افترشت (وداد حميد- 40 سنة) الأرض لتبيع أنواعاً مختلفة من الفواكه والخضر، وحين توقفت بقربها امرأة موظفة لتشتري منها الفواكه، تنهدت (وداد) وتذكرت مستقبلها الذي ضاع منها، حين اجبرها والدها على الزواج من أول رجل طرق بابها رغم تفوقها في الدراسة، وأنها لو استمرت في الدراسة لأصبحت الآن معلمة أو مديرة أو موظفة مثل التي تشتري منها الفواكه، وضحكت في سرها وهي تزن الفاكهة للمرأة الموظفة، فلو ان شخصاً اخبرها قبل سنين عما سيؤول إليه مستقبلها، لسخرت منه لكن الأيام دارت دورتها القاسية لتجد (وداد) نفسها بعد سنوات أرملة وفي رقبتها أربعة أفواه جائعة، فاضطرت للجلوس في السوق لتبيع الخضروات والفاكهة ولترتدي الأسمال من الملابس لتتجنب نظرات الطامعين فيها، وليصبح لسانها سليطاً، حالها حال بقية النسوة الجالسات في السوق، فتلك القسوة مطلوبة من وجهة نظر (وداد) للتخلص من استغلال الآخرين لها!
* السوق.. أنقذ أطفالي الجائعين
تقول (أم سرمد – 32 سنة):إن إصابة زوجي بالشلل دفعتني إلى دخول السوق لبيع المواد الغذائية، وعانيت ما عانيته من جلسة السوق، فكنت اصمم في نهاية النهار على عدم العودة إلى الجلوس في السوق ثانية، لكن أطفالي الجائعين وزوجي الذي يحتاج للعلاج، يجبراني على العودة إلى السوق، صباح اليوم التالي، وبالنتيجة اعتدت على جلسة السوق ، وأدرك المحيطون بي، أنني اعمل من أجل إعالة أطفالي، فتركوني في حالي، والآن تحسن الوضع كثيرا، حيث أصبح ولدي الكبير يساعدني في بيع المواد الغذائية في السوق.
* عملي.. والتحرش!
تقول (لمياء- 25 سنة): أجبرتني ظروفي المادية الصعبة على البحث عن عمل، فكان عمل أبي في مهنة البناء بالكاد يكفي لدفع إيجار البيت، فنظلُّ أنا وأخواتي الثلاث وبدون طعام ولأيام عدة، ونضطر إلى استعارة الملابس من بعض الصديقات عند الخروج، ولكوني لا أملك شهادة دراسية، اضطررت للعمل في عدة شركات أهلية، لكنني كنت أتعرض للمضايقات من بعض الرجال، وفي إحدى المرات اتصل بي مسؤولي في إحدى الشركات ليخبرني ان عودتي للعمل مرهونة بإقامة علاقة صداقة معه على حد تعبيره، فتركت العمل معه، وحصلت على فرصة أخرى في مقهى (كوفي شوب) تديره امرأة، وجميع العاملين فيه من النساء، يضايقني بعض الرجال، لكنني تعلمت أن أرد تحرشاتهم بدبلوماسية مطلقة، فلا أستطيع أن أفرط بعرضي ولا بزبائن المقهى.
منظفة.. بعد التهجير
تقول (أم عذراء- 38 سنة): كان زوجي يملك محلاً تجارياً، ونعيش في وضع مادي جيد، ولكن الأحداث الطائفية زلزلت مسار حياتنا بشكل كبير، فقد تعرضنا للتهجير وانتقلنا للسكن في بيت أهلي فوجدت نفسي أنا وأطفالي الستة وزوجي دون مصدر للرزق، بدأنا ببيع كل ما نقلناه معنا من أثاث ومصوغات ذهبية وحتى الأجهزة الكهربائية، واضطر زوجي للعمل في تنظيف الشوارع، دون أن يستطيع أن يوفر لنا الحد الأدنى من متطلباتنا، اضطررت للعمل كمنظفة في عيادة طبية نسائية، فأقوم بجمع النفايات وغسل الحمامات. لكن تلك الظروف القاسية، انتهت بعد عودتنا إلى منطقة سكنانا. صحيح أنني عملت عملاً لا يناسب إمكانياتي، فأنا خريجة إعدادية، لكنه شرف للمرء أن يعمل لكسب قوته، دون أن يمد يده للآخرين.
* بائعة السمك
تقول (ام علي – 50 سنة): "أبيع السمك منذ خمسة عشر عاماً، وكنت أحمل (طشت) السمك فوق رأسي، وانتقل به من مكان لآخر، ونتيجة لذلك أخذت تنتابني آلام حادة في منطقة الرأس، وبعد إجراء التحاليل، ثبت وجود ورم في منطقة الدماغ نتيجة للأثقال التي كنت أحملها. وبعد بإجراء العملية عدت إلى حمل (طشت السمك) على رأسي، لأنه يوفر لي لقمة العيش، وقد أموت في أية لحظة، لكنني لا أستطيع ان اترك أطفالي يحتاجون للآخرين في هذا الزمان الصعب، فزوجي طلقني ليتزوج امرأة ثرية، فصرت أنا رجل البيت، والأم والأب في آن واحد".
* معاناة حلاقة
تقول (رشا محسن – 25 سنة): "لا يعلم جيراني في المنطقة التي أسكن فيها أنا وزوجي وأطفالي بأنني أعمل في صالون حلاقة في منطقة مجاورة بسبب النظرة الاجتماعية للنساء اللواتي يعملن في مجال الحلاقة. اعمل في الصالون لساعات طويلة وانا واقفة، بالإضافة لبذل الجهد الكبير والحركة الدائمة، فيأتي جابي الضرائب ليقطع حصة كبيرة من عملنا وجهدنا، بالإضافة إلى استغلالنا من قبل أصحاب المحال التي نؤجرها، بحجة ان عملنا يدر وارداً كبيراً. المفروض تشكيل نقابة للعاملين في مهنة الحلاقة لوضع حد لاستغلال أصحاب الإيجارات وجباة الضرائب".
ان فكرة عمل المرأة موجودة منذ القدم، ولكن في إطار محدود، فقد كانت المرأة تساعد زوجها في أعمال الرعي والزراعة، وظلت فكرة عمل المرأة في المجتمع العراقي غير مرغوب بها! بسبب الموروثات الاجتماعية السائدة، فظل المكان الطبيعي للمرأة حسب رأي الأكثرية، هو البيت، لكن الظروف القاسية التي مر بها البلد من حروب وحصار وأعمال إرهابية خلفت جيشاً من الأرامل والمطلقات، فكان من الطبيعي ان تبحث المرأة عن فرصة عمل لها، تعيل به عائلتها، فنرى المرأة وقد امتهنت أنواعاً مختلفة من الأعمال، كانت في السابق حكراً على الرجل لوحده، مثل العمل كشرطية أو حتى كسائقة أو بائعة ورود وغيرها من المهن.
ويقع على عاتق الدولة بشكل عام، ووزارة العمل والشؤون بشكل خاص، مهمة تشريع قوانين تضمن حق المرأة العاملة وتحديد ساعات العمل، والوقوف بوجه مستغليها.
كتب بتأريخ : الأحد 13-06-2010
عدد القراء : 2378
عدد التعليقات : 0