سباق المباهلات المذهبية، صرعة جديدة
بقلم : حسين ابو سعود
العودة الى صفحة المقالات

شهدت الفترة الأخيرة عددا من المباهلات بين مشايخ لا يدعون أنهم يمثلون مذاهبهم وقد ثبت إنهم لم يفعلوا ذلك بإذن أو  طلب من مراجعهم،ويبدو أن الحوار بين هؤلاء قد وصل الى طريق مسدود ولم يبق أمامهم سوى الملاعنة والمباهلة والدعاء على بعضهم البعض بالويل والثبور وعظائم الأمور، فالمباهلة بهذه الطريقة تعني سقوط الفكر  ولا تعني آخر الكي ، والطامة الكبرى إنها ليست بين أتباع دين ودين وإنما بين أبناء دين واحد، فترى المتباهلين في البداية يشهدون بالوحدانية لله تعالى وان محمدا عبده ورسوله ثم يتلاعنون مع علمهم بالآثار السلبية  للّعن فصاروا بذلك موضع تندر وسخرية من الآخرين لأنهم سقطوا في فتنة جديدة تنهش بالجسد الإسلامي ونحن نعلم أن المذهبية بحد ذاتها لعنة ، والإسلام لا يقر بها وإنما يدعو الى دين واحد ورب واحد ونبي واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة، والظريف بان هؤلاء يكشفون أنفسهم بقولهم أنهم ينتمون للمذهب الفلاني وليس للدين الفلاني، لأنهم لو قالوا بأنهم من دين واحد لما بقيّ لديهم مبرر للتلاعن، إذن فهم يدينون بمذاهب ولا يدينون بالدين وهؤلاء ذكر القران  بطلان ما هم عليه في الآية الكريمة : (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون)
ومن طرائف المباهلات وصف الشيخ الشيعي بـ (سماحة الشيخ) فيما يلقب الشيخ السني بـ ( فضيلة الشيخ) فأين السماحة والفضيلة من قوم يتلاعنون ولا يتحابون، ولا يعذر بعضهم بعضا ، فما هذه السماحة سوى فظاظة وما تلك الفضيلة سوى غلاظة: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) ، ومن عنده فضيلة السماحة يمتثل أمر الله تعالى ويدفع بالتي هي أحسن: ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )  إذن فالسماحة والفضيلة يستوجبان المناصحة وليس الملاعنة ويستوجبان الدعاء للآخرين بالخير وليس الدعاء عليهم بالشر، ويستوجبان ترك الأمور المختلف عليها الى الله الذي إليه مرجعهم فينبئهم بما كانوا فيه يختلفون ، وأما في الدنيا فيعتصمون بحبل الله جميعا ولا يتفرقون فيفشلون وتذهب ريحهم ، وليبق كل على آرائه ومواقفه بدل التلاعن وسد الطرق أمام المحبة والوئام والتفاهم والاحترام.
اللعن آفة ومصيبة وخروج من رحمة الله ولو كان هؤلاء قد تعلموا من مذهبهم الحب لما تمنى احدهم للآخر الخروج من رحمة الله بلعنه أمام الملأ، ولو كان هؤلاء يتبعون الدين وليس المذهب لسلم المسلمون من ألسنتهم اللاعنة ، فأين هم من ( إنما المؤمنون أخوة) وهل يتلاعن الأخوة ؟ فهؤلاء لا يعلمون بان ما فعلوه يدعو الى فرقة منهي عنها ، فان كانوا قد فعلوا  ذلك عن قصد فتلك مصيبة وان كان بدون قصد ولا علم بفداحة ذلك فالمصيبة اكبر وأعظم ، ألم يقرأ هؤلاء القران وتمعنوا في هذه الآية المباركة: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)، ولكن يبدو إن المباهل من هؤلاء لا ينظر الى الآخر على انه مسلم من نفس دينه بل يعتبره من دين آخر جديد مبتدع وإلا ما لعنه وتمنى زوال  نعمته.
نحن نعلم إن كل حزب بما لديهم فرحون وكل شخص جُبل على أن يرى نفسه هو الحق المطلق وهم بذلك يشبهون أتباع الديانات الأخرى إذ أن البوذي والمجوسي والهندوسي كل يرى نفسه على حق.
وثمة سؤال  يفرض نفسه وهو لماذا لا يباهل السني الزيدي ولماذا لا يتباهل الشيعي مع الاسماعيلي والأصولي والإخباري والصوفي والسلفي ؟ والجواب يعرفه العقلاء جيدا و يعرفون أيضا إن لا احد يستطيع أن يعتقد بخطأ كل ما عند القوم ولا بصحة كل ما عنده لان الحق موزع ، والمذاهب غير الدين لأنها من صنع البشر وتفريعاتها المستندة الى الخطوط العريضة للدين لا تضيع اجر العاملين شريطة أن يراد بها وجه الله تعالى .
إن المباهلة التي حصلت في السعودية كانت اقل إثارة حتى من سباق سيارات أو لعبة كرة قدم التي تنتهي عادة بنتائج آنية مثيرة إذ لم ينزل أي غضب فوري على أي طرف ولن ينزل إن شاء الله لان الله تعالى لا يمكن أن يؤاخذ السفهاء بجهلهم فهو الحليم الكريم فالشيخان المتباهلان عالمان جاهلان وكلاهما مخطئان وان أصابا،  أرادا الشهرة ولم يحصّلاها ولكنهما على أي حال وضعا اللبنة الأولى لبدعة جديدة دون الرجوع الى من هم أعلى شأنا وأكثر علما منهما بدليل قيام قناة (اللا حكمة) بإقامة مباهلة ثانية شهد فيها (فضيلة) الشيخ بان فلانا وفلانا في الجنة فيما شهد (سماحة ) الشيخ بأنهم في النار ولا ادري كيف عرفا ذلك والقيامة لم تقم بعد ويوم الجزاء لم يأت بعد ، وهل تكفي الروايات للجزم بذلك، والحمد لله الذي لم يجعل أمر الرزق والموت والجنة والنار بأيدي المشائخ وإلا لكنا أمام  كارثة حقيقية ، والأصح إن الله تعالى يدخل من يشاء في رحمته ويخرج منها من يشاء وما أدرانا بمشيئته وما أدرانا برحمته الى أي مدى يمكن أن تصل ؟ مع إن هدف القناة كان إيقاع العداوة بين المسلمين بدليل أن مدير القناة قالها بوضوح أثناء تدخله المباشر لإيقاف برنامج معين بان منهج القناة واضح جدا وانه ضد الشيعة والتشيع وضد كل من يدعو الى التقريب ،ومهما يكن من أمر فان ما جرى  هو درس بليغ للعقلاء  من الطرفين وانه دفع الله  الناس بعضهم ببعض وان نار الطائفيين تأكل حطب المتعصبين من الطرفين  ، وقد أثبتت المباهلة على شئ واحد مفيد على الأقل وهو الإقرار بان السجال والجدال المستمر منذ ألف عام ويزيد اثبت فشله الذريع لأنه لم ولن ينتج شيئا على أن ذلك لن يضطر العقلاء الى الملاعنة والمباهلة أبدا ،لان الملاعنة هو نوع واضح من أنواع التعصب المنهي عنه وقد ورد في فتاوى ابن تيمية قوله : فمن تعصب لمذهبه أو طريقته أو قرابته وأصدقاءه دون غيرهم كانت فيه شعبة من الجاهلية، فيما قال الإمام السجاد في نفس المعنى: ليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ولكن العصبية التي يؤثم عليها صاحبها أن يرى شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين، والأجمل الأكمل قول الإمام علي  عليه السلام: فإذا كان لابد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال ومحامد الأفعال ومحاسن الأمور.
وفي الختام أقول كما قال نبي السنة والشيعة الأوحد إن الدين النصيحة ، وأما النصيحة لهؤلاء فهي المبادرة الى إعلان التراجع عن المباهلة والاعتذار من مقام النبوة ومن الأمة لان ما بدر منهم من لعن الأخوة أمر عظيم وعلى كل المتباهلين المتلاعنين اليائسين من الحوار أن يستغفروا ربهم وسيجدونه غفورا رحيما والاستغفار مجزئ في هذه الحالات بإذن الله ولعلهم بذلك يسدون باب المباهلات المذهبية الى الأبد.
وفي الختام لا أجد نفسي مضطرا للقول بان هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب فقط.
aabbcde_(at)_msn.com

  كتب بتأريخ :  الإثنين 18-10-2010     عدد القراء :  1987       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced