كل هذه الكوابيس .. وينامون رغدا !
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

بينما يتفاقم المأزق السياسي في البلاد، يتعاظم سخط الناس جراء معاناتهم المريرة، وتستفحل الأزمة المعقدة لأسباب عديدة أولها إصرار القوى المتنفذة على مرشحيها للمناصب، وهو ما يزود الصراع السياسي العقيم بأدوات ديمومته من ناحية، ويضع في أيادي قوى الارهاب فرصاً ثمينة لتنفيذ جرائمها من ناحية ثانية.

ويرتبط الصراع المحتدم على تشكيل الحكومة، وهو صراع اجتماعي على الثروة والنفوذ والامتيازات، بمنهجية المحاصصات الطائفية والاثنية المقيتة، عاكساً تحالف ثقافة التخلف السائدة مع سلوك السياسيين المتنفذين ولهاثهم وراء المغانم.

وإذا كان هذا الصراع مستتراً، فقد بات اليوم مفضوحاً الى حد كبير، وخصوصاً الصراع على منصب رئيس الوزراء. وراحت لغة التخاطب بين السياسيين المتنفذين تتخذ مساراً أكثر حدة، كاشفة عن ازدواجية السلوك والتفكير، واللجوء الى الصفقات خلف الكواليس، وممارسة تبادل الاتهامات بالاستحواذ والتآمر والنيات المبيتة وإثارة الفتن والخضوع لأجندات خارجية وما الى ذلك مما يبعث على الاحباط.

في هذه البلاد، المبتلية بمصائب لا نظير لها، كارثتان، الأولى فعلها "المحررون" فمهدوا بها للثانية التي فعلها "المقررون".

فما الذي فعله "المحررون" مما يخزي ؟ سنشير الى ما هو غيض من فيض للتدليل على الكارثة التي ألحقوها ببلادنا.

فقد اختاروا الحرب وسيلة وحيدة لاسقاط الدكتاتورية، واتخذوا قرارات خطيرة أسهمت في انهيار الدولة وسيادة الفوضى، ووفروا أثمن الفرص للارهابيين وسائر الظلاميين، وابتكروا منهجية المحاصصات، وأشاعوا الفساد وحرب الطوائف، ومارسوا التخبط السياسي، وأخفقوا في إعادة الاعمار، وبددوا الأموال الطائلة، واضعين بعضها في جيوب النهّابين، وبرعوا في شراء ضمائر "سياسيين" و"مثقفين"، وفعلوا ما فعلوا من مخازٍ يندى لها الجبين (ألمحتلٍ جبين يندى لخزي !؟). وبات كل همهم اليوم الخروج من المأزق ومغادرة هذه البلاد التي تحولت الى شبح يلاحقهم بكوابيس لا تنتهي.

جاؤوا فاتحين لا محررين، وجلبوا معهم كل كارثي ومشين، وأولهم الارهابيون، الذين أخفق سادة البيت الأبيض في دحرهم والقضاء على شرورهم. ولا حاجة بنا الى التذكير، في سياق هذا التاريخ الممتد الى عقود، بأولئك الظلاميين الذين جلبتهم السي آي أي الى أفغانستان، وبتمويل اقليمي مفضوح، تحت ذريعة مكافحة النظام الشيوعي، ثم انقلب السحر على الساحر، والقصة معروفة.

يريدون إيهامنا، نحن المساكين، بأنهم جاؤوا بالديمقراطية، ولكننا نعلم علم اليقين وبالتجربة، أنهم جاؤوا بالطاعون، وهو ما فعلوه منذ هيروشيما وفيتنام حتى يومنا. وكل من يظن أنهم جاؤوا "محررين" و"بناة ديمقراطية" إما واهم أو منتفع من مجيئهم ووجودهم. وليس عسيراً أن نجد في بلادنا واهمين أو منتفعين.

وما الذي فعله "المقررون" مما يخزي ؟ سنشير الى غيض من فيض للتدليل على الكارثة الثانية التي ألحقوها بالبلاد وبالعباد.

هل نبدأ بالمحاصصات الطائفية والاثنية وعواقبها الوخيمة، أم بانهيار الأمن وانفلات الارهاب، وتفشي الفساد والنهب والبطالة، وغياب الخدمات الأساسية، أم بالخراب المادي والروحي المروع، ومآسي الأرامل واليتامى والمعوقين، ومعاناة الملايين من الضحايا والمحرومين ومن هم تحت خط الفقر، وتجاهل إرادة الناس والضحك على ذقونهم، أم بخيبة الأمل من السياسيين المتنفذين، فاقدي المصداقية، ممن لا تهزهم إلا رياح المغانم، أم من النعيم الذي به يرفلون، بينما الملايين في جحيم المعاناة يتلظّون ؟ ألا يكفي ما نراه، اليوم، من صور مفجعة لصراع محبط ومخزٍ على تشكيل حكومة "الشراكة الوطنية" ؟

ووسط هذه الرزايا لا يحتاج منصف الى كثير عناء ليرى أن حالة الفراغ السياسي والأمني الحالية هي السبيل الى تدهور الأمن وانفلات الارهاب وقواه الوحشية، وهو ما يتحمله السياسيون "المقررون"، ناهيكم عن "المحررين". فمسلسل الارهاب مستمر مادام المأزق السياسي مستمراً، ومادام السياسيون المتنفذون غير مبالين بهذا الاستمرار. ومن غير المتوقع أن تكون مذبحة باب المعظم آخر المذابح، مادام السياسيون المتصارعون عاجزين عن إبداء أي شعور بالمسؤولية، واتخاذ إجراءات سياسية وأمنية واقتصادية وثقافية رادعة حقاً، وماداموا منغمرين في صراع الامتيازات واللامبالاة بإرادة ومعاناة الملايين، وهو ما يشكل حافزاً للارهابيين على استغلال الفراغ السياسي والأمني والفرص المتاحة لهم، لأكثر من سبب، وبينها فرص عشية الانسحاب الأميركي، لتنفيذ جرائمهم ومواصلة إشاعة التدمير واليأس.



* * *

من المؤكد أن الأزمة لن تحل على النحو الذي يضمن مصالح البلاد وينقذ الملايين من المعاناة، بل ستكون هناك حلول ترقيعية تضمن لكل طرف متصارع متحاصص ما يمكن أن يلبي، آنياً، حصوله على مغانم، ويوقف، ولو مؤقتاً، لهاثه وراء امتيازات. ولا يمكن لهذا الحل الأعرج أن يحقق الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تحتاجه البلاد كشرط للخروج من أزمتها.

يبدو أن "المتنفذين" عاجزون عن الشعور بقدر من الحياء، ولهذا فانهم يفعلون ما يشاؤون. وما لم يتوفر هذا الحياء لدى السياسيين "المقررين" فان سفينة البلاد ستظل في مهب الريح.

كل هذه المآسي، ولا يبالون إلا بمغانمهم ..

كل هذه المذابح، ولا يرف لهم جفن ..

كل هذه الكوابيس، وينامون رغدا ..

أللهم رفقاً بعبادك يا ذا الجلالين !

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 24-08-2010     عدد القراء :  1963       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced