حتى متى يصبر الجياع ؟
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

في أواخر العام الماضي كشف وزير التخطيط عن خطة لتخفيض الوظائف الحكومية بمقدار 75 في المائة خلال السنوات العشر المقبلة لتخفيف الضغط على الموازنة العامة، التي تحولت الى مشجب يعلق عليه المبررون أسبابهم. ومن غرائب الأمور أن يجري السعي الى تخفيض عدد العاملين في الوظائف الحكومية "بنقلهم الى القطاع الخاص بصورة تدريجية"، وهو قطاع عليل كما يعرف الجميع.

وعندما بدأت الأزمة المالية العالمية بادر "خبراء" الى القول بأن الاقتصاد العراقي سوف لن يتأثر بهذه الأزمة. غير أن آثار الأزمة سرعان ما راحت تتجلى عبر ظواهر عديدة بين أهمها خفض موازنة العام الحالي الى 58.5 مليار دولار، فاضحة أوهام أولئك "الخبراء" الذين تخيلوا العراق جزيرة منعزلة لا تطالها التطورات في العالم.

وفي ما يتعلق بالبطالة هناك غياب للاحصائيات عنها (وهو ما يشمل مختلف مجالات الحياة بسبب غياب ثقافة الاحصاء أساساً)، وهناك، بالتالي، تقديرات متباينة. فبينما ترى منظمة العمل الدولية أن نسبة البطالة تتراوح بين ربع وثلث القوى الانتاجية، يشكك خبراء اقتصاديون بانخفاض معدلات البطالة الذي تحدثت عنه تقارير وزارة التخطيط، مشيرين الى أن فرص العمل أصبحت أقل بسبب ايقاف التعيينات خلال العام الحالي، في وضع يغيب فيه الاستثمار الاجنبي القادر على امتصاص البطالة، وخصوصاً في ظل أزمة مالية عالمية تترك آثارها السلبية على واردات النفط، المصدر الوحيد للثروة، فتؤدي، بالتالي، الى خفض الانفاق، مما يؤدي بدوره الى ارتفاع البطالة وليس العكس.

وارتباطاً بالتحسن الأمني النسبي، حيث الوضع ما يزال هشاً وقابلاً للتراجع، لم يعد مقبولاً، بسبب مرارة المعاناة في مختلف ميادين الحياة، التعكز على مبررات لا تقنع، بينها انخفاض أسعار النفط، ذلك أنه عندما كانت هذه الأسعار مرتفعة، والواردات، بالتالي، وفيرة، لم يستثمر ذلك لانقاذ البلاد من المآسي.

وفي ظل عواقب الأزمة المالية العالمية يؤكد خبراء أن جيش العاطلين عن العمل يتجه نحو التضخم، بينما تتصاعد مشاعر السخط في صفوف الملايين ممن لا يجدون بصيص أمل في نهاية النفق المظلم، الذي شقته سياسات "المحررين" ومحاصصات "المقررين"، في بلاد شهدت الحروب والاستبداد والخراب المادي والروحي على يد مهندس المقابر الجماعية ونظامه الفاشي.

ويرى محللون، عن حق، أنه اذا لم تتوجه الحكومة، على نحو جاد وسليم، الى معالجة آثار الأزمة، فان مزيداً من التدهور مرشح للحدوث في ظل خفض الميزانية التي يذهب معظم تخصيصاتها الى رواتب موظفي الدولة وشراء الأسلحة، ويتجه بعض منها الى "البطاقة التموينية" التي يواجه برنامجها الكثير من الاخفاق، وهو إخفاق ينسحب على أوجه المعاناة المعيشية والحياتية اليومية، وبينها مشكلات الماء والكهرباء والصرف الصحي والخدمات الأساسية في ظل ظروف فساد وإهدار للثروات، وانتشار للبطالة والعوز.

وليس من باب المبالغة أن يقدر المحللون أن تفاقم معاناة الملايين، وفي مقدمتهم جيش العاطلين عن العمل، يمكن أن يؤدي بمشاعر السخط المتعاظم على هذا الواقع المرير، حيث الأغنياء يزدادون غنىً والفقراء يزدادون فقراً، الى انتفاضة جياع، تلقن "المتنعمين" بالامتيازات على حساب المحرومين درساً يصعب نسيانه.

وعلى أية حال فانه، في سياق الخروج من الأزمة، لابد، أولاً وقبل كل شيء، من تحديد منهجية وسياسة اقتصادية سليمة، واضحة المعالم والتوجهات والآفاق، وقادرة على إنقاذ اقتصاد البلاد من التخلف والتشوه والتبعية، وتحقيق إدارة اقتصادية تضمن استثمار كل الطاقات والامكانيات بهدف تحقيق بنية تحتية راسخة وتنمية اقتصادية مثمرة. ومن الضروري، في سياق تحريك الدورة الاقتصادية، تسريع عملية إعادة الاعمار، وتفعيل القطاعات الانتاجية، وتوسيع قاعدة الاستثمار، وتنشيط القطاع الخاص ودعم المشاريع المتوسطة والصغيرة لخلق فرص عمل تسهم في حل معضلة البطالة، التي تطحن الملايين، وتشكل، في الوقت ذاته، حاضنة للارهاب والتطرف والجريمة المنظمة والعواقب السايكولوجية.
* * *
في بلاد الذهب الأسود التي يباع فيها شهرياً 15 طفلاً بسبب العوز أو بغرض الاستغلال الجنسي ..
في البلاد التي تضرب فيها ثقافة العسكرة جذورها عميقاً بحيث احتلت المرتبة الأولى بين دول العالم المستوردة للأسلحة عام 2008، إذ اشترت ما قيمته نحو 13 مليار دولار من الأسلحة والمعدات العسكرية ..
في بلاد الاذلال حيث تضطر خريجات جامعيات الى العمل خادمات في البيوت، ويلجأ شباب الى المخدرات، ويتسول أطفال مشردون، ويبحث آخرون عن طعام في أكوام القمامة المنتشرة في مدن عراق "جديد" بات من بين الأكثر فقراً والأكثر فساداً في العالم ..
في هذه البلاد لا يعرف الملايين من الشباب العاطلين عن العمل، اليائسين، شأنهم شأن الملايين من الأرامل والأيتام والمعاقين وسائر المعذبين، الى أين هم سائرون، وأية مصائر تنتظرهم، ومن سيخرجهم من هذا النفق المظلم، ويعينهم على أن يجدوا لقمة العيش وإحساس الكرامة الانسانية ..
متى تنتهي المظالم والمآسي !؟
متى ينتفض الجياع .. وينتزع المحرومون خبزهم !؟
متى تستفيق هذه البلاد المنكوبة .. بلاد الخيرات والنور والأنبياء والمرسلين !؟
أغثْنا يا إله السماوات والأرضين !

  كتب بتأريخ :  الإثنين 20-04-2009     عدد القراء :  2557       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced