مشاهدات من دار الطفولة في الصالحية
بقلم : سليمة قاسم
العودة الى صفحة المقالات

زرت دار الطفولة في الصالحية لغرض إجراء تحقيق صحفي حول طبيعة عمل الدار كانت البناية جميلة والاجواء صحية ومديرة الدار، مربية فاضلة عملت في مجال دور الايتام منذ سنين طويلة. تبادلت معها في البداية الحديث للتعرف على طبيعة عمل الدار، وعرفت ان معظم اطفال الدار ليسوا من الأيتام فقط او مجهولي النسب، ولكن عوائلهم هي التي ادخلتهم لدور الدولة تملصاً من مسؤولية تربيتهم! متذرعين بظروفهم الصعبة! ثم اصطحبتني في جولة تعريفية للدار، القاعات نظيفة ومرتبة مثل قاعة تناول الطعام وقاعة الالعاب حتى اتت اللحظة التي ادخلتني فيها لقاعات نوم الاطفال.
كانت القاعة الاولى مخصصة للأطفال الرضع دون عمر سنة كانوا يقظين في اسّرتهم المسيجة يبحثون عن نظرة أمٍ رؤوم تضعهم على صدرها وتمطرهم بقبلاتها وتمرح معهم، ليناموا في حضنها فيشعرون بالامان، فسرير الأم (حضنها) ينام فيه الطفل مطمئناً يشم رائحة امه فيه. وتذكرت حكاية اهلنا حين كنا صغاراً فحين يبتسم الطفل ضاحكاً في منامه، لأنه سمع إن أمه قد ماتت، فيضحك لانها أرضعته منذ قليل! وحين يبكي في منامه لأنه سمع إن أباه قد مات فيصدق الخبر لأنه لم يره منذ ساعات.
فلمن سيضحك اطفال الدار وما أكثر ما يبكيهم؟
خرجت ودمعتي تحرق أجفاني، لكنني نجحت في حبسها لادخل القاعة الاخرى المخصصة للأطفال من عمر سنتين فما فوق. كانوا قد اعتادوا على النوم في مثل تلك الساعة من النهار وما ما اعتادوا عليه في الدار! أستفاق احدهم لينظر إليّ نظرة انزلت دمعتي رغماً عني، وحين سألته عن اسمه أجاب: (عبد الله) كأنه كان يسأل: اين والدي؟
لقد أدمى منظر ذلك الطفل قلبي، فكيف تستطيع امه برغم كل ظروفها القاسية ان تتخلى عن ولدها ليكبر بعيداً عنها؟ صحيح ان المجتمع لا يرحمها. فمن الذي يرحم طفلها الصغير الذي يحتاج إلى العيش في كنف عائلته ليرتوي من حنانها حتى ولو كانت تعيش الكفاف؟. فحتى أطباء النفس اكدوا بأننا نتذكر طفولتنا بسعادة بالغة حتى لو كنا نعيش في ظروف قاسية. ثم دخلت القاعة التي كانت مخصصة للاطفال الذين في الرابعة وما فوق واذا بفتيات صغيرات ينمن كالعصافير، يحلمن بأمهاتهن، ودفء احضانهن وقبلة الصباح، كانت (سرى) تغفو هي وجدائلها. عرفت ان امها قد سافرت الى ايران لتتركها مع اختها الصغيرة في دار الطفولة.
انا لا اريد ان ابخس حق العاملات في تلك الدار خصوصاً وان البعض منهن يتيمات تربين في نفس الدار، ليعلمن فيها فيما بعد فكادر عمل الدار يتفانى بمساعدة الاطفال الصغار وتعليمهم وتعويضهم مما فقدوه لكن الذي يفعلونه لا يضاهي حنان الأم على طفلها الصغير. فهل تمتلك المربية غريزة الأمومة التي تدفعها الى الاستيقاظ من نومها الهانئ لتلبي حاجة طفل لا تربطه بها سوى رابطة العمل؟. ودعيني اذكرك عزيزتي بالأم الإعرابية التي سألوها عن أحب أولادها الى قلبها، فأجابت قائلة: صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يشفى وغائبهم حتى يعود.
اننا لا ندعو الى إلغاء دور الدولة التي خصصت دوراً لاحتضان الاطفال اليتامى فهذا هو قدرهم في الحياة، والدولة تقوم بواجبها مشكورة في توفير العيش الكريم لهم. لكننا ندعو وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومن خلال هذا المنبر الى تخصيص رواتب معينة للاطفال الذين تعاني عوائلهم من ظروف اقتصادية صعبة، تعينهم على مواجهة الحياة وتضمن بقاء الطفل في كنف عائلته، وتشجيع مشروع الدمج الاسري. كذلك ندعو منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام الى القيام بدورها في توعية العوائل الفقيرة بضرورة احتضان ابنائهم وعدم التخلي عنهم تحت اقسى الظروف. فإرسال الاطفال لمثل تلك الدور مع وجود ذويهم هو اشبه بالذي يحدث في بعض الدول المتقدمة التي ضعفت فيها اواصر الجو الأسري.
خرجت من الدار وانا ممتنة للعاملين فيه، ولكن يجب أن لا ننسى إن لكل جانب مشرق هناك آخر مظلم اترك لكم تقديره.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 03-05-2010     عدد القراء :  5336       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced