هل للعنف جين ؟؟
بقلم : الدكتور جبار ياسر الحيدر
العودة الى صفحة المقالات

ظاهرة الكتابات العنيفة العدائية القاسية
لقد اصبح العالم قرية صغيرة بفضل التطور التكنولوجي الحديث واصبح بمقدور الانسان ان يحاكي من يشاء وبأي اسلوب يرتأيه من خلال شاشة صغيرة ولوحة ازرار طباعة وعلى بعد آلاف الاميال ومن اي مكان في العالم ، هذه المحاكات شيئ مألوف بين ابناء البشر ولكنها كانت محكومة بمجموعة من القيم الاجتماعية والمثل والاخلاق المكتسبة والموروثة وهي ما نسميها ( بالعيب ) و ( الخجل ) و ( الحياء ) يعبر عنها بصدة العينين للمقابل وحتى في بعض الاحيان لو كان هذا الانسان غير سوي ، أي ان هنالك رادع اجتماعي متعارف عليه للحد من العدوانية والعنف بجميع اشكاله . ولكن هذه الايام وللاسف الشديد نرى بعضا من مجانين الكومبيوتر يحاكون الاخرين وهم بعيدون عن ما اسميناه بصد العيون وعوامل العيب والخجل والحياء فيرسلون ايميلاتهم بعناوين حقيقية او وهمية الى اناس آخرين بقصد الايذاء والازعاج او الاعتداء او للحط من قيمتهم واسقاطهم اجتماعيا وسياسيا زورا وبغتانا بعيدا عن القيم والاخلاق ، وبالحقيقة هم يحاكون الشاشة الصغيرة بضغطهم على ازرار الطباعة وهنا يتحكم به العقل والتكوين الجيني وتركيباته الكيميائية ... فترى الانسان السوي والملتزم انسانا طبيعيا بمحاكاته الانسانية ولا يلجأ الى هذه الاساليب الدنيئة ، وعكس ذلك ترى من هو غير سوي يحاكي الناس بطرق عنيفة وعدائية بدون وازع  من ضمير بلا رادع اجتماعي متوهما انه بعيدا عنهم وعن العدالة الاجتماعية والقانونية ، وهذا التفكير يدل دلالة قاطعة على انه غير سوي ومريض عقليا ونفسيا ويحتاج الى معالجة طبية .. وهنا نتسائل ما هو هذا المرض وهل له علاقة بالتكوين الجيني ؟ او بمعنى آخر
هل للعنف جين ؟؟
نقول نعم للعنف جين ، ولكن هل يصنع هذا الجين سلوك الانسان او تصرفه ؟ كلا ، وهل يؤثر هذا الجين بمفرده على هذا السلوك ؟ نعم
وحول موضوع العنف االكلامي والعنف الجسدي وعلاقته بالجينات لقد نشر احد الاصدقاء الباحث العلمي الدكتور الصيدلي بهجت عباس بحثا علميا قيما في آب من العام الماضي على المواقع الالكترونية هذه خلاصته :::-؟
اذا عرفنا ان تصرف الانسان او الحيوان مرتبط بدماغه ، وهذا الدماغ يعمل بواسطة مواد كيميائية تفرزه خلاياه ، فان اي ( ارتباك ) في هذه العملية يؤدي الى انحراف في السلوك سواء كان هذا الانحراف او التغيير في وظيفة الدماغ لفائدة حامله أم في ضرره، ومن بين هذه الانحرافات هو العنف . يمكن ان نعرف العنف بأنه الاعتداء على الاخرين سوا ء كان ماديا ( جسديا ) أم معنويا ( كلاميا ) وهو موجود عند البشر منذ ان فتك قابيل باخيه هابيل ، ولكن شعوب العالم تتباين من حيث النسبة والشدة والنوع

أما المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ والتي تسيطر على فعاليته او وظيفته فتسمى بالنواقل العصبية

neurotransmitters

وهي متخصصة ويقدر عددها بخمسمائة ناقل ، لذا يكون ثمة 500 مجموعة من الخلايا العصبية موجودة في الدماغ . والناقل الكيميائي ينقل الاشارات بين الخلايا العصبية عبر فجوات خلوية تسمى

synapses

فالناقل الكيميائي السيروتونين يكون مسؤولا عن المزاج والشهية والنشاط الجنسي والنوم

والنورادرينالين مسؤولا عن الهم والغم مرتبطا بعمل الجهاز العصبي (العطوف) اوالسمبثاوي

بينما الدوبامين فينظم العاطفة وهو في الحقيقة مركز الانشراح والطرب عند الانسان

ولكن هنالك خميرة ( انزايم ) تسمى مونوأمين أوكسديز

monoamine oxidase

هذا الانزايم ينظم عمل النواقل الكيميائية بتحطيم الفائض منها فتحولها الى مواد غير فعالة او بمعنى آخر تسيطر على فعاليتها

واذا عرفنا ان كل خميرة هي بروتين لها جين خاص يتوسط بصنعها فسيكون لهذه الخميرة جين ايضا . لقد اكتشف هذا الجين العالم الهولندي هانز برونر بالتعاون مع زاندا بريكفيلد من ماساشوسيت في اوائل هذا القرن حيث وجدا انه يقع على الذراع الطويل للكروموسوم (أكس واي) ، ولما كان ( أكس ) هو التركيب الجيني الجنسي للرجل بنسخة واحدة تورث من الام فقط لذا يوجد هذا الجين في الذكر 

أما الانثى فهي تملك نسختين من ( أكس أكس ) لتركيبها الجيني اي انها تملك كروموسومين وقد وجد حديثا ان هذه الخميرة تلعب دورا كبيرا في تصرف الانسان وخصوصا العنف حسب كميتها الموجودة في الدماغ 

وتؤثر البيئة على هذا الجين ، فهي تتفاعل معه وتؤثر على فعاليته فقد تطفئ فعاليته او توقدها وهنالك جينات منظمة (بكسر الظاد المشددة) تنظم عمل جينات اخرى وهي تتأثر بالبيئة ايضا 

يوجد جين مونوامين اوكسيديز بنسختين ، نسخة منها تنتج كمية كبيرة ( عالية الفعالية ) من هذه الخميرة ونسخة تنتج كمية صغيرة ( واطئة الفعالية ) وهذه الاخيرة هي جين العنف ، ولما كان الذكر يملك نسخة واحدة من هذا الجين وقد يكون هذا الجين من نوع واطئ الفعالية فالاحتمال اكثر ان يكون عنيفا من الانثى التي تملك نسختين ، اما الانثى التي تملك نسختين فان كان احداهما واطئة الفعالية فتعوض بالنسخة الاخرى عالية الفعالية ، وقد تورث الانثى نسختين خاملتين من هذا الجين فالعنف يكون ديدنها

وقد تبين من دراسات قام بها باحثون آخرون مثل افشالوم كاسبي من معهد لندن للدراسات النفسية في سنة 2002 ان بعض الاولاد الذين يساء اليهم في طفولتهم ينشأون طبيعيا اذا كانوا يحملون الجين غير المشوه وبعضهم يكون عنيفا في تصرفاته اذا كان الجين الذي يحمله الطفل مشوها . أما الاشخاص الذين لديهم كمية كبيرة من بروتين مونوامين اوكسيديز فسيكونون محصنين من العنف ، أما الذين يكون هذا البروتين بفعالية واطئة فاذا اسيئ اليهم اثناء طفولتهم فسيكونون اقل امتزاجا بالمجتمع واربع مرات اكثر عنفا ومسؤولية عن الاغتصاب والسرقة والاعتداءات ، وبمعنى آخر ان الاساءة وحدها للطفل ليست كافية فيجب ان يكون ثمة جين واطئ الفعالية ، كما ان هذا الاخير ليس كافيا وحده للعنف بل يجب ان تكون هنالك اساءة مصاحبة له .... وان الاساءة ليست مقصورة على الاساءة اثناء الطفولة فقد تكون في اي  مرحلة من العمر كالاضطهاد السياسي والتمييز العنصري والاقتصادي وغير ذلك

أما لماذا تكون النساء اكثر كآبة من الرجال ، فانها تعود الى كثرة افراز هذه الخميرة ( اذا كانت النسختان من هذا الجين عالية الفعالية ) فتحطم النواقل الكيميائية الثلاثة المذكورة في

اعلاه ، لذا يجب استعمال ادوية مثبطات المونوامين اوكسيديز 

Mono Amine Oxidase Inhibitors (MAOI) 

لتكون ثمة كمية كافية من هذه النواقل التي تسيطر على العاطفة والانشراح والاتزان

 

واخيرا أرجو للقراء الكرام تمام الصحة وان يجنبهم من نسخة جين العنف الذي يتوسط في صناعة انزايم مونوامين اوكسيديز بكمية صغيرة وواطئ الفعالية ، وهنيئا للمرأة لامتلاكها نسختين من الجينات المسؤولة عن صناعة كمية متوازنة من هذا الانزايم الذي يجنبها العنف او الكآبة .....؟

  كتب بتأريخ :  الخميس 30-09-2010     عدد القراء :  2181       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced