تاريخ الخمسة آلاف سنة من القمع
بقلم : لافا خالد
العودة الى صفحة المقالات

تُجادله، يقول عنها عنيدة، تجلس صامته، يقول عنها هَّبله، تخبره عن مشاكلها يصفها بالثرثارة، تسكت، يقول عنها ( خائنة )، تنجح لأنها محظوظة، ينجح لأنه ذكي وعقله غير منقوص ولا حبَّة، و دينه كامل لآخر نبضة. هي ( ناقصة عقل ودين ويمكن إزالتها كأية زائدة أو مستعمرة ) ، لأنها مجرد أنثى . الصورة والحوار بينهما رغم اختلاف الحضارات وتعدد الهويات إن كانت قومية أو دينية أو طبقية هو إيجاز لثقافة الذكورة التي محت ثقافة الأنوثة التي أنتجتها المجتمعات الطبيعية ، انطلاق ثقافة وحضارة الأنوثة مع المجتمع الطبيعي هو سر قوة المرأة وسبباً لهزيمتها التاريخية.
الأنوثة أو غشاءُ بكارة اجتماعي:- ( أي أنوثة تملك!) هكذا يهمس البعض، وآخرون يعلنونها دون تردد حينما يتصفحون غلاف المجلات و الصحف التي تبرز نماذج نسائية بقياسات ومقاسات للجمال، تبقى أسيرة لنظرة الرجال ، الأنوثة والذكورة ، الأولى مقترنة بالجسد والثانية صفةُ ونظرة الرجال للطبيعة وما وراءها ، للمجتمع ومؤسساتها. جسد الأنثى دون روحها محور لقوانين الرجال إن كان قانوناً وضعيا أو ما سبقه من الموضوعات، جسدها وبالذات في الشرق المغلوب على أمره والمكبوت في تفاصيله بوصلة تحدد الاتجاهات وأسعار التذاكر وعدد الرحلات بل واختيار المنتجعات، فكان حجيج الرجال في الوطن العربي صوب تركيا بعد عرض مسلسلها( مهند ونور) في الفضائيات العربية على أمل أن يفوز سائح عربي بنور رغم انف مهند ومخافر حدود الأتراك . جسدها أقحموه حتى بما لا يقحم  ، فتوارثنا الصفات ( ملساء ، ملونة ، مُعطرة ، ولودة ، مكتنزة ) أما هو فلا يحتاج لغير السواك تطهيراً للفم ومرضات للرب الذي جعل من الجنة تحت أقدامها فكيف نفسر بان غالبية أهل النار من النساء. في  ثقافة الذكورة تنتفي الحاجة إلى تفسير فهي ثقافة منتجة وما على النساء والعبيد  إلا الاستهلاك والاستهلال  لمنتوج الرجال ، الإنتاج الأكبر لثقافة الذكورة على خلاف ما يتم تسويقه هو قدرته على خلق ما يمكن تسميته بـ ( الغشاء الاجتماعي  ) المرادف لغشاء بكارتها، عليها أن تحافظ عليهما، إن خسرت الثانية فهي زانية وان خسرت الأولى لا تفقد أنوثتها فحسب بل يتجاوز الأمر إلى خسارتها لهويتها ويتم خلعها من قبيلة النساء وهنا تظهر الحاجة غالى  مفردة جديدة لتمسيها ، وهل لثقافة اقصائية إشكالية مع اختراع مفردة! .الغشاء الاجتماعي للبكارة هو جدار عازل وأسلاك شائكة لثقافة ذكورية  يمتد ليضم البنى الفوقية للمجتمع ( ثقافة، دين ، عادات وتقاليد ، قانون، دولة، مؤسسات ، أفكار ) التي وضعت من قبل الرجل  ووفق مصالحه . كيف تم تذكير كل تلك البنى الفوقية وهل يمثل الرجل نتاجا لتلك البنى أم انه مُنتج لها . لكي لانفتح نقاشا بيزنطياً فان اكتشاف الخطوة الأولى لثقافة الذكورة ضرورية لتحديد ملامح الإجابات ... وكانت الخطوة الأولى.
  بداية الصراع كان سماويا:- أعلن رجل عمره يزيد عن خمسة آلاف سنة بأنه ( ظل الله في الأرض ) هكذا بدأت ثقافة الذكورة بعيدا عن التحليل الماركسي الذي يحمل الكثير من الصواب رغم عدم تحليله للظاهرة بشموليتها وتاريخيتها  لأنها انطلقت من الأرضي دون اقتحامها لعرش الآلهات التي أنتجت أولا لتنتج لاحقا المادة الحية والخلية الأولى للثقافة الذكورية. لكي يكون الظل مكاناً و الامتداد صوتاً ظهرت الحاجة إلى تذكير الآلهة ، فقام بتذكير الالهات بعد أن كانت مؤنثة، خلقه للآلهة الذكر أعطاه الحق بان يهمس في إذن الالهات بان يخلقها من ضلعه الأعوج، ومن ثم يملك لاحقا شرعية سماوية مصطنعة بكتابة التاريخ بفصوله  والجغرافية بخرائطه والسياسة وفق أجنداته والإرث والميراث وفق مصالحه وأنواع النكاح من المصواب و المسيار والمتعة لقائمة تطول وهي منتجة من قبل ثقافة ذكورية فتشمل المصياف لمن يقضي صيفه بعيدا عن حر  بلاده والمسفار لمن يطول دراسته في الغربة و المصياع لمن يكثر من سياحته والمقراض بأمل الحصول على قرض حكومته  والمهراب الذي يكثر في الشام وآخر مبتكرات الإرهاب فبعض الزيجات وشروطها إرهاب ذكوري بامتياز وما نسمي زواج داعية تجاوز الثمانين من فتاة تبلغ بعمر حفيدته . لم تكتفي ثقافة الذكورة بالاستفادة من تذكير الالهات في فرض سلطته على الأنثى وحضارتها بل تجاوز الحدود  بإشاعة بعض المفاهيم في المناهج الدراسية لكثير من بلاد الإسلام حينما اعتبروا من  قال بأنوثة الملائكة كافر ومن قال بذكورتهم لا يتعدى كونه فاسق وهل نسيت ثقافة الذكورة ما قاله الرسول الكريم ( إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ.) ، التجاوز بحق الأنثى وتحميلها الإثم والخطيئة الأولى يمتد جذوره للفهم ألقسري لما جرى حول التفاحة أو الثمرة بشكل اعم ، فقد اشيع بان حواء هي التي تتحمل المسئولية في حين نجد في محكم كتابه العزيز ما يشير الى المسئولية المشتركة لهما ففي  (الأعراف، آية 20 و22) نقرا ( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا ) و ( وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)
لغم لغوي أم شظايا أنثوية:-  بعيدا عن متاهات فلسفة التحليل اللغوي الذي وضع أسسه فتجنشتين و برتراند رسل فان اللغة تمثل مفتاحا مهما لفهم ظاهرة ثقافة الذكورة إن لم نقل أزمتها وبالأخص مع اللغة العربية ، كونها من أعمق اللغات وأثراها ناهيك عن كون الحضارة العربية حضارة نص أكثر من كونها حضارة مادية أو تكنولوجية، اللغة العربية وان اتهمها البعض بكونها مجاملة للرجال وامتلاكهم لعشرات الأدلة ومنها اعتبار القمر مذكرا والشمس في بلاد تجاوز حرارته الأربعين مئوي مؤنثة، اللغة العربية بريئة من كون المعادلة الأحادية الاتجاه هي المتحكمة بالأنثى ، بقاء المشتقة في ذاتها وتطابقها مع ذاتها أي (  الأنثى – الأنوثة ) جزء ثقافة الذكورة ، تلك الثقافة التي أكرمته وأكرمها بمعادلة ثنائية الاتجاه ( الذكر – الذكورة ) و ( الذكر – الرجولة ). إن كانت الذكورة هي الحضارة التي بنيت على أشلاء الإناث جسدا وروحا وحقوقا فان الرجولة هي صفة خاصة بالرجال ، فيوصف من كان شجاعا، شريفا، كريما ، منتخياً ، مقداما، عطوفاً، صدوقا، بأنه رجل وفيه الرجولة، وفي لاوعي جمعي، تصبح الأنثى مجردة من تلك المفردات وان امتلكتها قالوا عنها أخت الرجال؟ بالمختصر: الذكورة صفة... الأنوثة جسد

  كتب بتأريخ :  الإثنين 16-08-2010     عدد القراء :  2073       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced