(إناء الشابندر ينضح بما فيه)
بقلم : محمد المنصف
العودة الى صفحة المقالات

السياسة أصلا، علم له مفرداته وأصوله وضوابطه، والتعاطي معها يفترض أن يكون بوصفها وظيفة سامية لتدبير الشأن العام. لكن العديد من السياسيين في العراق، ومع الأسف الشديد، لا يرى فيها سوى مجرد لعب على الحبال، كما هو الحال في السيرك، بينما يرى آخرون، ممن يمتون بقرابة فكرية وأخلاقية للمرحوم "غوبلز" وزير الإعلام النازي المعروف وعاءً للكذب والدجل ويتبنون، جهارا نهارا، مقولته الشهيرة "اكذب، اكذب حتى يصدقك الناس" ويفهمها فريق ثالث، بأنها عملية إسقاط، حسب تعبير علماء النفس، فيقوم بإتهام الآخرين بما موجود لديه هو نفسه، تماما كما يفعل اللص حين يتهم غيره باللصوصية، لإبعاد التهمة عنه، أو على الأقل ليتساوى معه!
وتنتعش هذه المنطلقات والممارسات "المبدئية" لدى البعض في المنعطفات والأحداث المهمة، فتراه يستنفر كل طاقاته وقدراته "الخارقة" للتشهير بالآخرين، وتخوينهم، ساعيا في الوقت ذاته للتذاكي، عبر استهدافه اشرف الناس، وأكثرهم صدقاً وإخلاصاً، لعلهم يردون عليه، فتعلو مكانته، ويبرز اسمه فيحقق ما يريد، لأنه يعلم علم اليقين، بان سمعته ومكانته الاجتماعية لا تساوي قُلامة ظفر، كما يقول المثل المعروف.
ولكل من هذه الأصناف والأنواع من السياسيين ممثلوه، لكني سأتناول نموذجا واحدا، يصلح للتعميم، وهو سياسي لا يرى ابعد من أرنبة انفه، ولا يفقه من السياسة إلا ما ذكرنا. انه السيد "عزت الشابندر" الذي يهاجم الشيوعيين بمناسبة وبدون مناسبة، ويساوي بين الجلاد والضحية لغاية في نفسه، وهي غاية لا أظنها تخفى على اللبيب. وقد وجد ضالته على ما يبدو في الانتخابات القادمة، فراح يتملق البعثيين، وعموم الحاقدين على الشيوعيين، أو الذين لا يريدون لهم الخير، لعلهم يصوتون له في هذه الانتخابات، عبر ادعائه المغرض (أن الفكر البعثي ليس أسوأ من الفكر الشيوعي، الذي هو غير معرض للاجتثاث، والشيوعيون شركاء في الحكم) وهو يعلم جيدا، انه كلام مجاف للحقيقة، بحيث لا يراه إلا من أعمى الحقد بصيرته. فالفكر البعثي هو فكر تدميري، مستنسخ عن تجربة أوربية مريرة، تمثلت بالنازية في ألمانيا، والفاشية في ايطاليا، وهو فكر تلفيقي وانتقائي، يعتمد الواحدية ومصادرة الرأي الآخر، وتحتل نظرية المؤامرة، حجر الزاوية في فلسفة البعث، ومن الطبيعي أن تكون تجلياتها العملية ما حدث في العراق والمنطقة بكاملها. فالممارسة بنت الفكر كما هو معروف للجميع.
منذ ما يقارب الخمسين عاما، والبعث يحمل معول الهدم، بحيث لم يبق حجرا على حجر في المجتمع العراقي، وما هو حاصل الآن، بما فيها الاحتلال وغزو العراق، إنما هو امتداد لتلك السياسة التي انتهجها "صدام حسين".
وإذا كان "الشابندر" جاهلا الى هذا الحد بتاريخ العراق، أو مصرا على تجاهل الحقائق حتى وان كانت تفقأ العين، يستطيع الاطلاع على مؤلفات "عفلق والياس فرح والقائد ضرورة" ليعرف ما سببه هذا الفكر الفاشي، الذي يريد "الشابندر" أن يعيد له الاعتبار، طمعا في فتات الانتخابات! وهذا لا يعني على الإطلاق الموافقة على تسييس هيئة اجتثاث البعث، ووريثتها هيئة المساءلة والعدالة، فهناك مئات الآلاف من البعثيين وعوائلهم، ممن لا ناقة لهم ولا جمل فيما ارتكبه البعث ونظام حكمه الديكتاتوري، بل أن هذا النظام اغتال خيرة ممثليه في تموز 1979، وما أعقبها.
الفكر الشيوعي، وكما يشهد له حتى المنصفين من خصومه السياسيين، فكر بناء وأعمار وحرص ما بعده حرص على الوحدة الوطنية، وإيمان حقيقي بالديمقراطية، والتي بدونها لا يمكن للعراق أن يعيد بناء نفسه على أسس جديدة، دع عنك الحفاظ على وجوده ووحدته.
أن ما صرح به "الشابندر" وهذه ليست المرة الأولى، يعد من ناحية أخرى، تحريضا سافرا ضد الشيوعيين، وتكفيرا لحملة هذا الفكر النير، الأمر الذي يتناقض كليا مع الدستور العراقي، ويحاسب عليه القضاء.
ويبدو أن إساءات "الشابندر" لا أول لها ولا آخر، وهي تشمل الجميع دون استثناء، حتى انه لم يتعفف عن الإساءة الى المرجعية، بشخص السيد "علي السيستاني". ومن لم ينتبه لذلك، عليه مراجعة ما تفتقت عنه ذهنية هذا العبقري، في نفس اللقاء الذي أجرته معه "إيلاف" يوم 19/2/2010، حيث قال (لافض فوه) وبالحرف: (ليس بالضرورة أن ينتخب الناس الأصلح في الانتخابات القادمة (ربما يشير الى نفسه) ولكن الأهم، أن يكون الناس شركاء حقيقيين في مجلس النواب) متجاهلا بذلك ومناقضا الرأي السديد للسيد "علي السيستاني" الذي نشر قبل يوم واحد فقط وفي يوم 18/2/2010 تحديداً وأكد فيه على ضرورة انتخاب الأصلح والأكفأ من المرشحين الى عضوية مجلس النواب.
كما وجه اهانة أخرى الى الناخب والشعب العراقي عموما، عندما ألقى عليه باللائمة في وجود الفاسدين وغير الأكفاء سواء في مجلس النواب، أو في المؤسسات العراقية المختلفة، من خلال ما ختم به حديثه "الشيق" بعبارة "كيف ما تكونوا يولى عليكم" رافعا بذلك المسؤولية، حتى عن "صدام حسين" وزمرته الإجرامية، توسلا للحصول على أصواتهم! فتبا لهذه الممارسة المخزية.
لا ينتابني الشك مطلقا، في أن الناخب العراقي، سيفتح عينيه جيدا، ويتحلى بشعور عال من المسؤولية، لمعاقبة "الشابندر" وأمثاله، ممن يريدون تسميم الأجواء، وإعادة الأمور الى المربع الأول. الى مربع الطائفية، والفرقة الوطنية، وسوف يصوتون الى من يستحقون ذلك فعلا.

هولندا
21/2/2010

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 24-02-2010     عدد القراء :  2180       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced