذا يفرض، من بين أمور أخرى، واجب تغيير هذه التركيبة ليكون اقرب الى هموم وتطلعات واولويات المواطنين. وهذا ما لن يتحقق الا عبر المشاركة الواسعة، وجعل الانتخابات القادمة احدى وسائل التغيير المطلوب، لكسر احتكار السلطة وفرض موازين قوى جديد يميل لمصلحة الشعب وارادته.

طريق الشعب

  كتب بتأريخ :  الإثنين 09-12-2024     عدد القراء :  255       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced