من نضالات المرأة العراقية وتضحياتها
بقلم : همام عبد الغني
العودة الى صفحة المقالات

غادرت سجن النساء في بغداد , بعد ان انهت محكوميتها , لتعود لبيت اهلها , وبعد ان رفضت توقيع صك " البراءة " المشين الذي عرضه عليها رئيس المجلس العرفي العسكري , واغراءات العودة للوظيفة واستلام انصاف رواتبها المتوقفة منذ اعتقالها ....



عادت لدار اهلها بعد ان انهدَّ عش الزوجية الذي لم تعش به سوى بضعة اشهر قبل انقلاب شباط الأسود عام 1963 , وبعد ان فقدت وظيفتها كمعلمة شابة تتفجر حماساً وحيويةً ....عادت ا لتواجه مشاكل من نوع آخر بوضعها الجديد , الأولى هي ان صغيرها الذي ولدته في السجن , واضطرت الى تسليمه لأمها بعد مرض شديد ألمَّ بالرضيع وكاد ان يميته , وجدت ان هذا الصغير لا يعرفها , وهي التي كانت تتحرق شوقاً لرؤيته , وكان يبكي حين تحاول مداعبته , فقد كان يسمي جدته " ماما " في اول كلماته التي نطقها , لكن هذه المشكلة موقتة رغم ألمها .
اما المعضلة الثانية التي واجهتها , هي جهلها بمصير شريك حياتها , الذي كان مطارداً , بعد ان صدر بحقه حكم غيابي بالسجن عشرة اعوام , واضطر للأختفاء مثل الوف المناضلين العراقيين في ذلك الزمن الأغبر الدامي . اما المعضلة الثالثة التي واجهتها , فهي تنفيذ الجزء الثاني من الحكم الصادر ضدها , وهو وضعها تحت مراقبة الشرطة لمدة سنة كاملة , اي ان عليها ان تذهب الى مركز الشرطة للتوقيع ثلاث مرات يومياً , صباحاً وظهراً وعصراً , وكانت هذه المشكلة هي الأكثر ايلاماً وازعاجاً , بعد اطمئنانها على حياة زوجها , إثر رسالة شفوية تمكن من ايصالها لها .....كانت تحتاج الى ستين فلساً يومياً لتدفع اجرة السيارة ( الفورد ) للذهاب والأياب الى مركز شرطة البياع للتوقيع ...كانت تطلب المبلغ باستحياء وحرج من امها , هذه الأمرأة الوقور التي غمرتها بحبها وعطفها وحنانها , تقديراً لظروفها الصعبة , ولكون تلك الأم أماً مثالية رائعة بمعنى الكلمة .
وبدأت منذ اليوم الثاني لأطلاق سراحها , بالذهاب لمركز الشرطة للتوقيع ....بعد اسبوعين او ثلاثة , لاحظت ابنة السادسة العشرين ربيعاً والمتلفعة بعباءتها , لاحظت ان سائقي خط ( علاوي الحلة _ دورة )ومساعدهم , وحتى بعض الركاب ممن يستقلون ( الفوردات ) للذهاب والعودة لأعمالهم , لاحظت ان بعض هؤلاء يتغامزون ويتهامسون حين يجدونها بنفس المكان وبنفس التوقيت ثلاث مرات يومياً لتنزل امام مركز الشرطة , , وبفطنتها وذكائها استنتجت ان هذه الحركات تتعلق بها , فقررت بعد تفكير عميق لعدة ايام , ان تضع حداً لهذه الضنون السيئة , وخصوصاً ان امامها سنةً كاملة للمراقبة , فكيف لها ان تطيق هذا الوضع وهذه النظرات المريبة طوال تلك السنة وارتيادها هذا الطريق ثلاث مرات يومياً ! ومن يدري فربما يتمادى سوء الضن ببعضهم لمحاولة التحرش بها مستقبلاً ؟ فحزمت امرها ان تضع حداً للأوهام التي علقت بأذهان هؤلاء . ....وفي صباح احد الأيام , وبينما اخذت مكانها في السيارة ( الفورد ) ولاحظت نفس الحركات والغمزات والأبتسامات المشبوهة قررت مواجهة الأمر , نهضت من مكانها , وبصوت مرتجف ولكنه واضح تماماً , وخاطبت الجميع  " اخواني  اسمعوني , صمت الجميع , انا سجينة سياسية , وقد غادرت السجن قبل أقل من شهر , وانا الآن تحت مراقبة الشرطة , ولهذا ترونني اذهب يومياً لمركز الشرطة ثلاث مرات للتوقيع واثبات الوجود , انني واحدة من مئات والوف المناضلات والمناضلين الذين يدافعون عنكم , عن عوائلكم وعن زوجاتكم وبناتكم واخواتكم وبناتكم , فلا تذهب بكم ضنون السوء الى الأساءة لي ولسمعتي " عادت الى مقعدها مرتجفةً من شدة الأنفعال , ذُهل الجميع لهذه المفاجأة , وتمتم بعضهم بصوت خافت بشتم النظام  .... قطع السائق هذا الصمت والذهول  , مخاطباً مساعده ( السكن ) " لا تاخذ اجرة من الأخت " ,,, فردت سريعاً  " انني لست محتاجة للمساعدة , لكنني اردت فقط ان أُصحح الأفكار التي راودتكم وانت ترونني اذهب ثلاث مرات يومياً لمركز الشرطة "  . ....وتناقل سائقو هذا الخط ومساعدوهم وركابه الدائميون هذه المعلومة الثمينة عن تلك المرأة , وتغيرت نظرة الشك والأساءة التي ساورتهم عنها , الى نظرة احترام وتقدير  حتى آخر يوم من ايام المراقبة المشؤومة

  كتب بتأريخ :  الأحد 24-10-2010     عدد القراء :  2013       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced