نساء في ألمهجر.... شيماء
بقلم : د. سداد جواد التميمي
العودة الى صفحة المقالات

لم يكن يوم شيماء كغيره من ألأيام، و قد سيطر عليها أحساس غريب و جديد لا سابقة لها به. منذ ساعة أو أكثر و هي تتصور نفسها على مسرح بمفردها لا يشاركها أحد، العلم كله جالساً على مقاعد ألصالة ينظرون أليها بصمت. بعدها تضاعفت هذه ألمشاعر ألغريبة و أحست شيماء بان دورها في هذا ألعرض مجهول و ألأشد غرابة بان ألجمهور ينظر أليها بصمت و لا ينتظر منها أداء إي دور. حاولت أن تتحرك صوب جمهورها و أحست بعجز في ألحركة و باب زجاجية لا يمكن ألتحرك صوبها تفصلها عن ألجمهور. لم تتوقف هذه ألمشاعر لساعات عدة و معها تلاشت كل ذكرياتها. أحست شيماء بالاختناق و نزلت من غرفتها و هي صامتة حتى استقبلتها أمها ألتي فوجئت بابنتها و قد تحولت من فتاة في ألسادسة عشر من ألعمر إلى طفلة لم تتجاوز ألأربع سنوات في كلامها و نظراتها و حركاتها.
.....
رقدت شيماء على ألسرير في ردهة للأطفال في مستشفى تعليمي مستمرة في صمتها و محاطة بوالديها.
" ما ألذي حدث يا شيماء ؟ .... هل أنت قلقة بشان نتائج الاختبارات ؟.". و أجابت أم شيماء ألسؤال بدل ابنتها قائلة: " نتائجك باهرة... و قد وعدتك بشراء شقة في إي مدينة جامعية في ألمستقبل".
استمرت شيماء في صمتها، و كان دور والدها سائلاً:” هل هددك احد عبر ألانترنت من خلال ألنقاش ألديني ألذي تشرفين عليه منذ أشهر؟".
لم يتوقف ألوالدين عن توجيه ألسؤال بعد ألأخر و شيماء عل صمتها موجهة بصرها نحو ألسقف. .زارها أكثر من طبيب، و نصح كادرها ألطبي ألوالدين بمغادرة ألمستشفى و أطمأن ألوالدين بان حالات ألصمت ألمؤقت ليست بالنادرة في ألأطفال و حتى ألمراهقين جراء إرهاق جسدي و نفسي.
.....
بعد ساعة من ألنوم صحت شيماء و بدأت تسترجع لقطات من حوادث أليوم. كانت صورة و اسم رجل ظهر على موقع ألانترنت بداية لعرض سينمائي و كأنه فلم كتبت هي قصته، لعبت فيه دور ألبطلة، أشرفت على أخراجه، و لكنه فشلت في عرضه. كان ألفلم مشوشاً فهو أحياناً ملوناً و أحياناً بدون ألوان. لم يكن بمقدرتها معرفة بدايته و نهايته. لم تعرف من كان يشاركها في ألتمثيل و لكنها كانت على يقين بان اسم هذا ألرجل و صورته في هذا ألفلم ألذي لم يتسنى لها عرضه. لا شك بان هذا ألفلم لا يجوز عرضه لأحد قبل أن تتأكد شيماء من دقة تصويره و مصداقية حوادثه و إن كان جمهور ألبشر من حولها سيشاهده بدلا من ألقنوات ألفضائية في شهر رمضان.
.....
لم تكن تلك ألمرة الأولى التي أثار ألاسم ماجد مشاعر في داخلها لم تحسن تصنيفها منذ أكثر من سنتين. طالما سمعت موعظة ألصبر من ألوالدين وعبر شاشات ألتلفزيون ينطق بها أكثر من داعية. بدأت شيماء بتنصيف ألمشاعر ألتي تتولد في داخلها عند رؤية أو سماع كلمة ماجد. يمكن أن تكون تلك ألمشاعر مزيج من ألقلق، ألكآبة، ألخوف، و ألغضب. لا شك إن ألغضب هو ألأقوى و لكن الصبر مع ألغضب يولد طاقة لا بد من توجيها في أحد اتجاهين: أما صوب من هي غاضبة منه و إما صوب نفسها و جسدها. طالما راودتها نفسها بجرح ذراعيها أو ساقيها فعسى خروج ألسائل ألأحمر من جسدها يجذب معه ألغضب بعيداً حيث لا تشعر به. طالما أحست بالضيق قبل موعد عادتها ألشهرية و ألارتياح بعدها، و لكنها تورعت من جرح جسدها و إلا فسدت طهارتها.
.....
كانت رؤية صورة هذا ألرجل على موقع ألإنترنت يلقي بمواعظه و أرائه ألدينية مثيراً لغضبها و بصورة يصعب تفسيرها. كانت تلك ألرائحة قد طغت على غرفتها و كأنها إشعاع صادر عبر شاشة ألكمبيوتر. كانت رائحة إنسان يعرق بشدة و مثيرة للاشمئزاز و مولدة للغضب. كانت هذه ألرائحة بداية لتسجيل هذا ألفلم ألسينمائي ألمرتبك و ألذي عزلها فجأة عن من حولها بل و من ألدنيا بأسرها. لكنها رغم كل هذا تسمع و تشاهد و تستوعب ما يجري حولها. استمرت شيماء في صحوتها و هي راقدة على سرير ألمستشفى و لا تزال منفصلة عن محيطها، و مقاطع ألفلم ألذي تمثله و تخرجه أصبحت أكثر وضوحاً.
......
بداية الفلم السينمائي صورت طفلة تتهيأ صباح كل سبت للذهاب الى موقع يطلق عليه مدرسة عربية تتميز بقلة عدد طلابها، و برودة غرفها. كان الطلبة يتكلمون الإنكليزية خارج ألصف و يستمعون الى مزيج من ألعربية و الإنكليزية في داخل ألصف. كان الدرس ألأول في اللغة العربية يتبعه درس في ألدين ومن ثم درس في التاريخ. كان مدرس التاريخ يدعى الأستاذ ماجد. كان صارما معها ومع بقية الطلبة. ألكل من بلد واحد لم يولودوا فيه، ومن طائفة واحدة لا يفهمون مصدرها.

.....
بدأ ت مشاهد الفلم تتغير وها هو الأستاذ ماجد يطلب من ألطفلة البقاء في الغرفة بعد انتهاء الدرس لتوبيخها لرداءة واجبها ألبيتي. توقف الكلام في الفلم و تم استبدال الصوت بصمت رهيب يصاحب حركة يد الأستاذ ماجد على جسد تلك ألطفلة كتيار كهربائي لا يولد طاقة سوى الخوف و شلل ألحركة. أستمر ألعرض ألسينمائي ألصامت لعدة دقائق و فجأة انتهى الفلم و بدأت اسماء ابطاله بالظهور. كانت ألبطلة شيماء و ألمخرج شيماء و ألمنتج شيماء.
......
أنتهى ألعرض ألسينمائي في ألصباح و كان الفلم مرعباً. أستمر تصوير الفلم لمدة سنة كاملة و انتهى التصوير بفشل هذا ألمشروع ألدراسي في الاستمرار و التمويل. بعد التصوير تم التحميض تحت أشراف شيماء بسرعة و تم إخفاءه في مخزن نست موضعه، و سعدت بنسيانه. و لكن الحياة فجأة أوصلتها ألي حافة نهر لا بد من عبوره للوصول الى شاطئ ألنضوج ألعاطفي و العضوي. فجأة تذكرت أن هناك فلم تم تصويره و لا تدري هل يجوز عرضه على الناس ؟. كيف سيصنفه الرقيب؟. هل هو صالح للعرض على ألأهل و الأقارب ؟ ماذا سيكون نقدهم ألسينمائي لهذا الفلم ؟. هل سيكون مصير شيماء كمصير إيزابيل و تصبح نواة خطيئة لا بد من التخلص منها.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 06-09-2010     عدد القراء :  1962       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced