خمسون عاما على صدور قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959
بقلم :
العودة الى صفحة المقالات

لقاء مع عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي الرفيق د.حسان عاكف
طريق الشعب..بعد مرور خمسين عاما على صدور قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 59 تحتاج الاجيال الجديدة من النساء الى معرفة دور الشيوعيين و اليساريين تاريخيا في دعم حقوق المرأة و حرياتها؟
دور بارز للماركسيين الأوائل
شكل النضال من اجل انصاف النساء ونيل المرأة حقوقها في العدل و المساواة وضمان حرياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية,
ومايزال، ركنا محوريا في اهتمام قوى التقدم و الديمقراطية وكل دعاة النهضة والتجديد في البلدان المبتلاة بقيم و اعراف اجتماعية تجاوزتها الحياة منذ زمن بعيد، و هذا الاهتمام والنضال يعكس بحد ذاته مدى صدقية هذه القوى و جديتها في دعوتها لبناء و ترسيخ اسس مجتمع حديث تسوده قيم المدنية والتحضر والمساواة والاستقرار والديمقراطية.
و في العراق المعاصر احتل اليساريون و الماركسيون بامتياز و مازالوا مكان الصدارة في هذا النضال الذي يستهدف الانعتاق من عبوديات الاجيال المتراكمة و ارثها الثقيل. و اذا شئنا العودة الى البدايات، الى الجذور، و على وجه الخصوص الى العقود الاولى من القرن الماضي، حيث احتدام الجدل و الصراع بين مناصري حق المراة و تحررها و بين خصومهم من حملة الفكر المحافظ المنغلق بشتى تلاوينهم، نجد ان الرعيل الاول من اليساريين و الماركسيين العراقيين، اصطف في عشرينيات القرن الماضي بثبات الى جانب النخبة من مفكري البلد و مثقفيه من ادباء وشعراء وحقوقيين وسياسيين ورجال صحافة ، من دعاة الفكر التنويري، في الدعوة الى تحرر المرأة وحقها في التعليم والخروج الى ميادين العمل ومساواتها بالرجل. فالى جانب الشاعرين الكبيرين جميل صدقي الزهاوي و معروف الرصافي وهما من أبرز دعاة حقوق المرأة و مجايليهما من المثقفين التنويريين ، نتذكر هنا رواد الفكر الاشتراكي؛ حسين الرحال و محمود احمد السيد و عوني بكر صدقي و مصطفى علي و محمد سليم فتاح و عبد الله جدوع، الذين ربطوا ، منذ وقت مبكر ، بين تحرير المراة و تحرير كامل المجتمع. و مثل الاهتمام بهذا الامر باكورة تحرك هذا الرعيل ومحور نشاطه الفكري والعملي، وهو ما عبرت عنه جريدة "الصحيفة" لسان حال هذه المجموعة آنذاك، و دفع بباحث قدير مثل حنا بطاطو الى الاستنتاج ان "دعوة هؤلاء الرواد للاشتراكية إرتدت بالاساس ثوب تحرير المرأة".
موقف الحزب الشيوعي
في بدايات التأسيس
ماذا عن موقف الحزب الشيوعي العراقي في بدايات تاسيسه؟
- في وقت لاحق و عندما تأسس الحزب الشيوعي العراقي في اواسط ثلاثينيات القرن الماضي ، واصل الحزب موقف الرعيل الاشتراكي الاول و احتلت قضية تحرير المرأة و التصدي للتمييز و العنف ضدها ، بجميع اشكاله ، مكانة خاصة في نضالات الحزب، و انعكس ذلك في برامجه و اهدافه و الشعارات التي تصدرت الاعداد الاولى من جريدته السرية "كفاح الشعب"، و في دعمه العملي للانشطة و التحركات الاجتماعية و الثقافية و المطلبية في هذا المجال. و قد اولى الحزب هذه القضية اهتماما متميزا على الصعيدين الوطني و الاجتماعي. ومنذ وقت مبكر اهتم الحزب بتثقيف النساء و شجع على تنظيمهن و تعبئتهن في اطر اجتماعية و ثقافية و مهنية و سياسية و دفعهن الى المطالبة بحقوقهن، والضغط من اجل تغيير القوانين و الاعراف البالية المكبلة لانطلاقتهن، مؤكدا اهمية نضال المرأة "في ميدانين اثنين؛ نضالها من اجل قضاياها الخاصة، ونضالها في الميدان الوطني العام".
و منذ اربعينيات القرن الماضي ضم الحزب الشيوعي العراقي في صفوفه نساء من مختلف فئات الشعب، وهي ظاهرة غير مسبوقة في الحياة السياسية العراقية. و رغم قساوة الظروف و سرية العمل الحزبي ، كانت عضوات الحزب يشاركن في الاجتماعات السرية وينجزن الواجبات الحزبية و يشتركن في التظاهرات و الاحتجاجات مع ما يكتنف ذلك من مخاطر كبيرة معروفة للجميع.
ظهور منظمات نسوية جديدة
متى ظهرت اولى التنظيمات النسوية التي استوعبت هذه العلاقة الجدلية بين تحرير المرأة من اغلالها و قيودها الاجتماعية والتحرر الوطني للمجتمع و ماهو دور الحزب في هذه العملية؟.
- في بداية الاربعينيات تأسست "جمعية المرأة العراقية المناهضة للفاشية والنازية" بمباركة و تشجيع من الحزب الشيوعي العراقي، و يمكن اعتبار هذه الجمعية باكورة النشاط النسوي الذي سعى الى الربط العضوي او الجدلي بين وجهي النضال النسوي؛ الاجتماعي و الوطني. و الى جانب رئيسة الجمعية عفيفة رؤوف، ضمت الجمعية في قيادتها نزيهة الدليمي وروز خدوري وفكتوريا نعمان وعفيفة البستاني وأمينة الرحال وسعدية الرحال ونظيمة وهبي، واذا استعرضنا هذه الاسماء نرى ان غالبيتهن هن ممن اصبحن، في وقت لاحق ، من النساء البارزات في النشاط المهني النسوي او السياسي الديمقراطي. و احتلت كل واحدة منهن مكان الريادة في ميدانها. فنزيهة الدليمي اصبحت اول وزيرة في تاريخ العراق و البلدان العربية، والشيوعية فكتوريا نعمان كانت اول مذيعة عراقية تقتحم دار اذاعة بغداد بداية الاربعينيات، وامينة الرحال كانت اول امراة عراقية، و ربما أول عربية، تتبوأ مركزا قياديا في حزبها حيث اصبحت عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، الى جانب انها كانت اول امراة عراقية تمثل العراق مع زميلتها جميلة الجبوري في مؤتمر نسوي عربي و هو المؤتمر النسوي المنعقد في دمشق عام1930 والمناضلة الباسلة نظيمة وهبي دخلت التاريخ مع كوكبة من زميلاتها باعتبارهن من أوائل المعتقلات والسجينات السياسيات اللائي اعتقلتهن السلطة الملكية البوليسية آنذاك. وروز خدوري تبوأت موقعا قياديا على مدى سنوات في رابطة المرأة العراقية و الحركة النسوية الديمقراطية. و لابد اننا نتفق ان الريادة تعني الكثير وان لها دلالاتها الخاصة.
ومادام الحديث عن الريادة اسمحوا لي بالاشارة الى ان مناصر قضية حقوق المرأة الذي اشير الى اسمه قبل قليل محمود احمد السيد هو رائد الرواية العراقية باعتباره اول عراقي اقتحم عالم الكتابة في هذا الميدان.
بدايات
النهضة النسوية
نعرف ان هناك تنظيمات نسوية انبثقت منذ بداية تاسيس الدولة العراقية، أي قبل ظهور"جمعية المرأة العراقية المناهضة للفاشية والنازية "التي اشرت اليها ، ماذا تقول بشأن ذلك؟
-صحيح ان اولى المنظمات النسوية في العراق ظهرت منذ عشرينيات القرن الماضي و يمكن الاشارة هنا الى " نادي النهضة النسائية" الذي ترأسته اسماء الزهاوي اخت الشاعر الزهاوي، و صحيح ايضا ان هذه التنظيمات كان لها انشطتها الخاصة و دورها في تحريك الاجواء الاجتماعية الراكدة المحيطة بوضع المرأة، والمشاركة في بعض المؤتمرات النسوية داخل العراق وخارجه، و التي ينبغي عدم التقليل من شانها، غير ان هذه الاطر ظلت محصورة عموما بنساء الطبقة الارستقراطية و زوجات كبار مسؤولي الدولة آنذاك، و لم تكن مهتمة بالبعد الوطني للنشاط النسوي، لذلك اخفقت في التحول الى منظمات ذات امتداد بين جمهور النساء و ظل تأثيرها الاجتماعي محدودا ولم تستطع الاستمرار والمطاولة. ولهذه الاعتبارات نجد ان يوسف سلمان يوسف(فهد) مؤسس حزبنا دعا في رسالته الشهيرة التي وجهها الى نساء العراق في عيدهن عام 1944، بعد تقييمه الايجابي لعموم الانشطة و الاطر النسوية في تلك الظروف مهما كانت محدودة و تشجيعه النساء على المشاركة فيها، دعا ايضا الى تحويل جمعيات "الافنديات"هذه- كما سماها- الى جمعيات نساء جماهيرية، و الى ان تستبدل حفلات التعارف التي تقيمها بحفلات تعريف قضية المرأة لأكبر عدد ممكن من النساء. (بالمناسبة اتمنى على "طريق الشعب" ان تنشر هذه الرسالة او مقتطفات منها ليتاح للناشطات النسويات و المهتمين بقضية المرأة في العراق من الاجيال الجديدة التعرف، من خلال هذه الوثيقة، على حقيقة موقف الحزب من هذه القضية منذ بدايات التاسيس).
ميادين
ريادية أخرى
بخصوص الريادة و السبق النضالي و الابداعي، هل هناك ميادين اخرى سجلت للناشطات الشيوعيات مكان الريادة فيها؟.
- نعم هناك ميادين ريادية اخرى. فَمَنْ مِنا لايتذكر الفنانات زينب (فخرية عبد الكريم) و ناهدة الرماح وآزادوهي صاموئيل رائدات المسرح العراقي المعاصر، والثلاثة كما هو معروف ارتبطن خلال حياتهن بالحزب الشيوعي و دفعن ثمنا باهظا لقاء هذا الارتباط ،من جانب، ولقاء هذه الريادة من جانب آخر.
كما يمكن اعتبار تجربة النصيرات الشيوعيات و حملهن السلاح لخوض الكفاح المسلح في ربى كردستان منذ ستينات القرن الماضي ضد سلطة الاستبداد و الدكتاتورية ومن اجل الديمقراطية تجربة جديدة و امتيازا يسجل للشيوعيات العراقيات و حزبهن و"براءة اختراع" ينبغي ان "تسجل حقوق ملكيتها" لهن، دون اغفال بعض الحالات الفردية من المناضلات الآخريات من الاحزاب القومية الكردية.
و مادمنا نتحدث عن الاوائل والرواد فلابد من الاشارة الى ان أول احتفال بيوم المرأة العالمي في العراق جرى عام 1944بتنظيم من شيوعيات و ديمقراطيات، اثر رسالة فهد المشار اليها، التي تضمنت تعريفا للمرأة العراقية بهذا اليوم وأهميته لجميع نساء العالم ولاسيما لنساء العراق.
التنظيم النسوي
يتطور
نعود الى المنظمات و الحركات النسوية و دورها في تعبئة النساء و تنظيمهن للمطالبة بحقوقهن؛ ماذا بعد "جمعية المرأة العراقية المناهضة للفاشية"؟
-امتداداً لـ" جمعية المرأة العراقية" و في الظروف الاجتماعية و السياسية الجديدة التي نشأت ، بعد ان حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها، الظروف التي اتسمت بتصاعد النضالات الجماهيرية الوطنية والمهنية و المطلبية، تأسست لجنة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية في 10 آذار 1952(التي تغير اسمها بعد ثورة 14 تموز الى رابطة المرأة العراقية)، و منذ بداية نشأتها ظهرت الرابطة في ساحة النشاط والنضال النسوي والوطني باعتبارها منظمة مهنية اجتماعية وطنية تربط في اهدافها و عملها بين حرية المرأة وحرية الوطن، بين التحرر الاجتماعي و التحرر الوطني، وقد نالت هذه المنظمة التقدمية المقدامة الكثير من الدعم والرعاية من جانب الحزب الشيوعي و الوسط الديمقراطي الواسع، لانها ظلت، طيلة سنوات نضالها التي قاربت اليوم على الستة عقود، بؤرة جذب للناشطات النسويات، المقتحمات غير الهيابات والمتحديات لكل ما يعيق انعتاق المرأة و تحررها.
ظروف صدور قانون الأحوال الشخصية 188
ماذا عن ظروف صدور قانون الاحوال الشخصية عام 1959و المواد و المضامين الاساسية التي احتواها و اثارت ما اثارت عليه من اعتراضات و هجوم ؟
- حتى نهاية عقد الخمسينيات كانت بلدان عربية عدة مثل مصر، الأردن، سوريا، المغرب، تونس،قد اصدرت قوانينها الخاصة للاحوال الشخصية في حين ظل القضاء الشرعي في العراق موزعا في اصدار احكامه بين النصوص المدونة في الكتب الفقهية وفتاوى مذاهبه الخمسة ودياناته المتعددة وقضاء المحاكم في البلدان العربية. و بعد ثورة 14 تموز 1958 جاءت الخطوة الكبيرة والجريئة باصدار قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 باعتباره قانونا موحدا في احكام الاحوال الشخصية يجمع من احكام المذاهب الخمسة ما هو مشترك و متفق عليه و "اكثر ملاءمة للمصلحة الزمنية" و ماهو مقبول من لوائح الأحوال الشخصية في البلدان الإسلامية الأخرى و ما استقر عليه القضاء الشرعي في العراق
كما جاء في الاسباب الموجبة لصدور القانون انذاك.
لقد شكل القانون واحدا من أهم المنجزات الاجتماعية لثورة الرابع عشر من تموز، الى جانب قانون الاصلاح الزراعي رقم 80 لعام 1958 و خطوة الغاء قانون دعاوى العشائر.
و سعى للاخذ في احكامه بما هو انساني و منصف ومتناسق و مناسب للعصر الذي نعيش فيه، ويصب في مصلحة الامومة و الطفولة، مصلحة العائلة و المجتمع. وحقق القانون الكثير من العدالة في علاقة المرأة بالرجل وارسى دعائم للتوازن الاسري والاجتماعي ، بشكل عام .
واهم ما يميز القانون هو سعيه لانصاف المرأة ومساواتها بالرجل لاسيما في الارث وأحكام الزواج والطلاق والشهادة في المحاكم، و لم يترك موضوع تعدد الزوجات سائبا وخاضعا لرغبات الرجل و نزواته،كما كان يجري في الماضي - و نشاهده اليوم مع شديد الاسف - بل حدده وقيده بشروط واقعية واضحة، واوكل الى القضاء البت النهائي بهذه القضيةالحساسة.
كما احال القانون العمل في قضايا الأحوال الشخصية للأخوة المسيحيين واليهود بموجب لوائحهم الخاصة وفق دياناتهم .
و بشكل عام ، يمكن القول ان مواده شكلت حالة وسطية وشاملة، مقبولة، يمكن تطبيقها على عموم المسلمين العراقيين و المسلمين الأجانب المقيمين في العراق طبقاً لنص الفقرة (آ) من المادة الثانية من القانون.
- محاولات سابقة
هل سبقت صدور القانون المذكور اية محاولات لاصدارقانون للاحوال الشخصية قبل ثورة تموز 1958؟
- نعم جرت عدة محاولات في العهد الملكي لتشريع قانون للاحوال الشخصية على أساس مدني. احدى هذه المحاولات كانت في عام 1933 ، و هناك محاولة أخرى جرت العام 1945 الا ان المحاولتين تعثرتا و اخفقتا في النهاية، ولم يكن الامر بمعزل عن معارضة المؤسسة الدينية. خصوصا وان هذه المحاولات كانت تصطدم بالمادة (77) من القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 (الدستور)، والتي نصت على "أن القضاء في المحاكم الشرعية إنما يجري وفقاً للأحكام الشرعية الخاصة بكل مذهب من المذاهب الإسلامية".
وطيلة العهد الملكي كانت هناك مطالبات كثيرة من جانب القوى و الشخصيات السياسية و الاجتماعية و الثقافية المناصرة لحق المرأة لاصدار قانون مدني للاحوال الشخصية الا ان الحكومات المتعاقبة انذاك لم تعط اذنا صاغية لهذه المطالبات.
محتوى الصراع حول قانون الأحوال الشخصية
معلوم ان قانون الأحوال الشخصية ظل موضع صراع شديد بين قوى التجديد و التقدم و القوى المحافظة في مراحل مختلفة من تاريخ العراق المعاصر: فهل لكم ان توضحوا ذلك للاجيال الجديدة التي لم يتح لها الاطلاع على هذا الصراع وعلى دوره في المشهد السياسي العراقي
- من وجهة نظر مؤيدي قانون 188 لعام 1959، ان القانون انصف المرأة في المادة الثامنة، الخاصة بتوحيد سن الزواج، والمادة الثالثة عشرة، الخاصة بتقييد تعدد الزوجات، والمادة الرابعة والسبعين، الخاصة بمساواة الذكور والإناث بالإرث، و المواد المتعلقة بالمساواة في أحكام الزواج والطلاق والشهادة في المحاكم، اما منتقدي القانون فانهم يبنون معارضتهم له على ذات المواد على اساس انها تتعارض مع احكام الشريعةالإسلامية.
لذلك لم يكن من المستغرب ان استغل خصوم ثورة 14 تموز ، و عموم الاوساط المحافظة و التيارات المتشددة في المجتمع صدور القانون واعتبروه خروجاً على التقاليد والاعراف الدينية وعملوا على تأليب رجال الدين ضد قيادة الثورة و على الديمقراطيين، وخصوصا الشيوعيين الذين اتهموا بانهم كانوا طرفا اساسيا وراء سن القانون. ورغم اننا لم نكن الطرف الوحيد الذي هيأ لصدور القانون و بارك هذا الصدور، الا اننا، لا ننفي هذه التهمة، بل انها دفعتنا و ما تزال الى الاعتزاز بافكارنا و قيمنا الانسانية العصرية، افكار المساواة و العدل الاجتماعي. و يتذكر الكثيرون ممن عاصروا تلك الفترة الدعايات و الافتراءات التي الصقت بالحزب و رفيقاته و رفاقه بعد صدور القانون وكيف اطلق الآخرون اهزوجة(هالشهر ماكو مهر و نذب راس القاضي بالنهر) و رددوها في التظاهرات العامة، الاهزوجة التي اعترف الكاتب حسن العلوي في كتابه عن الزعيم عبد الكريم قاسم، بعد 30 عاما من اطلاقها، ان جهاز الدعاية و الاعلام لحزب البعث، الذي كان العلوي عضوا فيه، هو من فبركها و الصقها بالشيوعيين.
لذلك لم يكن غريبا حينها ان قام انقلابيو 8 شباط بعد اسابيع قلائل من انقلابهم بـ"تعديل" قانون 188 بقرار رقم 11 لسنة 1963، وعلى وجه الخصوص المادة الخاصة بالإرث، ليصبح الامر "للذكر مثل حظ الأنثيين".
و لغرض المقارنة ، ربما من المفيد هنا معرفة ان بلداً عربيا مثل تونس قد تجاوز قانونه للاحوال الشخصية القانون العراقي ، حيث منع تعدد الزوجات إلى جانب مساواته النساء بالرجال في الإرث، و في المغرب جرى تقييد هذا التعدد بشروط مشددة لسبب عدم القدرة على العدل بين الزوجات "و لن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء و لو حرصتم" .
ماذا بعد 50 عاما على صدور القانون ؟
بعد مرور خمسين عاما على صدور قانون الاحوال الشخصية , هل هناك ما ينبغي تجاوزه و تعديله في نصوصه ؟ و هل يمكن المحافظة عليه و تطويره بمعزل عن الصراع الدائر في العراق حول محتوى التغيير الحاصل منذ نيسان 2003 وجهة تطوره؟
- اعتقد ان المهمة الاساسية و الملحة هي السعي للمحافظة على القانون في مواجهة المحاولات العديدة و المستمرة التي تبذل لتغييره او الالتفاف عليه، اضافة الى ذلك يتضمن القانون فقرات و نصوصا ومفاهيم تتطلب اعادة النظر والدراسة والتعديل بما يتناسب مع الظروف التي تعيشها مجتمعات العالم اليوم و ما يصبو اليه مجتمعنا، و بما ينسجم مع الحقوق المتنوعة التي نالتها النساء في مختلف البلدان، و يتلاءم مع المواثيق الدولية ذات العلاقة بحقوق النساء و الامومة و الطفولة وحقوق الانسان التي صدرت خلال العقود الاخيرة، وانضمت اليها الحكومات العراقية المتعاقبة.
لقد ادخل على القانون حتى عام 2003 سبعة عشر تعديلا ارتبط اغلبها بالمتغيرات الاجتماعية التي حملتها ظروف الحروب العبثية الخائبة التي خاضها النظام السابق، و التي وقع عبأها الاساسي على النساء، و ادت الى ازدياد نسبة الارامل و الايتام في المجتمع و ما رافق ذلك من اتساع المعاناة و المشاكل بين ذوي الشهداء و الضحايا، كما خص بعض هذه التعديلات التفريق بين الأزواج، وجعله على أساس الموقف السياسي والامني حيث شجع النظام السابق زوجات المعارضين العراقيين انذاك ، خصوصا من اضطر منهم لمغادرة الوطن، و كذلك من نعتوا بالتبعية ، على طلب الطلاق و الانفصال عن ازواجهن.
و مادام الحديث يدور عن التغييرات او التعديلات ، اشير هنا الى ان برلمان اقليم كردستان أدخل من جانبه العشرات من التعديلات على القانون، منها على سبيل المثال 25 تعديلا ادخلت عام 2008 فقط . و جميع هذه التعديلات الكردستانية تصب باتجاه المزيد من الانصاف للمرأة والضمان لحقوقها.
محاولات
للعودة إلى الوراء
ما ذا عن محاولة الغاء قانون الاحوال الشخصية بالقرار 137 لسنة 2003 خلال ولاية مجلس الحكم ؟
- في كانون الأول 2003،الغى مجلس الحكم القانون رقم 188 ، بالقرار المرقم (137)، و اثار ذلك معارضة و احتجاجات شديدة داخل البرلمان و خارجه ادت الى الغاء قرار 137بعد تصويت الأكثرية في مجلس الحكم ضده. غير ان الاطراف المعارضة لقانون عام 1959 واصلت مسعاها لالغائه و الالتفاف عليه لذلك ظهرت المادة (41) من الدستور الدائم، التي تروج للزواج المذهبي لكل الطوائف ، لاحلالها بدل القانون الحالي والتي شكلت ردة إلى الوراء وعودة الى تعدد الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية.
و لابد من التعبير هنا عن التقدير لموقف برلمان اقليم كردستان في هذه القضية حيث اصدر البرلمان المذكور غداة صدور قرار مجلس الحكم 137 قرارا اكد فيه ان قانون الاحوال الشخصية لسنة 1959 المعدل يبقى ساري المفعول في اقليم كردستان في حالة بقاء قرار مجلس الحكم 137 او اي قرار او قانون يؤدي الى الغاء القانون رقم 188 صراحة او ضمنا.
تحفظات على المادة 41
من الدستور
ماهي الاعتراضات التي تسجل على المادة 41 من الدستور العراقي و التي تستوجب الدعوة الى الغائها؟
- نصت المادة المذكورة على ان "العراقيين احرار في الالتزام باحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم.....".
وبهذا تكون قد قسمت العراقيين و ميزت بينهم على اساس اعراقهم ومذاهبهم، وهذا يتعارض بداهة مع المادة 14 من الدستور التي اكدت ان "العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي".
و تتعارض المادة مع السعي، من جانب عموم فئات الشعب والقوى السياسية الوطنية والديمقراطية الاصيلة، لتأسيس هوية وطنية عراقية جامعة، ومع مواد اخرى في الدستور اقرت وحدة العراق و العراقيين و اكدت على التوجه الديمقراطي للبلد، اذ لا تستقيم الديمقراطية مع التماييز و عدم المساواة بين المواطنين لاي سبب كان.
عدا ذلك فالمادة 41 ميزت بين النساء انفسهن و اخضعتهن لمعاملات مختلفة، لان لكل مذهب كما هو معروف اجتهاداته الخاصة بالنسبة الى الزواج و الطلاق و النفقة و الارث وحضانة الابناء و غيرها.
مستلزمات النهوض
بواقع المرأة
و نحن نتطلع في الافق نحو مستقبل مشرق للمرأة العراقية، ما مستلزمات و عوامل النهوض بواقع المرأة و الارتفاع بمستوى مشاركتها في الحياة العامة في ظروفنا الحالية من وجهة نظر الحزب الشيوعي العراقي؟
- في عموم ممارساته ووثائقه الخاصة بقضية المرأة والدفاع عن حقوقها و يؤكد على حزمة هامة و مترابطة من هذه المستلزمات في مقدمتها الحاجة الى اقرار الضمانات القانونية و التشريعية لتمكين النساء من ممارسة حقوقهن السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، وضمان مشاركة فاعلة للمرأة في جميع المؤسسات التنفيذية و التشريعية و القضائية و في الهيئات و المفوضيات المستقلة، و عدم الاكتفاء بالكوتة النسوية الحالية في مجلس النواب، وتكريس التصدي للتمييز والعنف ضد المراة بقانون.
يضاف الى ذلك ضمان حق النساء في حماية الامومة و الطفولة، و ضمان التزام الدولة في دستورها بجميع المواثيق الدولية المتعلقة بحماية حقوق المرأة و الطفل و تكريس ذلك في القوانين ذات العلاقة.
من جانب آخر هناك حاجة لدعم عموم الانشطة والفعاليات النسوية و الاخذ بيد المنظمات النسوية المهنية والاجتماعية والثقافية الناشطة والمدافعة عن حقوق النساء وتقديم كل اشكال الدعم لضمان استقلاليتها.
وفيما يتعلق بقانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل هناك حاجة للمحافظة عليه مع اجراء التعديلات اللازمة عليه في السياق الذي جرت الإشارة له في اجابة سابقة. كما ان هناك حاجة لاجراء تعديلات تتعلق ببعض مواد قانون العقوبات، خصوصا تلك التي تتعلق بما يصطلح على تسميته "القتل غسلا للعار" او القتل "ببواعث الشرف".
جميع هذه المباديء والاسس وغيرها نجدها في وثائق الحزب وبرامجه الاساسية، بضمنها برامجه التي خاض بها الانتخابات في السنوات الاخيرة. و هناك فصل خاص بالمرأة في برنامج الحزب الذي اقره مؤتمره الوطني الثامن في أيار 2007 يتناول هذه القضايا ويؤكد عليها.

  كتب بتأريخ :  السبت 14-08-2010     عدد القراء :  5663       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced