المندائيون في هجراتهم فوق الغيوم .........!
بقلم : نعيم عبد مهلهل
العودة الى صفحة المقالات

أحتضن الجنوب العراقي أبناء هذه الطائفة كما تحتضن الأم وليدها البكر ، وعاشوا على الأديم العذب والمالح لمياه الرافدين دون أي شعور بالتذمر والبطر والغرور ، ولكنهم مع التطور المدني والحضاري الذي شهده العراق بعد الحكم الوطني وتطور المرافق الحياتية وتهيئ آفاق التعليم العالي للكثير من أبناء الطائفة بدأت بعض الهجرات المتفرقة من أماكن الأزل الى العاصمة حيث هاجرت بعض العوائل المندائية من العمارة والناصرية وسوق الشيوخ والكحلاء وقلعة صالح والحلفاية والبصرة الى بغداد لأسباب حكمتها الوظيفة وحصول البعض على شهادات جامعية عالية توجب عليهم الانتقال الى العاصمة والعيش فيها ،والبعض قاده تطور الحياة ورفاهيتها وتحسن المستوى المعاشي عندما كثرت الأسواق في بغداد ومنها سوق الصاغة الشهير في شارع النهر اللصيق بشارع الرشيد من جهة نهر دجلة وكان اغلب صاغته هم المندائيون.
وفي الحرب العراقية الإيرانية بدأت هجرة مندائية كبرى للعوائل بسبب ظروف الحرب ونتائجها عندما كان الكثير من المندائيين يسكنون في مدن قريبة من جبهات الحرب كما في قلعة صالح التي كانت يقع فيها مقر الفيلق السادس ،والكحلاء التي كانت مقرا لفرق قتالية للفيلق الرابع ، فيما هاجر صاغة منطقة العشار الى بغداد بسبب وصول قذائف المدافع الإيرانية الى أماكن رزقهم لاقتراب العشار من جبهة القتال في معارك شرق البصرة وبحيرة الأسماك.
فيما لم يهاجر من عوائل المندائيين في الناصرية وسوق الشيوخ إلا القليل وأكثرهم في فترة الحصار الاقتصادي على العراق نتيجة للكساد وعزوف الناس عن شراء الذهب بسبب قلة الموارد المعشية وانتشار الفقر والعوز وخاصة بين موظفي الدولة الذين كانوا أهم زبائن الصاغة. وتحول سوق الصياغ في المدينة الى سوق للنجارين والحدادين والمواد الإنشائية ، بعد أن باع الصاغة محلاتهم وفضلوا بغداد سكناً ، وآخرون بدأت عندهم نوايا الهجرة الى أوربا والتي شهدت في منتصف التسعينات موجة من اللجوء وخاصة في السويد وهولندا واستراليا ،ولديهم اليوم جاليات كبيرة في هذه المناطق تزايدت بشكل كبير بعد الغزو الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003 عندما تعرض الكثير من أبناء الطائفة الى حملات تصفية وقتل وتهديد منظم من قبل الجماعات الإرهابية التكفيرية ، فكان أن دفع الكثير من أبناء الطائفة وبينهم رجال دين حياتهم ثمنا لبعض الفتاوى التكفيرية والمتخلفة التي تدعوهم الى مغادرة العراق أو يعلنوا إسلامهم . ولم تفعل الدولة شيئا فعالا يحميهم وتركتهم يحملون حقائب السفر والتهجير بعد أن تركوا بيوتهم ومحلاتهم وخاصة في منطقتي البياع والعامل حيث تكثر العوائل المندائية التي سكنت بغداد ،وكان اغلبهم استقر في منطقة جرمانا في سوريا ،وكأنها هجرة مضادة الى أماكن النشوء الأول للديانة حيث يقع قبر نبيهم يحيى ( ع ) ، ففضلوا الاحتماء به على أمل عودة الاستقرار والعودة الى وطنهم وبيوتهم ومحلاتهم.
يعيش أغلب مندائي المهجر في أوربا وينتظر المندائيون في سوريا مع قوافل طالبي اللجوء أمام مكاتب الأمم المتحدة في دمشق ، وللمندائيين في المهجر جمعيات ثقافية واجتماعية ولديهم مواقع إلكترونية ومجلات ودور نشر ، ويعقدون مؤتمرات عالمية سنوية في محاولة جمع الشتات المندائي والتعريف بقضيتهم ومنها جمعية ناشطة تتوزع مكاتبها بين مالمو ولندن ونيويورك وهي اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر التي أصدرت كتبا ومنشورات حول الديانة المندائية وثقافتها ومن أهم هذه الكتب ( الصابئة المندائيين في الفقه الإسلامي ــ تأليف الدكتور رشيد الخيون ــ بغداد 2006 و ( رؤية وسياحة في المندائية النقية ــ تأليف نعيم عبد مهلهل ــ بغداد 2006 ) و ( الصابئة المندائيون ــ حاضرهم وماضيهم ــ تأليف الليدي دراوو ــ طبع دار المدى 2007/ دمشق) و ( عصافير الشارع المندائي ــ تأليف نعيم عبد مهلهل ــ 2008 دمشق).
مندائيو هذا الزمان بالرغم من حزن الشتات وعذاباته يمسكون أمل العودة الى منابع الحلم ، ويتمنى كبار مهاجريهم أن تحمل نعوشهم لتوارى الثرى في أمكنة السعادة والحلم حيث ارض الأجداد والضفاف الرافديني الذي يسقي لحظة بهجة طقس التعميد بنسائم مساء العراق. ولهذا هم يمسكون غصن الزيتون ويلوحون فيه الى أفق التمني أن يعم السلام في البلاد التي نطقت معهم هجائيتهم المندائية وصنعوا من أطيانها ألواح وجودهم ودمى طفولاتهم.
بين صابئة حران وصابئة المعدان وصابئة هذا الزمان يضيء الزمن شمعدان الأساطير وتبريكات الأنبياء وأحلام القصب والماء والترميذا الذي اعتمر البياض طريقا للوصول الى فسحة البهجة في حدائق العشب والسدر والنخيل.
هم باقون وسيظلون بالرغم من تعاقب الأزمنة وعاصفة العولمة ومتغيرات الآلة والاتصال ،لأن غنوصية الديانة وقوتها ستوفر لهم اتصالا سريا مع تلك السرمدية التي ظلت تنير لهم مصابيح الحياة وليبقوا خالدين مع أحلام أنبيائهم وكتبهم المقدسة.
انهم يركبون الغيوم في هجراتهم تواصلا مع التحليق الذي عاشته ارواحهم منذ نزل ادم ع ارض جنوب الحلم وحتى اللحظة.....!

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 12-10-2010     عدد القراء :  2030       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced