"ليبراليون" بثياب طالبان !
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

يبدو أن على المرء أن لا يُصدم بانتقال انتهاكات من مستنقعات ظلاميين الى كواليس ليبراليين. فقد شهدت الأيام الأخيرة انتقالة مميزة، كان مسرحها، هذه المرة، أفغانستان. الملكي "الليبرالي"، الذي جاء، شأن ليبراليين سواه، بتدبير أميركي لينصَّب، في صفقة "محاصصات"، رئيساً لبلد مزقته الحروب والصراعات والتخلف، باعتباره شخصية "ديمقراطية" و"متحضرة" ويرطن الانجليزية أيضاً، هذا الرئيس صادق، الشهر المنصرم، حسب "الغارديان" البريطانية، الثلاثاء الماضي، على قانون يشرعن اغتصاب الرجل لزوجته ويمنع المرأة من العمل أو التعليم أو زيارة الطبيب دون موافقته.

ويلفت الانتباه أن هذا القانون، المناقض لمواثيق الأمم المتحدة، بل وللدستور الأفغاني نفسه، أُقر بسرعة غير مسبوقة، وجرت "لفلفته" وتمريره. وقد وصفته إحدى البرلمانيات الأفغانيات بأنه "أسوأ من قوانين عهد طالبان"، بينما قالت رئيسة لجنة شؤون النساء في مفوضية حقوق الانسان المستقلة في أفغانستان إن "الصمت الغربي كارثي بالنسبة لحقوق النساء في افغانستان".

نحن، إذن، أمام فصل جديد من دراما "ديمقراطية" العم سام، التي تخرج من فضيحة لتدخل أخرى. وهذه المرة ليس على يد مستبدين من صنائع واشنطن، وإنما على يد رئيس "ليبرالي" جاءوا به لينقل البلاد من جحيم الظلام الطالباني الى جنة النور الليبرالي !

والحق أن لا شيء يهم "المحررين" سوى مصالحهم، وليذهب الى الجحيم كل ما يتعارض مع هذه المصالح. فقد نصبوا في أفغانستان حكاماً يقبعون مذعورين في قصور معزولة عن الناس وسط العاصمة، بينما تفلت منهم السيطرة على أجزاء من البلاد. ولولا الحراب الأميركية لما كان بوسعهم حتى الحفاظ على حياتهم. ولا يستغرب المرء أن يجد هؤلاء الحكام أنفسهم، إثر الاخفاق والتخبط واليأس، متوجهين الى الحوار مع "المعارضين" الظلاميين، ومستعدين للاذعان لشروط بينها انتهاك حقوق النساء بالطبع.

ومن المعروف أن من بين ما يفعله "المحررون" عادة، وهم و"ستراتيجيوهم" جهلة بواقع وثقافة البلد الذي يحتلونه، أنهم يسعون الى تنصيب حكام على هواهم، ويأتون بدعاة ومرتزقة معهم، ويجهدون لشراء ولاء الناس، ويخلقون منظمات "ملفقة" ويدعمون أخرى لقاء ثمن بالطبع. ويطوّع بناة "الديمقراطية" المزعومون الليبرالية مطيّة يستخدمونها حسب الطلب. فهم يحتجون "دفاعاً عن حقوق النساء" في إطار مصالحهم، ولكنهم يصمتون عن انتهاك هذه الحقوق إذا كان الصمت ضمانة لتلك المصالح. وهذا ليس سوى واحد من أمثلة لا تحصى على ازدواجية معاييرهم.

ولسنا بحاجة، نحن العراقيين، الى دلائل على سلوك "المحررين"، فقد خبرناهم ومانزال، وعرفنا عواقب "تحريرهم"، حيث المآسي لا تحصى في كل الميادين ابتداءً من القرارات المتخبطة التي أجهضت التطور الطبيعي المنشود للبلاد بعد الاطاحة بالدكتاتورية، مروراً بفرضهم منهجية المحاصصات، وليس انتهاءً بالفساد وإهدار الأموال والاستهانة بالبشر وحياتهم وحقوقهم، وسائر المآسي الناجمة عن سياساتهم التي أكملت دورة الخراب المادي والروحي التي بدأها مهندس المقابر الجماعية.

وعودٌ على بدء، فقد أجمع محللون على أن دافع الرئيس الأفغاني المعزول من وراء المصادقة على "قانون الاغتصاب" هو شراء ولاء محافظين لضمان الفوز في الانتخابات الرئاسية التي من المقرر أن تجري في آب المقبل، وبينهم مرتعبون من حرية المرأة، وهم ليسوا، يا للأسى، قلة في البلاد المنكوبة، حيث قدمت طالبان أبشع الأمثلة في انتهاك حقوق النساء. ومن المعلوم أن أسلوب شراء الولاءات ليس جديداً على "السياسيين" الطامحين الى المناصب واللاهثين وراء الامتيازات والحفاظ عليها. ويغنينا واقع العراق "الجديد" عن السعي الى أمثلة ودلائل.

وفي ظل أجواء "التسييس" غالباً ما تمر الانتهاكات الخطيرة دون ضجة، كما حصل مع قانون كرزاي الأخير. ولو أن "التسييس" الذي يضمن مصالح "المحررين" تطلب موقفاً آخر لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها.
والحق إن سلوك "التسييس"، المرتبط بازدواجية المعايير وصراع الامتيازات، هو إحدى المعضلات التي ابتليت بها بلدان "الديمقراطية الجديدة"، وبينها بلادنا. فـ "المسيِّس" يمارس الفساد، ولكنه يرفع عقيرته ضد الفساد وممارسيه ممن "لا يخافون الله !" .. وهو يدعو الى احترام حقوق المرأة وتمتعها بحقوقها، ولكنه يحرم نساء عائلته، قبل غيرهن، من هذه الحقوق .. وهو يدعو الى إنصاف المعوزين، بينما الملايين يعيشون في جحيم خلقه هو وأمثاله ممن يكنزون الذهب والفضة .. وهو، بايجاز، يدعو الناس الى الصلاة، ويكفّر من لا يؤدي هذه الفريضة، ولكنه لا يصلي، وإذا ما صلى لحاجة في نفس يعقوب، فانه لا يتردد في ارتكاب سائر الموبقات التي تتعارض مع الصلاة !
* * *
نحن أمام "ليبراليين" يرتدون ثياب طالبان، ويشرّعون الاغتصاب في الزواج، ويخشون عواقب خروج النساء من بيوتهن، إذ يعلمون أن هذا الخروج يقوّض ثقافة التخلف التي تحمي امتيازاتهم وتؤبّد راهن الاستغلال والخنوع ..
براقع طالبان لا تهدد النساء الأفغانيات حسب .. إنها تهدد نساء كل البلدان التي "حررها" العم سام، وأوهم أهلها بأنه باني الديمقراطية ..

ليس أمام النساء، والمتضامنين معهن من أنصار التقدم، سوى أن يمزقوا براقع الصمت، ويرفعوا رايات الاحتجاج في فضاء الحرية ..

  كتب بتأريخ :  الإثنين 06-04-2009     عدد القراء :  2579       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced