ميكافيلية الشعوب
بقلم :
العودة الى صفحة المقالات

ميكافيلية الشعوب



كتب ميكافيلي كما نعلم اربع كتب هي الامير ومطارحات ميكافيلي وزمن الحرب وتاريخ فلورنسا وما ورد في كتابي الامير ومطارحات ميكافيلي يظهر ما وضعه هذا الرجل من تعاليم وتوجيهات قدمها للحكام بين فيها بعض الوسائل والاساليب الجهنمية والذكية في اخضاع الرعية وفرض الهيمنة الكاملة على جميع المواطنين الذين يحكمهم الحاكم سواء ان كان هؤلاء الافراد مواطنون عاديون او من اصحاب المراكز في السلطة على أي مستوى كانوا في المراتب العليا الرفيعة  او الدنيا من هذه المراكز وقد كانت والحق يقال تعاليم ناجحة وموفقة الى حد كبير استفاد منها حكام زمان ميكافيلي او الذين اتوا من بعد زمانه وحتى اليوم وخاصة المستبدين منهم الذين يحكمون شعوبهم حكما دكتاتوريا والذين يمثلون فئة الطغاة من اؤلاءك الحكام 00

ولكن لربما تكون تلك الافكار الجهنمية التي قدمها لاؤلائك الطغاة ذات فائدة للشعوب في نفس الوقت فيما اذا تستخلص منها الدروس وان تستوعبها بفهم دقيق فقد يمكنهم ان يرفعوها سلاحا مضادا في وجه اؤلائك الحكام والدفاع عن انفسهم فيما لو تمكنت الشعوب من استيعابها و احسنت استخدامها فتحبط محاولات المستبد من ان يرفعها سلاحا ضدها واغتصاب حقوقها والاعتداء عليها واستعبادها في الاخر فتكون قد فوتت  الفرصة لمن تسول له نفسه ان يقفز فوق ظهورها ويصعد على اكتافها كي يصل الى سدة الحكم ويتلاعب بمقدراتها 00لقد قرأنا وسمعنا عن الكثير من التسميات والافكار المثالية التي بقيت مجرد شعارات لم يستطع احد ان يضع لها تعريفا واضحا وثابتا وبذا فقد بقيت حبر على ورق فكثيرا ما نسمع عن الديمقراطية والشيوعية والوطنية والقومية وغيرها من العناوين والاسماء التي تطلق من افواه العديد من الساسة والزعماء ولكن لم يقدم ولو واحد من هؤلاء الساسة تعريفا مقبولا ومقنعا وواضحا يمكن ان يفهم منه المواطن الدوافع الحقيقية التي ينطلق منها هذا الزعيم وهذا السياسي حتى يمكنهم ان يضعوا انفسهم في خيار القبول او الرفض لمباديء ومنهاج هذا الزعيم او هذا الحاكم فالمهم في كل هذه الافكار الرنانة هي اليات التطبيق وجذورها في بعض الاحيان فالحكم الديمقراطي على سبيل المثال يطرحه معظم الساسة على انه الحكم الذي يبنى على عقد بين الشعب والحكومة يتفقان بموجبه الطرفان بان تتولى الحكومة ادارة شؤون الدولة 00 وهو بالطبع طرح خاطيء فعلاقة الشعب بالحكومة ليست علاقة تعاقدية بل هو مجرد تفويض زمني لنخبة من المواطنين يختارهم هذا الشعب من بين شرائحة كي يديروا مؤسساته مقابل اجر يتقاضوه ويكونوا تحت رقابته الدائمة فان اساء او اخطأ احد منهم استطاع الشعب في اي وقت من ازاحته ومحاسبته فالحكام ليسوا سوى اجراء فقط لا اقل ولا اكثر اما الحقوق والسلطات فانها يجب ان تبقى بيد الشعب ولا يمكن ان يتنازل عنها 00 وهذا ما يجب ان ينص عليه في الدستور الذي يشرعه الشعب وعلى السلطة الحاكمة مراعاته وعدم الخروج على أي بند فيه00 كما يكون كل ما في البقعة المحددة من الارض لهذا الشعب من موارد واموال هي ملك لكل الشعب ولا يحق لهذه الحكومة الاجيرة التصرف باي جزء اوشيء منها دون موافقة الشعب وحيث ان الشعب الذي قد يتجاوز الملايين لايمكنه ان يصدر قراراته بشكل جماعي كامل فانه ينتخب زمر من الناس من بين مواطنيه ايضا ولفترة زمنية ايضا تقوم هذه الزمر بمراقبة السلطة الحاكمة نيابة عن هذا الشعب وعلى هذه الزمر ان تقوم بواجبها بامانة ونزاهة وإلا فقدت ثقة الشعب فيها وازاحها واستبدلها بغيرها 00 فان استطاعت الشعوب ان تلزم حكامها بهذه المفاهيم ولا توافقهم بما يطرحونه هم لانفسهم بما يحقق مصالحهم تمكن الشعب ان يكون سيد نفسه في كل وقت ولا يسمح ان يتسلط على رقبته رجال فاسدون يغدرون به ويتسلطون عليه ويسلبونه حقوقه وحريته ويسحقونه كما يفعل اليوم العديد من الطغاة وبعض عملائهم من الشراذم 00 كما ان الزعماء الافراد يمارسون الظلم والقسر ضد شعوبهم فان الحكومات وبشكل جماعي قد تمارس نفس الظلم والاستبداد وتحت غطاء وشعارات وطنية او شعبية او تحت لواء الديمقراطية والحرية والاشتراكية كما كانت تفعل حكومات الاتحاد السوفييتي التي قهرت شعوبها اكثر من سبعين سنة تحت شعار الشيوعية والدفاع عن العمال والفلاحين مع انها كانت تسحق بالاف من اؤلاءك العمال والفلاحين وتصادر مجهوداتهم  وكما فعلت فرنسا بعد ثورتها المشهورة في 14 تموز سنة 1789حيث قال احد روادها ( ايه ايتها الحرية كم تراق باسمك الدماء ) حيث اعدمت معظم رجالها امثال ميرابوخطيب الثورة ومفكرها العظيم وغيرهم وكما تفعل اليوم العشرات من الحكومات باسم الديمقراطية وتطبيق العدالة الاجتماعية وهي تتصرف بعيدا كل البعد عن مباديء العدالة والديمقراطية 00 لقد مارس كل اؤلئك الزعماء والقادة ما طرحه ميكافيلي من اساليب ووسائل قمع واضطهاد وكبت وظلم واستبداد وهيمنة على شعوبهم 00بل لقد احتفظ العديد منهم بواحدة من كتب ميكافيلي على الاقل ووضعه تحت مخدته كي يهتدي به ويجعله دستوره الذي يحكم بموجب نصائحه هذه الملايين الغفيرة من شعوبهم 00 لقد بين ميكافيلي في اطروحاته التي اختص بها عائلة لورنزو بفلورنسا  التي عينته وزيرا ومستشارا لها الطرق والوسائل التي يستطيع بها الحكام السيطرة على شعوبهم فكان اول شعار رفعه هو( الغاية تبرر الوسيلة ) وهو الشعار الذي تبنته جميع الزعامات التي جاءت من بعده وحتى يومنا هذا ووضع من منطلق هذا الشعار العديد من البنود والفقرات التي يجب اتباعها كي يتمكن الحاكم من الامساك بزمام الامور وكان اهمها هو البطش ونسيان الرحمة وحذفها من قواميسهم والى الابد 00لقد استمد ميكافيلي تعاليمه في الحقيقة مما سرده تيتوس ليفي التي عالج تاريخ روما منذ انشائها عام 753 قبل الميلاد حتى عام 293 قبل الميلاد عندما كان دستور امبراطورية روما قيد البناء لان الرومانيين  قد اقاموا اطول امبراطورية عرفها التاريخ وقد فصل افكاره في تعليمات وقواعد ومفاهيم اضحت فيما بعد منهاجا لكل القادة والزعماء الذين جاؤوا من بعده وقد قال عنها بانها تمتاز بالبساطة واكتشاف الحقيقة ولا تهتم بما يقوله علماء الاخلاق وما يجب فعله وفي قائمة من كان يعارضهم ميكافيلي هو افلاطون الذي يتهمه بالمثالية اللا واقعية والخيالية بالاضافة الى دانتي وارسطو والقديس توما الاكويني 00- وبامكاننا ان نوصف اراء ميكافيلي بالاوجه التالية

1-العودة الى التاريخ بحثا عن حادثة قد يتكرر وقوعها مستندا الى اعتقاده بان احداث التاريخ تتكرر وفق ثوابت طبيعية لايستطيع المرء الخروج عنها 0

2-ارجاع نتائج الاحداث المتشابهة الى اسباب ثابتة 0

3- البحث والاستقصاء عن طبيعة هذه النتيجة هل هي في مصلحة الحاكم كي يلتزم بها او هي نتائج غير مرغوب بها كي يبتعد عنها 0

4- النظر في مفاهيم الاخلاقيين المثاليين ودراستها فيبرز سيئاتها كي يبتعد عنها الحكام واشعارهم بانها ستؤدي بهم الى كارثة 00  وعلى عكس ميكافيلي يقول دانتي ( عندما يعيش اكثر من شخص واحد لهدف واحد فيجب ان يكون احدهم حاكما والاخرون يكونون محكومين وهذا ما يؤيده ارسطو نفسه 0

ان كل ما اتفق معه ميكافيلي من رأي ارسطو هو ما قاله بان على الحاكم ان يظهر امام شعبه بشيء من المرونة والتعاطف معهم كي يكسب دعمهم وتأييدهم كما على هؤلاء الحكام ان لايظهروا مباذلهم وتهافتهم على ملذاتهم امام شعوبهم لكي يحافظوا على احترامهم لهم 00 كما يؤيد ميكافيلي نظام الرقيق ويدعم وجود طبقة من النبلاء 0 كما ان ميكافيلي يؤمن بان العمل السياسي نظام متحرك متدرج فكما ان الانسان له نسق ثابت في حياته حيث يولد وينمو ويكبر ثم يشيخ فان الحكم يسيبر وفق هذا النسق الطبيعي 00 وقد تطرق في كتب الامير الى العديد من النواحي الحياتية في انظمة حكم الامراء والزعماء فقد تطرق الى  الملكيات وصنفها الى نوعين وراثية وجديدة أي ان يرث ابن الملك ابيه الملك الذي يتوفى فيرثه ابنه في تاج الملوكية او ان ينصب شخص ملكا بشكل مباشر دون ان يكون ابيه ملكا او يرث الملك عن احد افراد عائلته وكذلك صنف البلدان الى ملكيات واحدة ومختلطة أي ان يكون الملك قابضا على عدة دويلات او امارات استولى عليها عن طريق القوة او بالاتفاق وشرح نتائج مثل هذا الحكم ووصفه بالضعف والهزال واعطى لكل هذه الملكيات صور ونماذج من الدول المتواجدة في حياته او التي سبقته في عمق التاريخ حيث بين كيف استطاع الاسكندر من الاحتفاظ بمملكة داريوس واضحى سيد اسيا 00 كما صنف انواع الاساليب التي اتبعتها الدول في حكم البلدان فمنها من حكمها السلطان بشكل مباشر كتركيا فالسلطنة هنالك يحكمها رجل واحد اما الاخرون مما يديرون البلاد فهم مجرد موظفون عنده يعزلهم متى شاء او يبدلهم غير ان الامر يختلف في مملكة  فرنسا فان الملك يحيط به عدد ظخم من النبلاء الاقدمين الذين يعترف بهم ابناء رعيتهم ويحبونهم ولهم امتيازاتهم الخاصة التي ليس في وسع الملك حرمانهم منها إلا اذا عرض نفسه للخطر ولكل حكم مزاياه وسيئاته 00 وقد صنف الدول التي كانت تعيش في ظل قوانينها الخاصة ثم وقعت تحت الاحتلال وكيف سيكون موقفها من المحتل وكيف يجب على الحاكم الجديد ان يتعامل مع شعوبها 00 ثم ذكر في البند السابع وتحدث عن الممالك التي يتم احتلالها بمساعدة الاخرين من داخل البلاد أي بمساعدة العملاء او المأجورين من اهل البلد انفسهم  او من خارجه من الدول والحكومات التي تشارك الحاكم في الهجوم على هذه البلاد المحتلة وهل سيتعامل مع شعوب هذه البلاد بالشدة والبطش او بمحاولة كسب رضاهم والتعامل معهم باللين واللطف فيتمكن من تغيير نظرتهم الى هذا الحاكم من نظرة المغتصب الى نظرة المحرر وهو ما تحدده طبيعة التعامل والمنفعة التي سيقدمها المحتل لهذا الشعب وطبيعة الشعب نفسه ومدى ثقافته فليس هناك قاعدة واحدة يتعامل بها المحتل مع كل الشعوب فلكل شعب موقفه المختلف  والطريقة التي يتم بها احتلال البلاد 00 وقد صنف في البند الثامن صورة اخرى للحكام ووضع الاسلوب الذي سيطروا به على  البلاد  في صفين الطريق المباشر الصريح والاستيلاء عن طريق النذالة والخداع وهو ما نشاهده في العديد من عمليات الانقلابات العسكرية التي يقوم بها نفر من القادة مع مجاميع من الضباط المتفقين معهم او عن طريق الثورات التي يقوم بها تنظيم شعبي او عدة تنظيمات يرفعون شعارات زائفة يخدعون بها شعوبهم من اجل كسب رضاهم ومشاركتهم في هذه الثورة كما حدث في ثورة اكتوبر السوفييتية حيث اشترك فيها الالاف من الفقراء والعمال والمسحوقين من الفلاحين ولكنها بعد ان انتصرت تغيرت الامور وخدعت كل تلك الملايين من الشعوب السوفييتية طيلة سبعين سنة حتى انهارت على يد كرباتشوف 00 وقد تحدث في الفصل التاسع عن الامارات المدنية واحال نشأتها الى تأييد الجماهير او طبقة النبلاء  الى هذا الحاكم عن طريق المكر والذكاء والكفاءة والاقناع وليس عن طريق العنف والجريمة فيفترض ميكافيلي وجود فئتين او شريحتين من الناس متعاكستين في كل بلد وينجم تعاكسهما عن رغبة الجماهير في تجنب طغيان النبلاء ورغبة النبلاء بنفس الوقت في التحكم والطغيان على الجماهير ومن هذا التضارب في المصالح المدنية تنشأ احدى نتائج ثلاث

اما قيام حكومة مستبدة او حكومة حرة او حكومة تفرض القيود والاجازات 0  وتتالف الحكومة الاولى إما من الشعب او من النبلاء ويتوقف تأليفها على الفرص النسبية التي تتاح للفريقين المتنازعين فعندما يشعر النبلاء بضعفهم وعجزهم عن مقاومة الشعب فتجدهم يتحدون ويختارون واحد من بينهم يمجدونه ويرفعونه الى سدة الحكم فيستطيعون تحت ظل سلطانه فرض ارادتهم 00 وعندما يعجز الشعب عن مقاومة النبلاء وعلية القوم يخلقون هم ايضا شخصية يرفعونها الى سدة الحكم فيشعرون بالحماية تحت سلطانه وان الحاكم الذي يرفعه النبلاء يلقى المتاعب والمصاعب في الحفاظ على سلطته على عكس الحاكم الذي يستند الى الشعب فانه لايجد من ينافسه على كرسيه فيتصرف بحرية وكيفما يشتهي ويهوى 00 فارضاء الجماهير اسهل من ارضاء النبلاء وطموحاتهم

ويتطرق ميكافيلي في البند العاشر الى المعيار الذي تقاس به قوة الدول  ويدعي بان ذلك يعتمد على المال والرجال فيكون بامكان الحاكم من تحشيد جيش كبير يصمد ضد أي احتمال بالهجوم عليه 00 وقد ضرب لذلك مثلا بما تتمتع به المانيا في زمنه من منعة وتحصين قوي بما تحيط بها من خنادق وقلاع وما تملكه من مدافع وما تخزنه من مؤون تكفي حاجات اهلها لمدة سنة كاملة بحيث يتأكد كل من يفكر في القضاء عليها واحتلالها من صعوبات ومشاق سوف تواجهه فيكف عن التفكير بذلك 00 كما تحدث في البند الحادي عشر عن امارات الكنائس وكيف تمكنت من بسط سلطانها والحفاظ على الامارات التي استولت عليها وكيف كانت اكثر استقرارا من غيرها من الامارات حيث كانت تستلهم الدعم من السماء وتدعي بانها تحكم باسم الله وهو الذي يمنحها القوة حتى تمكنت من ارهاب ملك فرنسا وارغامه بالخروج من ايطاليا ولكن الحكم الكنسي كان يتأثر قوة وضعفا بقوة البابا الذي لم يكن يدوم حكمه طويلا ويأتي بدله اخر وقد لايكون بقوته فتضعف بذلك امارته ولكن مع ذلك فكان لارتباطها الروحاني اثره في الابقاء عليها واستمراريتها 00 اما ما ذكره ميكافيلي في البند الثاني عشر فهو ما تعلق بقوات الجيش من المتطوعين والمرتزقة وقد نصح الحكام بان لايعتمدون إلاعلى ابناء البلد من الجنود وان يكون له قوانين جيد ة وسلاح جيد ايضا كي يتمكن من الصمود والحفاظ على مملكته وانقاذها من الخراب والدمار وقد صنف قوات الجيش الى ثلاثة اصناف فاما ان تكون قوات وطنية او قوات رديفة او قوات مرتزقة 00 فالقوات الرديفة والمرتزقة غير مجدية بل ينطوي وجودها على الخطورة فاذا اعتمد عليها احد الحكام في دعم دولته فلن يشعر قط بالطمأنينة والاستقرار لان هذه القوات كثيرا ما تكون غير موالية وطموحة في نفس الوقت لاتعرف النظام ولاتحفظ العهود والمواثيق تتظاهر بالشجاعة امام الاصدقاء وتتصف بالجبن امام الاعداء ولاتخاف الله ولاترعى الذمم مع الناس 00 فقادتها اما ان يكونوا رجالا في منتهى الكفاءة او في منتهى العجز فان كانوا من الاكفاء فليس في وسعك الاطمأنان لهم لانهم دائما يريدون تحقيق امجادا لهم اما عن طريق اضطهاد الحاكم او اضطهاد الاخرين وغالبا ما يعصون اوامر سيدهم وان كان القائد ضعيفا فسيكون سبب دمار المملكة 00 لذا فعلى الحاكم ان يتولى قيادة الجيوش بنفسه ولا يعتمد على الاخرين من القادة 00 وقد ذكر في البند الثالث عشر اصنافا اخرى من الجيوش مثل الاضافية وهي القوات التي يطلبها الملك من احد رؤساء الدول المجاورة لمساعدته ويكون حالها كحال القوات المرتزقة فقد تسبب للحاكم المخاطر وبنفس الوقت ليس لها الدافع القوي للقتال والدفاع عن من يطلبها فهي ان خسرت الحرب فالحاكم سيكون المهزوم وان انتصرت غدى اسيرها وتكون خطرا على الحاكم من استغلال قوتها ضده وقد ضرب مثلا ما حل بامبراطور القسطنطينية عندما ارسل عشرة الاف جندي تركي الى اليونان وبعد انتهاء الحرب رفض الجنود العودة وبقوا في اليونان واستعبدوها وهكذا كما يقول ميكافيلي عاشت اليونان تحت حكم الكفرة ( ويقصد بالطبع الاتراك المسلمين ) وعليه فالحاكم العاقل عليه ان يتجنب استغلال مثل هذه القوات الاجنبية والغريبة عنه 00

لقد وجدنا من البنود السابقة بان ميكافيلي كان جل اهتماماته بالجيش والقوات المسلحة وبنوع السلاح وكثافته وطبيعة هذه القوات وقد نجده في العديد من البنود اللاحقة مازال يعر الجيش اهمية قصوى ويعتبره هو الركيزة الاولى التي يتكيء اليها الحاكم في بسط سلطته فقد ذكر في البند الرابع عشر بان الامير الذي يفكربالترف والرخاء اكثر من تفكيره بالسلاح  كثيرا ما يفقد امارته وسلطته وان ازدراء فن الحرب هو السبب الرئيسي في ضياع الدول والامارات حيث ذكر بان فرانسيسكوسوفورزا قد ارتقى بفضل سلاحه من انسان عادي الى منصب دوقية ميلان بينما ابناءه رغبة منهم في تجنب متاعب  الحرب ومصاعبها قد هوو من مرتبة الامارة الى مرتبة المواطنين العاديين فعلى الامير تبعا لذلك ان لايسمح لافكاره بان تذهب بعيدا عن مراس الحرب0وعليه في ايام السلم ان يكون اكثر اهتماما بها من ايام الحرب وعليه ان يبقي جنوده في حالة تدريب مستمر وان يعود جسمه على المشاق وان يدرس في غضون ذلك طبيعة البلدان كارتفاع الجبال وعمق الوديان وغيرها من التضاريس الارضية فيمكنه بذلك الدفاع عن بلاده اثناء العدوان

وقد ذكر في البند الخامس عشر الطرق والقواعد التي يجب على الامير ان يسير عليها باتجاه رعاياه واصدقائه وقد خالف الكثيرون في اساليبهم وتوجهاتهم اذ قال ان الكثيرين قد تخيلوا جمهوريات وامارات لم يكن لها وجود في عالم الحقيقة 0فان الطريقة التي كان يحيى بها تختلف  كثيرا عن الطريقة التي يجب ان يعيش فيها وان الذي يتنكر لما يقع سعيا منه وراء ما يجب ان يقع انما يجري الى حتفه ودماره بدلا من الحفاظ عليه فلا ريب بان الانسان الذي يريد امتهان الطيبة والخير في كل شيء سوف يصاب بالحزن والاسى عندما يرى نفسه محاطا باناس ضعفاء فاشلون لافائدة منهم لذا فمن الضروري لكل امير يريد الحفاظ على نفسه ان يتعلم كيف يبتعد عن الطيبة والخير وان يعرف كيف يستخدمها وفي أي وقت 00 وان الامراء الخياليون الذين يمارسون الكرم كي يحصلوا على المديح هم واهمون فلم يثبت ان الذين كانوا كرماء قد حصلوا على مديح الناس لهم او كان ذلك مبعثا لبقائهم وثبات سلطتهم بل عليهم ان يعرفوا متى يكونوا اقوياء شرسين فليس الكرم والطيبة تفسر دائما لمصلحة الحاكم فقد يعتبرها البعض ضعفا وهوان 00

وقد تطرق في البند السادس عشر الى البخل والكرم وقال ان الامير الذي يبذل ماله بسخاء فهو امر جيد لكن ذلك سوف يؤدي الى فقدان ما يملك في النهاية وسيجد نفسه مضطرا  في النهاية اذا اراد الاحتفاظ بشهرته في السخاء الى فرض ضرائب ثقيلة على شعبه وان يصبح مبتزا وناهبا لاموالهم وان يقدم على أي عمل يؤدي الى كسب المال مهما كان مجحفا بحقهم واذا ما انحدر الى هذه الحالة بدأ شعبه يكرهه وانفض عن احترامه له نظرا لفقره ويكون سخا ئه قد اضر بالكثيرين في سبيل منفعة الاقلية وسيشعر باول اضطراب مهما ضؤل ويتعرض للخطر بعد كل مجازفة واذا حاول اصلاح موقفه هذا اتهم بالبخل والشح 00 وعلى الحاكم الذي يقع في مثل هذه المشكلة ان يحاول تبرير شحة يده وامساكها عن العطاء والبذل بالاندفاع الى اشعار الاخرين بانه يحاول الاحتفاظ بالمال للاتجاه لتسليح جيشه وتقديم الخدمات والقيام بالمشاريع المختلفة 00 وان من الضروري للامير ان يكون سخيا في وقت الحرب خاصة على جنوده كي يخلق لديهم الحافز للدفاع عنه والبقاء الى جانبه 00 فالسخاء بشكل دائم قد يفقدك كل ما لديك ويضطرك ان تكون سارقا ونهابا لاموال رعاياك مما يعرضك الى كراهيتهم لك 00

اما ما جاء بالبند السابع عشر فانه ادعى بان على الامير ان يكون رحيما لاقاسيا ولكن لابأس من استعمال القسوة اذا كان ذلك سيؤدي الى وحدة رعاياه وولائهم له فالرقة المفرطة قد تؤدي الى نشوب الاضطرابات وسفك الدماء والنهب والسلب ونشر الفوضى 00 وهنا يقوم السؤال عما اذا كان من الافضل ان تكون محبوبا اكثر مما ان تكون مهابا او ان يخافك الناس اكثر من ان يحبوك 00 وبالطبع لو توفرت الحالتين فهي الافضل ولكن هذا امر مستحيل ولكن يقال عن الناس بصورة عامة انهم ناكرون للجميل متقلبون مراؤون وشديدوا الطمع وهم الى جانبك طالما انك تفيدهم فيبذلون لك دمائهم طالما توفر لهم كل شيء ولكن عندما تتوقف عن البذل لهم او انه لم يبقى لديك شيء تبذله لهم تخلوا عنك فالصداقة تعتمد على الشراء والعطاء لاعلى اساس نبل الخلق والوفاء 00 فالناس يترددون في الاساءة لمن يخافونه لاالى من يحبونه 0ولكن على الامير ان يفرض الخوف بطريقة يتجنب بها عن كراهية الشعب له فعند الشدائد والحروب فعلى الامير ان يكون صارما حازما قويا لايعرف الرحمة 00

اما ما اورده ميكافيلي في البند الثامن عشر في الالتزام بالمواثيق والعهود 00 فانه قد نصح الحكام بعدم الالتزام بتلك العهود التي يقطعونها لغيرهم مع ان الالتزام بها امر جيد واخلاقي ولكن الاحداث قد اثبتت بان جميع الحكام الناجحين هم الذين نكثوا عهودهم واخلفوا وعودهم 00 وعليك ان تدرك بان هناك سبيلين للقتال احدهما بواسطة القانون والاخر عن طريق القوة فيلجا البشر الى الطريق الاول وتلجا الحيوانات الى الطريق الثاني ولكن لما كانت الطريقة الاولى غير مجدية عادة فان على الانسان ان يلجأ الى الطريق الثاني 0 ومن الضروري ان يعرف الحاكم الطريقتين وعليه ان يكون مستعدا لاتباع الطريقتين في الوقت المناسب  0 وهذا ما اعتقد به القدماء مستشهدين بالقصة الخرافية التي تقول بان الكائن البشري هو نصف انسان ونصف حيوان ويشير ميكافيلي بان الحاكم يجب ان يتصرف ضمن هاتان الطبيعتان وان احدهما لايمكن ان تعيش دون الاخرى وعلى الامير الذي يجد نفسه مرغما على تعلم طريقة الحيوان ان يقلد الثعلب والاسد معا اذ ان الاسد لايستطيع حماية نفسه من الاشراك التي تنصب له والثعلب لايتمكن من الدفاع عن نفسه من الذئاب  ولذا عليه ان يكون ثعلبا كي يميز الافخاخ واسدا ليرهب الذ ئاب  وكل من يريد ان يكون اسدا فقط لايفهم كيف يتصرف وعليه فلو كان الناس طيبون لكان بالامكان ان يلتزم بوعوده وعهوده ولكنهم سيئون لذا فلديه المبرر للتنكر لعهوده 00 والدليل على ذلك ما فعله البابا اليكساندر السادس فانه لم يقم سوى بخداع الاخرين ولم يكن ثمة من يفوقه مهارة في تقديم الوعود واغداق التاكيدات داعما ذلك بالايمان المغلظة في الوقت الذي لم يكن هناك من هو اقل تمسكا بها منه 00 وهكذا فمن الخير ان تتظاهر بالرحمة وحفظ الوعود والشعور الانساني النبيل والاخلاص والتدين ويمكن ان تتصف بكل هذه الصفات في وقت ما ولكن يجب ان تكون مستعدا للتخلي عنها متى استوجب ذلك 00 ولكن يجب على الحاكم ان لايفضح نفسه باقواله بما يتناقض وهذه الصفات وعليه ان يشعر الناس بانه يتصف بكل هذه الصفات الحميدة خاصة صفة النبل والتدين 00 فالناس تتاثر بالظاهر من الاعمال فقليلون من يحسون بحقيقة الحاكم وهذه القلة لاتستطيع ان تعترض على رأ ي المجموع00 وهذا ما يؤيد الرأي القائل بان الغاية تبررالوسيلة  وهو الشعار الذي يجب ان يرفعه أي حاكم كي يستطيع على البقاء في حكم البلاد ولايجب ان يفكر في ماهية الوسيلة ومشروعيتها من عدمه او نبلها او قبحها وسفالتها بل عليه ان يستعمل كل الوسائل المتاحة دون النظر الى نوع الوسيلة ومدى الضرر الذي قد تسببه للاخرين 00



الاستنتاج

الفصل الثاني من ميكافيلية الشعوب

ان ما كتبه ميكافيلي من وجهات نظر ونصائح حول اساليب الحكم التي يقترح على الحكام اتباعها فقد تصلح في كثير منها وسائل واساليب مضا دة لهم يمكن للشعوب الاخذ بها واتباعها للتصدي للطغاة والمستبدين من الحكام واحباط كل وسائلهم في استعباد شعوبهم والبطش بهم اذا ما احسنت الشعوب استغلالها على الاقل وفي الحد من ظلمهم وتعسفهم والنفاذ من الثغرات التي قد حذر ميكافيلي الحكام من اغفالها 00 فمهما حاول الحكام من اخذ الحيطة والحذر واجتناب المزالق التي اوضحها ميكافيلي سوف لن يستطيع أي حاكم تجاوزها جميعها ولابد ان يسهى او يغفل عن بعضها ( فجل من لايسهى ) فمهما اتبع الحاكم الدقة في تصرفاته وطريقة ادارته للدولة فانه بكونه انسان سوف تضل تتقاذفه الاهواء وتسحره الاضواء وتخدعه المغريات وبالتالي فسوف يترك العديد من الثغرات التي يكون بامكان الشعوب النفاذ منها ثم ان ليس كل ما ذكره ميكافيلي من توجيهات ونصائح ناجحة وصحيحة لكل الضروف والاحوال فلكل موقف ضروفه التي تتطلب اتخاذ اجراء معين قد لاينسجم وما اشار له ميكافيلي فاقواله وتوجيهاته هي على اية حال ليست كتا ب مقدس او هي وحي من السماء وانما هي مجرد خلاصة خبر وتجا رب قد عاشها او قرأ عنها خاصة اذا ما وجدنا انه قد استشهد في معظم توجيهاته على احداث قد حدثت منذ قرون سبقت عهده وزمن حياته00 ونحن نعلم كم تتطور المجتمعات خلال سنوات قليلة فكيف اذا كانت تلك الفترات دهورا وقرون وان ما تعاقب من سنين بعد فترة حياة ميكافيلي فقد تسارع التطور اكثر فاكثر بفضل النهضة الصناعية في اوربا وحركة الاصلاح الديني التي تزعمها لوثر اما اليوم فان التطور اخذ يتغير ليس با لقرون والعقود بل بالايام والاشهر وعليه فا لكثير من طروحات هذا السياسي اللوذعي كانت حتى في زمانه قد شا بها الكثير من الوهم والخطأ ومما يثير الدهشة والاستغراب ان البعض من القادة والزعماء الذين حكموا بلدانهم خلال القرن العشرين قد اقتنوا واحد او اكثر من كتب ميكافيلي واهتد وا بنصائحة وارشاداته مثل هتلر ونابليون وصدام حسين مع ان في عصرهم قد اختلفت الامور جذريا واضحى الوضع الدولي ليس كما كان في عصر ميكافيلي فقد وجدت عصبة الامم بعد الحرب العالمية الاولى  التي كان لها الدور في التنسيق بين الدول التي انظمت اليها مع ماشابها من مثا لب وعيوب ولم تستطع كبح جماح بعض الزعماء والحكام الذين ظهروا في زمانها مثل هتلر وموسوليني ولكن على اية حال فان اؤلئك مع ما ارتكبوه من جرائم فقد فشلوا وانتهوا الى الاندحارفي نهاية حروبهم الاجرامية وانتهت الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء  وتشكلت هيئة الامم المتحدة  وانبثق عنها مجلس الامن فلم تعد الدول بامكانها ان تتصرف كيفما تريد دون أي رادع بل اضحى لهذه المؤسسة الجديدة دورها الفعال وهو يزيد يوما بعد يوم ولم يعد يستطيع الحكام المتهورون والمستبدون ان يرتكبوا الجرائم بحق غيرهم من الدول او حتى ضد شعوبهم حيث صدر عن هذه المنظمة العديد من القرارات واهمها ما يتعلق بحقوق الانسان كما لعب مجلس الامن ادوارا مهمة في كثير من الاحيان ومع ان هيئة الامم لم تستطع ان تقوم بدورها تماما في كبح جماح بعض الدول او القادة ولكنها نجدها يوما بعد يوم تزداد فعالية وتأثيرا كبيرا على العديد من الدول والزعماء الذين يحاولون الاعتداء على غيرهم او يظلمون شعوبهم فلم تعد نصائح ميكافيلي ذات مفعول بل لربما اضحت في ذمة التاريخ وعفى عليها الزمن فاننا نجد اليوم القانون الدولي هو الذي يسود الامم وليس مطارحات ميكافيلي او رسائله الى لورنزوا المديشي فقد كان لتدخل الامم المتحدة في دول البلقان العمل الحاسم في وقف العدوان الصربي ومحاكمة زعيمه رادوفان  زراديش وكذلك كان لمجلس الامن دوره الفعال في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي كما لعبت دورا مهما في الحقيقة في اسقاط صدام بل لقد تمكنت الامم المتحدة في الاونة الاخيرة ان تنشيء المحكمة الدولية ومحاكمة حتى رؤساء الدول ولم يعد رئيس اية دولة ان يتصرف كيفما شاء ويظلم شعبه او يعتدي على اية دولة ضمن هذه المنظومة الدولية العظيمة 00 وهكذا فهي في طريقها الى الرسوخ يوما بعد يوم 00كما ان العديد مما قدمه ميكافيلي من اراء لم تكن تمت الى الواقع باية صلة اما اليوم وبعد ان مر اكثر من خمسمائة سنة على كتابة هذه الاطروحات فانها لم تعد تفيد حكام هذا الزمن ونحن نعيش عصر الكومبيوتر والسلاح النووي فكما يقول المثل ( لكل زمان دولة ورجال ) وللاسف فا لكثيرمن رجال هذا الزمن لازالوا يعيشون في عقلية ميكافيلي الشيطانية و يغطون في الاوحال 00 فمع ان الفترة التي عاشها ميكافيلي كانت توصم بالعصر المظلم وهي الفترة التي مرت بها اوربا في القرون الوسطى والتي تجاذبتها الصراعات الاقليمية حينما كانت اوربا مقسمة الى امارات واقطاعيات يحكمها الامراء او رجال الدين من الكرادلة والقساوسة تحت مضلة الكنائس المختلفة وهيمنة البابا والتي كان لها الدور السيء في اغراق اوربا في ظلمة الجهل والتخلف فسيطرت عليها الخرافات والخزعبلات والاوهام وبيعت الجنة بصكوك الغفران سيئة الصيت وغير ذلك حتى جاء لوثر وبدأت النهضة الصناعية واخذت تغير من ثقافات الناس وتنضج عقولهم بفضل هذه النهضة العلمية الرائعة 00 فقد استطاعت الدولة العثمانية في تلك الفترة المظلمة ان تكتسح اوربا حتى تمكنت من محاصرة فينا ونشرت الدين الاسلامي في العديد من دولها وضمتها الى الامبراطورية العثمانية العتيدة 00 وفشلت كل تعاليم ميكافيلي في ايقاف هذا الزحف العثماني لولا صحوة لوثر التي استنهضت الهمم وافاقت شعوب اوربا من نومها العميق واخذت تتصدى لهذا السيل العثماني الجارف 00

من استعراضنا لكل ما كتبه ميكافيلي في معظم كتبه نجده يركز على ناحية واحدة من الحياة وهي الحروب وكان الدول والامارات حتى  في عصره كا نت تعيش في دوامة من الحروب ولم يكن هناك خلال تلك العهود فترات سلم وعمران وخدمات وهو امر ليس صحيحا مائة با لمائة فصحيح ان الصراعات كانت محتدمة في ذلك الوقت بين الامارات والاقطاعيات والكنائس ما جعل الحكام يولون جل اهتماماتهم بالجيوش والسلاح ولكن مع ذلك فقد ظهر العديد من الفنانين الكبار والرسامين العظماء والمفكرين المبدعين فكان الاولى على ميكافيلي ان يحث الحكام على الاهتمام بهؤلاء العظماء من العباقرة ويمنحونهم الفرص لابراز مواهبهم ويمنحونهم التقدير والعطاء ويجعلوا من الحركات الفكرية والابداعات الفنية ابوابا مشرعة لنهضة كان بامكانها ان تستبق زمانها الذي ظهرت فيه بعدة عقود او بالاحرى عدة قرون 00

وقد اعتقد الكثيرون بل واجمعوا بان ميكافيلي قد انحاز الى طبقة النبلاء والامراء والحكام والمستبدين وشجعهم بدروسه ونصائحه على الكيفية التي يكبتون انفاس شعوبهم 0 وكان اؤلائك الحكام والنبلاء قد نزلوا من كوكب اخر وليس كما هي الحقيقة بانهم قد خرجوا من رحم شعوبهم وداخل مجتمعاتهم 00 فانهم وقبل ان يتسلقوا كرسي الحكم كانوا احد افراد تلك الشعوب ولربما من المغمورين منها ثم اعتلوا منصة الحكم بطريقة من الطرق التي لو تحرينا عن حقيقتها لاكتشفنا بان معظمها طرق واساليب ملتوية ومشبوهة او على ظهر دبابة او فوق منصة مدفع 00 فاذا فالحكام هم مواطنون مثلهم مثل أي مواطن اخر تتيح له الفرص ليقفز بغفلة من الزمن ويعتلي كرسي الحكم 00فان كان ميكافيلي قد وقف الى جانب الحكام مهما كانت اسمائهم او تنوعت اعراقهم او اختلفت اديانهم فهو قد اتبع المثل القائل ( كلمن يتزوج امي اسميه عمي ) فالناس يمكن ان يكونوا واحدا من اولائك العتاة المستبدين لوسنحت لاي منهم الفرصة ليقفز بالخديعة او بالسفالة او بمغامرة طائشة ان يصبح زعيما او حاكما او اميرا 00 فالناس في واقع الامر من عجينة واحدة لافرق بين زيد او عبيد فالجميع مخلصون طيبون نزيهون مؤمنون طالما هم بعيدون عن السلطة فان وصلوا اليها انقلبوا في لحظة الى مستبدين عتاة 00 


الجزء الثالث

الخلاصة



مما تقدم يمكن ان نستلهم من تعاليم ميكافيلي وافكاره الخبيثة افكارا تفيد الشعوب في الدفاع عن نفسها بوسائل وتعاليم قد تصلح اسسا ومباديء وقواعد تستطيع الشعوب ان طبقتها ان تكون سيبدة نفسها وحاكمة ارادتها دون اعطاء الفرصة لمن تسول له نفسه ان يقفز على ظهورها ويصعد فوق اكتافها ويتولى مقدراتها 00لقد قرأنا وسمعنا عن الكثير من التسميات والافكار المثالية التي بقيت مجرد شعارات وتسميات لم يستطع احد ان يضع لها تعريفا واضحا وثابتا 0 وبذا فقد بقيت مجرد حبر على ورق فاننا كثيرا ما سمعنا عن الديمقراطية والشيوعية والوطنية والقومية وغيرها من الشعارات 0 ولكن ماهي الديمقراطية وما هي الشيوعية فهناك الملايين مما يجهلون معاني كل هذه التسميات وقد يعرفون عنها بان  الديمقراطية  تعني العدالة وحكم الشعب وان الشيوعية تعني الملكية الشائعة للدولة وبالتالي فكل شيء هو ملك الشعب على الشيوع ولكن كيف يكون ذلك ؟؟ لااحد يعرف 00 وفي الحقيقة فان في معظم الدول الديمقراطية لايحكم الشعب  بل يحكم فيها فئة ضالة ظالمة  لاتحقق في ممارساتها الحكم اية عدالة او انصاف وفي الدول الشيوعية كالاتحاد السوفييتي فقد كان في الحقيقة ابعد ما يكون عن المباديء الشيوعية ولايملك الشعب شيئا مما هو في حوزة الفئة الحاكمة انذاك 00 فلماذا حدث هذا ولماذا لم يكن الشعار المعلن يطابق الواقع 0 ؟؟ قد يقول البعض السبب هو هيمنة فرد اوجماعة على السلطة وفرض ارادتها على الشعوب 00 نعم قد يكون ذلك صحيحا 0 ولكن لو تحرينا كيف استطاع هذا النفر من الاستيلاء على الحكم وفرض سيطرته 0 ان السبب هو جهل الشعوب بما تعنيه الديمقراطية وماهي المباديء الشيوعية وماهية الياتها في التطبيق 00 ان الغموض والتشويش والتناقض في بعض الاحيان في ما يقدم من شروحات ومفاهيم هو احد الاسباب التي سببت الارباك في عدم ادراك الشعوب لحدود حقوقها وملامح هذه الشعارات التي انضووا تحت رايتها وهذا الغموض هو افة الافات والمنفذ الفسيح الذي مكن المخادعين والانتهازيين والمغامرين الذين استطاعوا ان يكسبوا افئدة المواطنين وتأييدهم ودعمهم لهم فيندفعون كي يجعلوا من اجسادهم سلما يتسلقون عليه اؤلائك المشعوذين الى ذرى المجد والرفعة فان جلسوا على كرسي الحكم تنكروا لمن اوصلوهم الى هذا المجد وغدروا بهم وخانوا الثقة التي منحوها لهم فبدلا من مكافئتهم وشكرهم وتقديم الخدمات لهم اداروا لهم ظهر المجن وراحوا ينكلون بهم ويعملون على تصفيتهم واعدام العديد منهم كي يتخلصوا من منافستهم 00 وهو امر طبيعي لان الخطة التي سارت عليها الشعوب كانت خططا غير موفقة وخاطئة والمباديء التي امنت بها لم تدرك الياتها واسلوب التعامل معها ولم تسبر اغوارها لانها كانت مباديء مبهمة وغير محددة المعالم وتشوبها العموميات في معظم طروحاتها ولا تتسم بالدقة والوضوح وهو كان امر مقصود من قبل اؤلائك القادة الذين رفعوها في الاساس كي يموهوا على ابناء شعبهم ويدعوهم يسبحون في عالم من الخيال كل يفسرها على هواه بما يحقق فيها احلامه الوردية وعندما تحق الحقيقة لايجدون على ارض الواقع أي شيء منها يتحقق لانها في الاساس غير قابلة للتطبيق لانها مجرد اوهام واحلام 00

لقد سطر ميكافيلي تعاليمه وقدمها وجبة جاهزة لزعيمه وهو بالحقيقة لم يأتي بمعجزة كما لم يكن ما سطره وحي من السماء ولكنها قواعد وضعها نتيجة تجاربه ومشاهداته وخبرته التي اكتسبها من واقع تعامله مع الناس ومع مختلف الشرائح العامة من ابناء الشعب او من الصفوة من المسؤولين المتميزين من اصحاب المراكز الرفيعة وممن تمكنوا باساليبهم المخادعة ان يحتلوا مختلف المناصب في الدولة 00 فاحتكاك ميكافيلي بكل تلك الفئات والشرائح مكنه من ان يضع لاميره قواعد راسخة بالكيفية التي تمكنه من ترسيخ حكمه وتثبيته واستمراره دون ان يتمكن من تسول له نفسه من منافسته او الانقضاض عليه وانتزاع كرسيه التي ورثها عن ابائه او استولى عليها بانقلاب عسكري وبالطبع لايمكن ان تكون تلك الوسائل نظيفة وشريفة ومشروعة في معظم الاحايين 00بل على العكس فقد ثبت لميكافيلي وبالوجه القاطع انه لايمكن لاي فرد يريد ان يعتلي سلم الحكم ان يكون بامكانه الوصول اليه بطرق شريفة ونزيهة كما تأكد له ان تثبيت هذا الحكم لايمكن ان يتحقق الا بسفك الالاف من الدماء الزكية من ابناء الشعب الذين يكونون هم دائما الضحايا الذين يقدموها الزعماء على مذبح كراسيهم كما لايتحقق ايضا الا بتصفية كل من ساعد على تحقيق هذا الهدف لذلك الحاكم 00 ولقد استطاع ميكافيلي ان يقدم للحكام مباديء وتعاليم راسخة ثبت صلاحها في كل العهود ولم يثبت حتى يومنا هذا بان هناك تعاليم ومباديء انسانية واخلاقية وضعها مفكر او منظر  مارسها حاكم واستطاع ان يحتفظ بها على كرسيه 00 فان كان ميكافيلي قد قدم كل تلك الافكار الشريرة للحكام كي يستطيعوا ان يثبتوا في كراسيهم فلا بد للشعوب ان تجد لها قواعد واسس تعتمدها كي تتمكن ان تنتزع حقوقها من مغتصبيها ولابد لهم ان يتخلوا عن مبادئهم وقيمهم الانسانية امام هؤلاء العتاة ويتصدون لهم بنفس اسلحتهم ولربما باشرس منها والا فسوف يبقى الحكام الظلمة يجتزون رقابهم الى يوم القيامة وطبعا باسم الدمقراطية والاشتراكية والشيوعية والقومية وغيرها من الاف الشعارات الوهمية 00 ولن تستطيع الشعوب ان تحصن نفسها امام العتاة الا بالعلم والثقافة التي لايستطيع الحكام ان يجتثوها من ادمغتهم وان يتخلوا ان تعاليم الدجل والشعوذة التي يحاول المشعوذين ان يدسوها في افكار وادمغة الشعوب من الاف الخزعبلات التي يضفون عليها  بعض الاحيان هالة من القدسية وعغلى المفكرين المتنورين ان ينبروا متصدين للمشعوذين عن طريق كل وسائل الاعلام المتاحة بفضح الدجل كي يتمكنوا من خلق وعي حقيقي عند الشعوب كي لاتقع مجددا تحت خدع الشعارات الزائفة 00 

لقد اعتادت الشعوب ومنذ الزمن القديم ان تجد شخصا من بينها فترفعه وتعلي شأنه وتغدق عليه العشرات من الاوصاف التي تجمل صورته ثم تسيده عليها وتجله وتحترمه الى درجة التقديس في بعض الاحيان فهذه الحالة وهذا الادمان الذي درجت عليه معظم الشعوب المتخلفة في العالم الثالث وقد ينطلق هؤلاء الاشخاص الذين اسبغت عليهم الشعوب نفسها هذه

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 12-10-2010     عدد القراء :  4561       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced