التسول والاتجار بالبشر آفات اجتماعية لإهانة إنسانية الإنسان
بقلم : مصطفى محمد غريب
العودة الى صفحة المقالات

ـــ من هو المسؤول عن توسع وانتشار التسول؟

ـــ هل توجد حلول للتخلص من هذه الآفة الاجتماعية؟

ـــ هل بالامكان التخلص من هذه الآفة دون مشاركة الدولة بشكل جدي وفعال ووفق ضوابط في الإجراءات وقوانين وتشريعات للتخلص منها على مراحل؟

ـــ هل تكفي المطاردات والاعتقالات الوقتية للحد منها دون التوجه لحل المعضلات الاقتصادية والمعيشية بما فيها الفقر والبطالة؟

ـــ لماذا لا يوجد تشريع قانوني يمنع الاتجار بالبشر من خلال التسول والاستغلال الجنسي؟

قد تكون هناك أسئلة أخرى تبحث عن أجوبة وحلول منطقية لهذه الآفة الاجتماعية التي تشكل خطورة على تطور المجتمع وتشوه معالم البلاد وخلق بؤر وعاهات اجتماعية وأخلاقية وصولاً إلى الإدمان على المخدرات والاتجار الجنسي والأعمال الإجرامية المختلفة، لكننا سنكتفي بهذا القدر ونترك الأخريات للقراء والمثقفين والمسؤولين وذوي الاختصاص.

التسول هذه الظاهرة التي تعم الكثير من البلدان وأكثرها في الدول الفقيرة تعتبر آفة اجتماعية خطيرة فضلاً عن أنها إهانة لإنسانية الإنسان مهما قيل عنها أو عن الذين يعتبروها حرفة أو مهنة للحصول على مال وفير بدون جهود فعلية، ويعاني العراق من هذه الظاهرة منذ حقب من السنين وعلى الرغم من تفاوت أعدادها واختلاف أساليبها لكنها توسعت خلال سنين الحصار والعقوبات الاقتصادية وكذلك بعد الاحتلال واستمرت بالتصاعد لتشكل عاهة اجتماعية مؤذية في بلد يعتبر من البلدان الغنية بثرواته الطبيعية وفي مقدمتها النفط والغاز، وقد يكون خلف الأعداد الكبيرة من المتسولين رجال ونساء وأطفال وصبية وشيوخ، عصابات من النوع المافيوي تخطط وتوزع المناطق والأماكن بعدما وجدت الكسب السريع وجني المال من خلال استغلال المتسولين حتى جنسياً وحسب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تتراوح دخولهم اليومية ما بين ( 60 إلى 80 ) ألف دينار عراقي.

إن ظاهرة التسول والتي احد أسبابها الرئيسية الفقر والعوز والبطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية ومساهمة الحروب الذي شنها النظام السابق في توسيعها حتى وصلت الأمور إلى تسريب العشرات من الأطفال الأبرياء من مدارسهم لينتقلوا إلى أفاقين مشردين في الشوارع مما يسهل استخدامهم وتغيير نمط سلوكهم الطفولي، إن قضية عمل الأطفال أو تسولهم يعود إلى أن 75% من العائلات العراقية تعيش في مستوى الفقر من بينهم 20% يعيشون تحت خط الفقر، كما تقدر حسب الإحصائيات نسبة البطالة بين الأيدي العاملة حوالي 50% ولو تابعنا نسب البطالة في المحافظات وعلى الرغم من تفاوتها لوجدناها أكثر بكثير مما يتصور البعض وخاصة إذا شملنا كل العراق بالإحصاء العام، ونجد أن الأسباب الداعية إلى التسول لا يمكن أن تكون بعيدة عن الفقر والبطالة وان شذ البعض منها عن القاعدة ولا نتفق مع الذين يشيرون إلى النتائج فقط دون الرجوع إلى الأسباب، فهناك من يدعي أن التسول أصبح مهنة تزاول للحصول على المال ولا ترتبط بالبطالة وتحسين مستوى دخل العائلة وإذا ما اتفقنا على النتيجة لكننا نختلف في الأسباب ولو قدر وجود خطط علمية مدروسة لقضايا الفقر والبطالة ومعالجة العاهات الاجتماعية التي خلفتها الحروب وسياسة النظام السابق الإرهابية وما حدث بعد 2003 لكان بالامكان تحجيم آفة التسول وحصرها والعمل على التخلص منها بشكل كبير، لكن المعالجات لم تكن بالمستوى المطلوب وكانت عبارة عن معالجات وقتية اعتمد في الكثير منها على الآراء التي طرحت عن وجود نماذج وأشكال من التسول وانتقادها وإطلاق الصرخات الفقاعية الإعلامية حول آثارها المدمرة دون الدخول بالأسباب الحقيقية وتقديم الحلول والخطط الواقعية وتكليف الوزارات والدوائر ذات العلاقة بدراسة هذه الظاهرة التي أصبحت على مرأى من الجميع، في الشوارع والمقاهي والمطاعم والأسواق التجارية وقرب أماكن العبادة والأماكن السكانية الكثيرة وتقاطع الإشارات الضوئية وغيرها بحيث تصطدم في كل دقيقة بنوع من التسول، طلاب تسربوا من مدارسهم لفقر حال عائلاتهم التي بدون معيل، أطفال ينامون في أحضان النساء تملاهم القاذورات أو بعض التشويهات، شيوخ على عكازات وأقدام مجبسة، رجال لديهم عاهات مصطنعة ينامون على الأرصفة وأفواج الذباب تحلق على وجوههم، فتيات يتسارعن نحو السيارات المارة وقد يكون الطريق نحو الدعارة سهلاً وبغطاء التسول، وهنا تستغل هذه الفتيات أبشع استغلال، ولا يمكن التغافل عن سقوط الكثيرين من هؤلاء في الإدمان على المخدرات وبالتالي استخدامهم في عمليات لصوصية وإجرامية وحتى إرهابية بسبب الحاجة أو تحت تأثير الإدمان.

إن الحملات التي أطلقت من قبل الحكومة مؤخراً ولا سيما أوائل عام 2009 لمكافحة التسول لم تؤد دورها بشكل صحيح واعتمد على تنفيذ أكثرها مطاردة المتسولين وإلقاء القبض عليهم وإيداعهم السجون لفترة محددة وعند إطلاق سراحهم يعودون للتسول وهذه المرة أكثر تفنناً وحيطة وحذر، كما اعتمدت على حلول وقتية متسرعة بدون الضمانات المادية والاجتماعية للتخلص منها، أو تخصيص منح شهرية لا تسد رمق العائلات وتمنعهم من العودة إلى التسول، لأن الأرقام المهولة لوجود الأيتام والأميين تكاد أن تكون مليونية، ومما يؤسف له برزت في السنين الأخيرة ظاهرة الاتجار بالبشر وأشار التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكي لعام 2010 فيما يخص العراق " الاتجار ببعض النساء والفتيات يجري داخل العراق لأغراض الاستغلال الجنسي عن طريق ما يعرف بزواج المتعة" ثم " أن رجالاً عراقيون انتهزوا هذه الوسيلة، أي زواج المتعة، للاتجار بعدة نساء بين المحافظات العراقية أو في دول مجاورة وخاصة سوريا، وذلك لإرغامهن على الدعارة " ولم يكتف التقرير على الفتيات والنساء العراقيات بل أكد على إخضاع الأولاد العراقيين من العائلات الفقيرة إلى " ممارسة التسول في الشوارع والقيام بأعمال قسرية أخرى دون موافقتهم أو الاستغلال الجنسي التجاري" وعلى ما يبدو أن استغلال هذه الوضعية وعدم وجود رادع قانوني للذين يمارسونها وسع الاتجار بالبشر ولهذا من الواجب إصدار تشريع قانوني يمنع ذلك وبأي صفة كانت، أخيراً ومن اجل إنقاذ الأولاد والفتيات والنساء وبخاصة في الفئات الكادحة والفقيرة من كارثة هذه الآفة وضع معالجات بتكليف الوزارات والدوائر المختصة لوضع خطط نوعية تبدأ، أجراء إحصاء دقيق حولهم وعائلاتهم ومعيليهم وبدعم العائلات الفقيرة مادياً وعن طريق التوعية الثقافية وإيجاد فرص عمل وتحسين وتوسيع البطاقة التموينية وسن قوانين رادعة للذين يتاجرون بالتسول وبالبشر بهدف استغلاهم مادياً وجنسياً، إن آفة التسول عبارة عن إهانة لإنسانية الإنسان ودليل على تخلف المجتمع وتحميل الدولة التقصير في حماية مواطنيها من الفقر والجوع والعوز والبطالة.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 18-06-2010     عدد القراء :  2493       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced