الجدوى والعبث
بقلم : المحامي يوسف علي خان
العودة الى صفحة المقالات

هناك العديد من الناس ينفقون اوقاتا طويلة خلال النهار او حتى ساعات عديدة من الليل في اعمال مختلفة وقد يبذلون جهودا مضنية بل وحتى اموالا طائلة ويذهب كل ما يبذلونه ادراج الرياح دون ان يحصلواعلى مردود ملموس يفيدهم 00 وهناك اخرون ينفقون اوقاتهم باعمال تدر عليهم محاصيل مادية او يتركوا اثرا فيما يفعلونه فيقال للافعال الاولى التي لاتعطي ناتجا عبثا ويقال للافعال الثانية افعال ذات جدوى 00 والجدوى مختلفة النواحي ومتعددة الاوجه وهي على نوعين
1- الجدوى المادية
2- الجدوى المعنوية

كما ان للجدوى ثلاثة اوجه وهي 1- الجدوى الشخصية -2- الجدوى الاجتماعية -3- الجدوى الاقتصادية
وقد تلعب الجدوى والعبث دورا حاسما في حياة الانسان وتغير في مسيرته وتؤثر في شخصيته داخل ذاته وضمن مجتمعه وما يكون ذو جدوى لشخص قد لايكون كذلك لغيره فمثلا لو رسم رسام لوحة زيتية لشخص ليس من ضمن اهتماماته فن الرسم قد لايعيرها أي التفات ولاتكون له شيئا مهما او ذات قيمة بينما هذه اللوحة قد تكون ذات شأن عظيم بالنسبة لشخص اخر يتذوق مثل هذا الفن 00 وهكذا تجري العديد مثل هذه الامور 00 وكذلك الكلام قد يكون ثرثرة يزعج المستمع وقد يكون موضع اهتمام غيره من الناس 0 وبشكل عام فالكلام الذي يفيد المستمع قد يكون ذا جدوى بالنسبة له واما ما لايفيده ويفيد مصلحته فيعتبره لغو وثرثرة تثير النرفزة والاشمئزاز 00 فالجدوى هي ليست ثابتة اوقوالب جاهزة يقيمها الناس بشكل موحد كما انها قد ترتبط بالضروف والاحوال فما يعتبر ذو جدوى في وقت ما قد لاتكون له اية قيمة في وقت اخر وكذلك ما يعتبر ذو جدوى في بلد او مكان ذو جدوى قد لايكون ذلك في محل اخر 00 وهذا يسري على الفعل والكلام تماما 0 فمثلا لو قلت لشخص لاتقرب هذا المكان لانه مليء بالالغام فهذا كلام مفيد وذو جدوى كبيرة 00 ولكن لو رفعت من هذه المنطقة الالغام وقلت نفس الكلام فكلامك يكون عندئذ مجرد لغو وعبث 00 فالجدوى تقاس بفاعليتها وقوة تأثيرها وحقيقة فائدتها في ضرف ومكان ثابت 00 فهناك اشخاص يتحدثون ساعات دون ان يكون للمستمع في كل ما يقال اية فائدة او مصلحة فهو مجرد لغو وعبث واضاعة وقت وازعاج وملل 00 فكثيرا ما يتحدث بعض القادة والزعماء الى المواطنين ساعات عديدة غير ان تلك الجماهير المحتشدة قد لاتخرج من كل ما يقال بجملة واحدة مفيدة فيكون كلامهم مجرد ثرثرة بلا فحوى ولا معنى فحتى كل ما يطلقوه من وعود هي مجرد اقاويل لاجدوى منها 00 بينما قد يكون كلام الاستاذ المحاضر في المدرسة او الجامعة ذو فائدة عظيمة لما في كلامه من تلقين واضافة معلومات وزيادة خبرة لهؤلاء الطلاب وتنوير لعقولهم وذو جدوى كبيرة قد تفيدهم في تطوير انفسهم مع انه هو ايضا ليس اكثر من كلام ولكن كلام عن كلام يفرق فهناك كلام يثير القرف والاشمئزاز والازعاج وهناك كلام ينير الدرب ويزيد المعرفة ويدفع للتقدم والتطور ويرسخ العلم في ادمغة الاجيال 00 وكذلك الافعال فقد يكون فعلا مفيدا يحقق مصلحة للاخرين كافعال المخترعين والعلماء اللذين افادوا البشرية بما قدموه من صناعات واختراعات عظيمة اشاعت الرفاه والحياة السعيدة للبشر 00 فهي افعال ذات جدوى مفيدة ولكن هناك ايضا افعال ذات جدوى ضارة سببت الويلات للبشرية كالقنبلة النووية 00 فليست كل الجداوي مفيدة ومفرحة ومباركة فالضرب والقتل والعدوان كلها افعال ذات جدوى ولكنها جداوي تفضي الى الاذى والالام والى الموت بينما عمل كعكة لذيذة طيبة هو فعل ذو جدوى ونافعة ومفيدة 00 اذا فهناك فعل او كلام دون جدوى وهناك فعل او كلام ذو جدوى مضرة او مؤلمة وهناك فعل او كلام نافع ومفيد كما ان هناك فعل او كلام ليس فيه أي جدوى وانما هو مضيعة للوقت او كلام فارغ وثرثرة لامبرر لها 00 فالعدوان وايذاء الناس فعل ذو جدوى لكنه عمل مستهجن ومرفوض وقد يستوجب العقاب 00 اذا لابد لنا ان نضع تعريفا للجدوى بغير هذه المفاهيم ونعتبر الجدوى بانه الفعل او الكلام المفيد والذي يحقق مصالح الاخرين وبغير هذا فلا جدوى من الفعل او الكلام وعلى المرء اما ان يصمت او يتحدث بما يفيد الناس وان يبقى ساكنا لايتحرك إلا بما يحقق المنافع للفرد او المجتمع 00 والمثل يقول قل ( قل خيرا وإلا فاسكت وافعل خيرا وإلا فتوقف ) فلا يجوز ان يكون كلامك او تحركك ليس فيه منفعة للاخرين فالناس ليست مستعدة ان تسمع ثرثرة دون فائدة لها او كلاما لايعنيها ولا فعلا لايحقق مصلحة لها فهي لاتريد ان تسمع اخبارك او مديح لنفسك او عملا تتباهى به امام الناس فتتهم بالثرثرة والانانية وحب الذات وهي خصال منبوذة تشمئز منها النفوس 00 فليس المرء من يقيم نفسه بل قيمة الانسان بما يراه الناس فيه 00 والناس تتهافت على من يؤدي لها الاعمال والخدمات فيصبح موضع احترامها وتقديرها وتكيل له المديح والمثل يقول ( من مدح نفسه فهو كذاب ) فاحاديث الشخص عن نفسه لاتهم الاخرين وعليه ان يحتفظ بها لنفسه ومزاياه فيما يقدمه للناس من فوائد ومنافع 00
اما الجدوى كمفهوم عام فقد اضحت معيارا دوليا تقاس به نفعية المشاريع في المجال الاقتصادي والاجتماعي والصحي وغير ذلك من المجالات المتعددة التي اصبحت فيها الجدوى هي اول ما يبدأ به وتفكر به الحكومات قبل الولوج باي عمل او مشروع تروم القيام به 00
وبالامكان اعتبار الجدوى علم حديث او نظرية مبتكرة للتطور البشري فهي سلاح ذو حدين في مجالاتها الثلاث الاقتصادي والاجتماعي والشخصي 00 مع ان موضوع الجدوى قد اضحى فرعا مهما من فروع الاقتصاد الذي يدرس في كليات الادارة والاقتصاد 0غير ان جميع المؤسسات والشركات التجارية تعتبرها جزءا مهما في مشاريعها التي تعتزم القيام بها وتضعها في مقدمة بحوثها فهي لاتقدم على أي عمل قبل دراسة وبحث جدوى ذلك العمل وهذا يسري على الحكومات في نفس الوقت فهي تشكل اللجان المختصة لدراسة أي مشروع حكومي قبل القيام بتنفيذه وبالطبع تختلف الاغراض والمصادر والاتجاهات والاليات في الحكومات عنها في الشركات الخاصة التجارية فقد تفكر الشركات عند دراستها والبحث عن الجدوى في كمية الارباح التي ستجنيها من القيام بالمشاريع التي تعتزم القيام بها بينما تفكر الحكومات في كثير من الاحايين عن مدى الفائدة والخدمات الممكن ان يقدمها المشروع الذي تعتزم القيام به للصالح العام وقد تضع مسالة الربحية في الدرجة الثانية ولكن الجهتان تبحثان في موضوع الجدوى المستخلصة من هذه المشاريع 00
ولكن مع ان الحكومات ومن المفروض دائما ان ترعى في موضوع الجدوى درجة الفائدة والنفعية المستنبطة من المشاريع وهو ما تتميز به الحكومات الوطنية التي لاتفكر إلا بمصلحة شعوبها غير ان هذه الامور المثالية قد لاتكون موجودة على ارض الواقع 0 فان هناك العديد من المسؤولين وعلى مختلف المستويات وفي معظم الدول قد لايبحثون عن الجدوى الخالصة لشعوبهم بل يبحثون خلال دراساتهم لجدوى أي مشروع هو مراعاة ما قد يحصلون عليه من منافع شخصية لهم مما قد يدفعهم في بعض الاحيان من التفريط في نسبة كبيرة من الجدوى الفعلية للمشروع الذي يعتزمون القيام به مما قد لايحقق النسبة المثالية لهذه الجدوى المفيدة للشعب من المشروع 00 وان هذا الامر يسري على الدول والمناطق الخاضعة للاستعمار بشكل مباشر او غير مباشر بوقوعها تحت النفوذ 0فهي لاتنظر الى أي عمل تقوم به بنفس النظرة التي تنظر اليها الشعوب الرازحة تحت ا لهيمنة 0فما تراه الدولة المستعمرة ذو جدوى لصالحها قد تراه الشعوب المسيطر عليها عملا عدوانيا او عبثيا غير مفيد او مضر لها 0 والامثلة كثيرة لاتعد ولاتحصى وقد تكون خفية غير مكشوفة وقد يعلن عنها بغيرما يقصد منها حقيقة 0 فقد تجد دولة كبيرة ترتبط بعلاقات متنوعة مع دولة صغيرة وضعيفة بالنسبة لها ولكنها ظاهريا بانها دولة مستقلة وذات سيادة لكن في واقع الحال فان هذه الدولة العظمى مسيطرة وبشكل كامل على جميع مواردها وتسيرها حتى في تنفيذ مشاريعها بالشكل الذي يحقق مصالح تلك الدولة الكبيرة ذات النفوذ القوي على هذه الدولة الصغيرة 00 فلا تسمح لها بانشاء مشاريع منتجة ومتطورة وذات تقنيات علمية رفيعة قد ترفعها الى مصاف الدول المتقدمة تكنلوجيا بانشاء المصانع الانتاجية ما يجعلها في مصاف الدول الصناعية و المصدرة بدلا مما هي عليه من كونها دولة مستهلكة تعيش على ما ينتجه الاخرون حتى من المواد الغذائية كما هي الحال في العديد من الدول العربية وغيرها من دول الشرق الاوسط المتخلفة 00 والتي قد تمتلك موارد نفطية كبيرة تمكنها لو سمح لها ان تكون من اكبر دول العالم في الصناعة والتكنلوجيا مما يمكنها من تصدير انتاجها الى الخارج بدلا مما تستورده هي من انتاج الاخرين في الوقت الحاضر 00 ولكن نجد معظم هذه الدول الغنية دول مستهلكة فقط لايسمح لها إلا بانشاء المشاريع الاستهلاكية والعمارات الفخمة والنادق والحدائق والملاعب والاسواق الواسعة لاستقبال البضائع الاجنبية فتكون الجدوى من هذه المشاريع جدوى عبثية اند ثارية غير منتجة وكل هذه المشاريع التافهة تحتاج الى ما تستورده من البضائع والمنتجات التي تصنعها الدول الاجنبية الكبيرة المهيمنة والتي تغرق اسواق هذه الدول النفطية بما يتكدس لديها من منتجات كانت لربما ستضطر لرميها في البحر لولا هذه الدول المستكينة الضعيفة لهذا الغول الغربي الذي يتحكم بمقدراتها عن طريق من يتولون امورها من العملاء الخونة الانتهازيين الذين باعوا شعوبهم بابخس الاثمان 00 ونتيجة لتلك السياسات التي اتبعتها قيادات بعض الدول العربية والتوجيهات الاجنبية الضاغطة على هذه الدول المستكينة فقد نشأ جيل سطحي تافه محدود الثقافة ضعيف الوعي يختلف اختلافا كبيرا عن جيل الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي حيث كانت الحكومات انذاك مع ما كان يشاع عنها من ارتباطاتها بالاجنبي تقيم المشاريع المفيدة اضافة لما وضعته من مناهج دراسية علمية مكثفة ومركزة في المدارس والجامعات ما خرج العديد من الخبراء المؤهلين كما ارسلت العديد من البعثات الدراسية الى الدول الاوربية فعاد اولائك بخزين علمي غزير مكن العراق من ان يتطور تطورا هائلا خلال فترات قياسية قصيرة حيث انتشر اولائك في جميع مؤسسات الدولة وقدموا خدمات جليلة لبلادهم واستطاعوا ان يجعلوا العراق يواكب النهضة الاوربية وينشئوا المشاريع الاقتصادية والعلمية في مختلف المجالات فتأججت نهضة ثقافية عارمة دفعت بالعراق بخطى حثيثة من التخلف العثماني الذي عانى منه العراق خلال اربعة قرون الى التقدم الاوربي الصناعي فنمت العديد من الصناعات الوطنية وحميت بقانون حماية المنتج المحلي الذي ساعد على ذلك التطور الهائل الذي شهدته تلك الحقبة خلال اربعة عقود من عمر الدولة العراقية الحديثة 00 كل ذلك بفضل الدراسات المسبقة و البحث في جدوى تلك المشاريع والاعمال فلم تقم تلك المشساريع بشكل عشوائي دون النظر في الجدوى المتوخاة منها 00 على عكس ما نشاهده اليوم من الاعمال والقرارات الارتجالية التي يثبت فشلها لانها لم تتم عن طريق الدراسة المعمقة والبحث الدقيق في جدواها 00 فان لم يكن مايجري اليوم متعمدا في ابقاء العراق متأخرا فانما يكون عن جهل وانعدام الخبرة لدى القائمين على تنفيذ المشاريع واقرارها واختيار الاصلح والاكثر جدوى والاشد حاجة اليه كالسكن والكهرباء والماء والتصنيع وغير ذلك من الخدمات باولويات متعاقبة والتي تمس حياة المواطن اليومية والاساسية بسبب الاهتمام بدراسة جدوى واهمية كل منها في المؤسسات الحكومية المنفذة او حتى في تشريع القوانين داخل البرلمان 00
ومن ظواهر العبث التي عمت هذا البلد هو نشر الانترنت واجهزة الكومبيوتر التي كان بالامكان تسخيرها لتطوير البلد لكننا نجد ان هذه الاجهزة والمنشأت قد اغرقت الشباب في بحور من العبث ومضيعة للوقت في ترهات غير ذات جدوى بما يمارسونه من قضاء ساعات طويلة للتحدث مع بعضهم او اللعب بما توفره من مسابقات وبرامج لهو عن طريق الاقراص المدمجة الحاوية على الالاف من الالعاب مثل توم رايدر والحية والسلم وغيرها من الالعاب التي لاتعد ولاتحصى والتي تشغلهم في كثير من الاحيان عن دراستهم المنهجية وتلهيهم عن متابعة الاخبار والاطلاع على المعارف العلمية لتوسيع افاق مداركهم واذا بهم يتخطون مرحلة الشباب وهم لايعرفون شيئا عن الحياة وينغلق افق تفكيرهم بما ينشغلون فيه من هذه الالعاب الغير مجدية فينشا جيل جاهل متخلف كما هو الان من مظاهر التخلف التي يعاني منها شبابنا اليوم وللاسف00 فلا يعرف شيئا عن ماضيه كما لايعرف شيئا عما يجري من تقدم وتطور علمي في مختلف انحاء العالم إلا بقدر ما ينتشر في الاسواق من اجهزة الكومبيوتر وما تعرض لهم هذه الاقراص المدمجة من العاب وبرامج يتقصد فيها الغرب من نشرها لالهاء شعوبنا واغراق اوقاتهم بالترهات 00

  كتب بتأريخ :  الأحد 15-08-2010     عدد القراء :  2260       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced