جواهريّ آخر.. فقدناه
بقلم : عبد المنعم الاعسم
العودة الى صفحة المقالات

يومَ غيّب الموت محمد مهدي الجواهري في اواخر تموز العام 1997 استقبل محمد علي العلوه جي، سرّا، معزين من اصدقائه في مكتبه بعماره العلوه جي على مشارف ساحة الاندلس. كان اسم الجواهري آنذاك ممنوعا من التداول، فقد اسقطت عنه جنسيته العراقية وطورد في ارض الله الواسعة، لكن العلوه جي عرض على المعزين، شريطا يصوّر وزيرة  الثقافة السورية وهي تخاطب رفاة الشاعر الباسق بالقول: لا يهمك فانت الذي تمنح العرب جنسيتهم.
لم يكن محمد على العلوه جي شاعرا.. كان محاسبا قانونيا مرموقا، لكنه كان يحفظ شعر الجواهري من اليفه حتى ابجدياته الأنيقة، بل انه جعل من قصائد ابي فرات حديقة يستقبل بها احباءه واعز الناس اليه. يقطف منها فاكهة الحياة، ويستدلّ بها الى طيور الحب، حتى كان اهله والمقربون اليه ليتساءلون متى يخرج من هذه الحديقة الساحرة؟ وعندما خرج منها يوم الاثنين الماضي السادس والعشرين من نيسان كان قد استسلم الى موت جميل، تماما مثل جماليات الجواهري الخالدة:
تحدّى الموت واختزل الزمانا ........ فتىً لوّى من الزمن العنانا
فتىً خبط الدنا والناس طُرًّا  ........  وآلى أن يكونهما فكانــا
كان محمد علي العلوه جي على السرير الابيض حين تلقى رسالة من مركز في موسكو يُعنى باخبار وآثار الجواهري تدعوه الى الكتابة عما يعنيه شعر الجواهري اليه، فطلب من اصحاب الرسالة امهاله لايام، فلم تمهله الايام اكثر من رمشة عين في حساب الزمن.. هكذا هي الفواجع.. وهكذا قطع الموت على محمد علي العلوه جي طريقا لا يزال مليئا بالحياة وبالشعر. كان فوق ملاءة غرفة الانعاش تحت انابيب ورقابة الاطباء،  وكنا، هو وانا، نتلوا معا قصيدة  مظفر النواب (الريحان) التي كان يحبها وينشدها كثيرا، فسبقته انا الى نهاية الريحان:  "حسافه سكيتك بروحي.. وحسافه العمر ما ورّد" فضجّت في عينيه دمعة كريمة  اسفاً على مشوار كان يعرف انه سيبلغ نهايته، وعلى ورد سيذبل قريبا، وطاف بالمكان والمشوار الذي بدا له قصيرا، ثم لاذ من الدموع الى الجواهري، صديقه وملاذه وحديقته الابدية، وسمعته يتمتم:
أَلْقَتْ مراسِيَها الخُطوبُ.....وتَبَسَّمَ الزمنُ القَطوبُ
ومثل الجواهري، اقتفى محمد علي العلوه جي سبيل التراب الى القبر قبل ان يكرر ما قاله الجواهري لاولئك الذين يشاركونه المكان الجليل في مقابر الراحلين:
سلاما ايها الثاوون اني مزمعٌ عَجلُ
سلاما ايها الخالون ان هواكمُ شُغلُ
سلاما محمد علي العلوه جي الذي احببناه وفقدناه.

  كتب بتأريخ :  الأحد 02-05-2010     عدد القراء :  2245       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced