اللاعنف والتسامح سلوك تطبيقي وليس مجرد كلام
بقلم : فوزي الاتروشي
العودة الى صفحة المقالات

مقولة "في البدء كانت الكلمة" تفيض بالصدق واليقين فهي كانت اشارة البدء والاستهلالة الاولى واول انذار للبدء بالتغيير والتحول من واقع الى اخر . ولكن ومنذ البدء ايضاً لم تكن الكلمة فاعلة ومؤثرة ومغيَرة ومعدَلة لهذا الواقع او ذاك او هذه الظاهرة او تلك ، الا حين تتحول الى فعل تطبيقي على الارض وممارسة يومية تجعل الكلام تصرفاً ميدانياً وتحيل الخطاب الى سلوك حياتي موَثق بالادلة والبراهين .
اقول هذا لأن الخطابات التي تلقى في مؤتمرات "المصالحة الوطنية العراقية" واكثر الندوات التي تنعقد لمحاربة العنف في المجتمع تبقى بكل اسف اسيرة الكلام الذي يجترُ نفسه ويتكرر وفق قوالب نمطية جامدة لاحياة فيها .
والدليل ان كل هذه المؤتمرات جعجعت دون ان تطرح بين ايدينا ولو حفنة طحين وجرى نسيانها بمجرد انفضاض المؤتمر وعــــودة الخطباء الى بيوتهم وكل واحد منهم ينزَه نفسه من الخطـــــأ ويرمي سلة الذنوب والخطايا على اكتاف الاخر . وبالنتيجة تتحول المؤتمرات الى جولة اخرى من تبادل الاتهامات والعنف الكلامي والتشظي على خنادق متقابلة ، في حين ان مردود أي مؤتمر يجب ان يكون الاصطفاف جميعاً في خندق اللاعنف والتسامح ضد متاريس العنف والارهاب .
والى ذلك فأن الكلام يتكاثر الى حد الغلوَ والفيضان حول "المؤامرة" التي يتعرض اليها المجتمع العراقي الى حد تزكية النفس  كلياً من الاثم وبذلك تنعدم الحاجة – وفق هذا النمط التفكيري – للبحث في باطن الاشياء والتنقيب في مفاصل المجتمع العراقي والتأشير لكل القبح والتورمات المختفية في ثناياه والتي تبرز حالما تتعرض لأية هزَة لأنها اصلاً تربة صالحة تثمر فيها ظاهرة العنف .
واللوم هنا ليس موجهاً للفرد العراقي بحد ذاته الذي لا يختلف عن أي فرد في أي دولة في العالم ، وانما يوجه لأسس التربية ولثقافة وفكر بعض الاحزاب وللاستبداد والقمع الذي لاحق هذا الفرد وحاربه في عيشه وخبزه على مدى عقود من الزمن كانت حافلة بأرهاب الدولة وفكر الحزب الواحد والشخص الواحد والسياق الايديولوجي الواحد ، وجاءت الكوارث والحروب والحصار لتزيد الطين بلَة وليصبح الفرد العراقي اسير امتداد تاريخي متسلسل من العنف الدموي والذي يقرأ كتاب "تاريخ العنف الدموي في العراق"لمؤلفه (باقر ياسين) سيطلع على كل تفاصيل ثقافة العنف التي سادت البلد حتى دخل الى كل مفاصل المجتمع ، بدءاً من البيت الى الدائرة والمؤسسة وهيكل الادارة والحكم .
وكانت الـ(35) عاماً من الدكتاتورية كفيلة بتغيير المنظومة القيمية للمجتمع من خلال سياقات سياسية واجتماعية وتربوية وفكرية استهدفت كلها زرع بذور العنف تجاه الاخر المختلف قومياً او دينياً او طائفياً او فكرياً او ثقافياً .
اذن هناك تراكم تاريخي لثقافة العنف زرعها الحكام عمداً ولابد من التأشير اليها والاعتراف بها لأن هذا التشخيص العلمي المستند الى الاستقراء والاستنتاج يوفر علينا الكثير من الجهد مع الاعتراف طبعاً ان هناك خيوط مؤامرة واجندات اجنبية ايضاً تؤثر وتنجح احياناً كثيراً في تصدير العنف الينا .ولكن اية مؤامرة لن تنجح بهذه السرعة ان لم تكن ثمة تربة صالحة تستثمرها وهذا امر لابد للسياسي والمفكر والمثقف العراقي ان يقف عنده . مثلما فعل الشعب الالماني والياباني والاسباني والايطالي ومن ثم التجربة الرائعة والرائدة في "جنوب افريقيا" على يد احد عظماء هذا العصر وهو "نيلسون مانديلا" .
لقد نجحت كل هذه الشعوب في القضاء على العنف بعد ان بحثت ونقَبت وحللت مافي مجتمعاتها من العوامل المساعدة للعنف ولجأت الى بناء وتنمية المجتمع على اسس بديلة .
لقد حضرت اغلب المؤتمرات التي انعقدت من اجل "المصالحة الوطنية" منذ التغيير ولم اجد فيها اعترافاً بالخطأ او جرأة على البحث في الذات او تشكيل لجان متابعة وتفعيل وتطوير وتطبيق مايصدر عنها من قرارات وتوصيات فبقيت كلاماً يطلق في الهواء وطرقاً على طبل اجوف .
قبل ايام حضرت الى ندوة فيها الكثير من الجدية والصدقية بعنوان "السلم الاهلي في العراق ... الواقع والتحديات" وذلك في المقر العام لمجلس السلم والتضامن العراقي وبحثنا بحضور نحو (50) اكاديمياً وسياسياً ومثقفاً وناشطات نسويات التحدي الاكبر الذي يواجه المجتمع العراقي وهو الانعطاف نحو مجتمع اللاعنف والسلم والوئام والتسامح .
والحق يقال ان الحوار المفتوح الذي تخلله والمحاضرات القَيمة للسادة المحاضرين كانت اضافة واغناءة يمكن التعويل عليها .
ولكن مرة اخرى اقول ان هذا الجهد ينبغي ان يتواصل وان يتركز وان نتجه جميعاً للبحث في العوامل الداخلية المساندة للعنف ، اضافة الى المؤثرات القادمة عبر الحدود لكي تكتمل الصورة ويتأكد التشخيص وبعد ذلك فقط يكون ممكناً اقتراح الدواء .
قبل مدة حضرت ضمن اكثر من (35) شخصية عراقية الى (السويد) الى (حوار عراقي – عراقي حول المصالحة الوطنية) واعترف انه لجهة التنظيم والادارة والمناقشات والقرارات والتوصيات كان الاكثر فائدة من كل مؤتمرات الداخل حول هذا المحور ، فخلال ايام نوقشت اغلب الملفات الساخنة وبلغة هادئة وحوارات مكثفة وتم التوصل الى خلاصات وتوصيات اُتفق على بحثها في اللقاء القادم في (السويد) . وكنت طوال تلك الايام افكر بالطريقة التي نبحث فيها الامور وبطريقتهم في البحث وبسياقاتنا اللغوية وسياقاتهم وبجديتهم في الطرح والتوصل الى نتائج واهمالنا لكل نتائج المؤتمرات التي عقدناها في الداخل .
لنكن صريحين بالقول ان المصالحة واللاعنف فعل وعمل ومثابرة وتقديم لأمثلة حية واعتراف بالخطأ وسلوك يومي واستهجان لكل مظاهر العنف التي تراكمت على تاريخنا . اضافة الى ان من يعمل على اللاعنف والتسامح ينبغي ان يكون اول المطبقين لهذا النهج في حياته ومحيطه .

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 26-01-2010     عدد القراء :  2274       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced