العـولمة بقلم : المحامي يوسف علي خان العودة الى صفحة المقالات اختلف الناس في مفهوم العولمة فمنهم من فهمها على انها جغرافية وقال بان العالم أضحى قرية صغيرة ،ومنهم من فهمها بكونها إتصالاتية بتأثير القنوات الفضائية والإنترنيت ومنهم من فسرها بكثافة الترابط الإجتماعي بين شعوب الارض وحار آخرون في تفسيرها بل وعجز الكثيرون عن فهمها ، وقد أيد هذا الرأي اللقاءات العديدة التي أجرتها بعض الفضائيات مع العديد من المواطنين الذين كانت إجاباتهم بعدم معرفتهم لمعناها أو جهلهم لأي تعريف لها . وأرى أن العولمة قد فرضت نفسها كبديل عن الأممية الاشتراكية التي طرح فكرتها ماركس وانجلز وتبناها بفهم خاطىء وقاصر ومحدود الحزب الشيوعي السوفيتي بزعامة لينين وحلُم بتطبيقها على العالم البشري بأعتبارها أفكار تصارع الرأسمالية والترستات والكارتلات التي سيطرت على النهضة الصناعية في أوربا واستغلت باجحاف ملايين العمال والفلاحين الفقراء الكادحين . واستمرت الاحزاب الشيوعية على هذا النهج وهي مبتعدة في الحقيقة عن تلك الأممية التي نادى بها ماركس الذي أرادها بدعوته لها نهجاً أ ُممياً هي في حقيقتها الصورة التي آلت اليها الأوضاع في العالم بمفهوم جديد واسم مغاير أطلق عليها العولمة. وكانت بريطانية قد سبقت الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في تبني نظام مارسته لاكثر من قرنين من الزمان استطاعت خلاله ان تسيطر على الكثير من اقطار العالم كما استطاعت من خلال هذا النظام ان تتدخل في شؤون العديد من تلك الدول شرقا وغربا في انحاء الكرة الارضية واطلقت على هذا النظام اسم الماسونية واطلقت على قياداته بالمحفل الماسوني 00 وقد تهافت على هذا المحفل الالاف من مواطني تلك الدول حيث استطاعوا عن طريق انتسابهم لذلك المحفل بتبؤء العديد من المناصب العليا في تلك الدول بترشيحهم من قبل الادارة البريطانية التي تتمتع بنفوذ كبير فيها وغدى الامر في نهاية المطاف ان لايعين أي مسؤول كبير في تلك الدول التي تتمتع في بريطانيا بنفوذ فيها الا بموافقتهاوعن طريق المحفل الماسوني ووصل الامر حتى الى تعيين الوزراء ورؤساء الوزارات عن طريق ذلك المحفل 00 واستمر الحال ختى قيام الحرب العالمية الثانية حيث بدأ مركز هذا المحفل يضعف ويتجه الى الافول بظهور قوتان جديدتان هي قوة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي 00 حيث تبنت الاولى النظام الرأسمالي واعلنت عن مشاريع عديدة مدعية فيه مساعدة الدول المتتظررة من الحرب كمشروع مارشال 000 وتبنت الثانية وهي الاتحاد السوفييتي النظام الشيوعي ورفعت شعار الدفاع عن الفقراء والفلاحين والعمال 00 وبذلك انحسر المحفل الماسوني وتقلص عدد اعضائه 00ثم تمكنت الولايات المتحدة من تمزيق شمل الاتحاد السوفييتي وتشتيت دوله 00 وبدأت باعلان شعار جديد وهو العولمة محاولة الهيمنة على العالم عن طريق هذا المشروع الاستعماري المخادع 000  فالعولمة  كما اعلن عنها هي ظاهرة المشاركة الشاملة لكل الناس الذين يعيشون ضمن هذا الإنفجار الحضاري الهائل على هذه الكرة الأرضية بغض النظر عن أجناسهم فهي ظاهرة مناهظة ومعارضة للعنصريات والقوميات وقد ظهرت نتيجة هذا التداخل والاختلاط بين مختلف أجناس الأرض مع بعضهم بفعل الهجرة والإنتقال لملايين الناس من مواطنهم الأصلية التي كانوا يعيشون فيها ضمن أجناسهم وعشائرهم وقبائلهم حيث تركوهم وغادروهم الى بلدان أخرى تختلف في أ ُصولها وجذورها عن أ ُصولهم وباجتماع تلك اللآف من الأجناس المختلفة أخذت تذوب تلك المشاعر والأحاسيس القومية ونشأت بدلها مشاعر وأحاسيس بل وحتى قيم وتقاليد جديدة تختلف عن ماكانوا يحملونها ويؤمنون بها نتيجة هذا الاندماج الجديد مع هذه الأجناس المتنوعة من البشر من مختلف أقطار العالم وأخذت تتكون لديهم تقاليد وقيم وأعراف جديدة وبهذا فقد أخذت تبرز معالم مايطلق عليها اليوم بالعولمة. كما كان الدور الفعّال في ترسيخ هذه الظاهرة الجديدة شبكة الاتصالات المختلفة من مرئية وسمعية انتشرت في أرجاء العالم والتي كان للأقمار الصناعية الدور المباشر لتوثيق الصلة بين مختلف الناس كي يتعارفوا فيما بينهم عن طريق هذه الوسائط ويؤسسوا مختلف الروابط والتعاملات الاقتصادية والعلمية والثقافية وتعرف بعضهم أكثر فأكثر على ثقافات غيرهم من الأقوام وبالعكس وهكذا أضحت هذه الظاهرة واقعاً ملموساً على هذه الكرة الأرضية . ثم أن من أهم ظواهر العولمة هو انحسار الزعامات المحلية وتضاؤل قوتها ونفوذها التي كانت تتمتع بها في العقود المنصرمة ، وبدأت تنشأ قوة جماعية عالمية خاصة بعد الحرب العالمية الأولى حيث تأسست عصبة الأمم ومع انها لم تدم طويلا ً ولأقل من عشرين سنة حيث قامت الحرب العالمية الثانية ضد المانيا النازية بزعامة هتلر وانهيار عصبة الأمم ومع ذلك فقد كانت اللبنة الأولى في تكوين مفهوم العولمة حيث لم تعد الدول في معزل عن بعضها بل وجدت أن لابد لها أن تتقارب وتأتلف في كيان عالمي جديد يمنحها القوة ويشكل لجميع أطرافها من الدول المنظمة الى هذا الكيان الجديد درعاً واقياً وحامياً من محاولة أي دولة من التمرد على هذا النظام العالمي او الاعتداء على أحد أعضائه . فبدأت منذ ذلك الوقت تبرز ملامح العولمة وتظهر بشكل واضح وجلي هذه الأيام ثم تأكد حاجة الدول للتكاتف والتآزر بعد الحرب العالمية الثانية حيث تأسس اضافة لهيئة الأمم المتحدة الذي يضم جميع دول العالم تشكل مجلس الأمن من دول خمس دائمية وعشر دول متغيرة الذي منح لنفسه الصلاحيات المطلقة لأتخاذ الأجراءات التي يراها مناسبة للحفاظ على الأمن الدولي بالعولمة بإعتبارها مبادىء تمس جميع سُكان الأرض بدون التمييز للجنس والعرق كما اصدرت لائحة  حماية حقوق الإنسان وهذه كلها مبادىء ترتبط إرتباط وثيقاً بالهيئة العامة للامم المتحدة والمجلس المنبثق عنه وهومجلس الامن  فقد تصدى فعلاً للعديد من الدول خاصة ً بعد تشــكيل القوات الدولية العسكرية وجعلها تحت إمرتهِ  ( أي مجلس الأمن ) بشكل مباشر كما شكل اخيرا المحكمة الدولية لمحاكمة المخالفين ومرتكبي الجرائم بهما كانت مناصبهم ومراكزهم في دولهم  00 فقد كرّست هذه الظاهرة مفهوم العولمة إضافة لأجهزة الإتصالات المختلفة التي ذكرناها كما بدأت جميع النشاطات الإجتماعية والإقتصادية والعسكرية والإنسانية والصحية تتأثر وتتفاعل بترابط قوي . فأننا نجد اليوم ومن هذا المنطلق كأن العالم قد أضحى كعائلة واحدة ولربما سوف لن يمر وقت طويل حتى يغدوا العالم كلهُ محكوماً من قبل هيئة واحدة تمتلك جميع السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية. وقد استطاعت المحكمة الدولية التي من محاكمة رئيس الدولة الصربية والعديد من القادة في بعض الدول وإصدار أمر القبض حتى على رؤسائها وهذا دليل قاطع على تنامي قوة ظاهرة العولمة وتهاوي سلطات الدول والإمارات والممالك والزعامات المحلية والإقليمية وسوف يأتي اليوم قريباً ليصبح رؤساء الدول ليسوا أكثر من موظفين إداريين يأتمرون بقوة السلطة الدولية العالمية التي تمثل العولمة بأجلى مظاهرها وتكون هذه السلطة الدولية قد إستنفذت جميع أركانها وتصبح ليست مجرد مفهوم معنوي بل حقيقة واقعة ولاندري هل سيكون ذلك في صالح الإنسانية أم سيزيد من متاعبها ومصائبها وآلامها وغدٌ لناظرهِ قريب..   كتب بتأريخ :  الثلاثاء 17-08-2010     عدد القراء :  2120       عدد التعليقات : 0