تطلع النِّساء إلى المساواة (3-3)
بقلم : رشيد الخيون
العودة الى صفحة المقالات

قلنا أنصف الإسلام النِّساء بالإرث في حينه، لكن الزَّمن يتحرك، والنِّساء غدونَ جزءاً لا يتجزأ من عملية الإنتاج، وبناء الأوطان، والنُّصوص الخاصة بالمعاملات لا بد أن يؤخذ تجاوزها في الاعتبار، فعمر بن الخطاب (اغتيل 23 هـ)، مثلما تقدم، ولظروف مستجدة، أتخذ موقفه الواضح مما رآه لا يوافق ما استجد من مستجدات، وبعضه بشورة من علي بن أبي طالب.
لأن في النُّصوص مِنْ المرونة بما يجب تطبيقه وما لا يجب، فمثلاً اختلف الفقهاء مِنْ قبل في أمر ولاية النِّساء للقضاء، إذ سمح بها أبو حنيفة (ت 150 هـ)، ومن بعده الطَّبري (ت 310 هـ)، وفي هذا الأمر يمكن مراجعة الماوردي في «الأحكام السُّلطانية». وقال ابن عباد (ت 385 هـ): «إنما اختلفوا في أنها تصلح للقضاء أم لا» (كتاب الزَّيدية). وإذا كانت المرأة لا تساوي الرَّجل ما اختلف الفقهاء في أمر ولايتها للقضاء، أبو حنيفة حيث تصح شهادتها، والطبري في كلِّ الأحوال، وغيرهما يحجب عنها هذه الوظيفة.
ولأن في النُّصوص مِنْ المرونة، اختلفت المذاهب في أمر الإرث، ومنه الاختلافات في التَّفسير ومن بعده التَّشريع. جاء في النَّص: «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ...» (النِّساء: 11-12).
لكن اختلفوا عندما تكون البنت بمفردها، فحسب الآية لها النِّصف، ولأبوي الموروث السُّدس، فهنا يتميز الإمامية في اعتبار البنت تحجب بقية الأقارب، ولا يرث معها أخو الموروث ولا عمه ولا الأقارب (كاشف الغطاء، أصل الشيعة وأُصولها). فالبنت عند الإمامية ترث النصف بالفرض، والنصف الآخر بالرد إليها (السيستاني، منهاج الصَّالحين).
غير أن الزَّوجة عند الإمامية لا ترث من العقار والأرض عيناً (أصل الشيعة وأُصولها). بينما عند بقية المذاهب يرث إخوة الموروث وأعمامه، من غير نصف البنت، بالإعالة والعصبة، وترث الزَّوجة العقار عيناً. ولهذا أخذ العديد ممَنْ وريثاتهم بنات، ولا يريدون مشاركة اخوتهم وبقية عصبتهم في تُراثها، يسوون معاملاتهم وفقاً للمذهب الإمامي، بينما هم مِنْ أهل السُّنَّة.
هناك اجتهاد في تفسير النُّصوص، على الرَّغم من القول السَّائر لا اجتهاد في النَّص، فهناك مِنْ الأحكام، وعلى وجه الخصوص في الحدود، لا تناسب العصر وتطوره، بل غدت موضع نقد مِنْ قِبل لائحة حقوق الإنسان الدُّولية، وأن أغلب الدُّول ذات الأغلبية المسلمة قد التزمت بتلك اللائحة، فتركت ممارسة العقوبة بقطع اليد، أو الجلد أو الرَّجم، وعلماء الدِّين لم يعترضوا على ترك تلك العقوبات، بل على العكس بارك منهم إلغاءها، ففي علمهم «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»(البقرة: 185). أقول: لماذا يُصر على العسر بالنِّساء أن يُعاملنَّ بتقاليد المذاهب لا بتقليد الدَّولة الواحد!
لإخوان الصفا (القرن الرابع الهجري) وقفة أمام هذه القضية، ويبدو أنها طُرحت للجدل آنذاك، لذا حاولوا تبريرها بطريقتهم، قالوا: «إذا فكروا في حكم المواريث أن لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فيرون أن الصَّواب كان أن يكون للأنثى حظ الذَّكرين، لأن النِّساء ضعفاء قلائل الحيلة في اكتساب المال» (الرِّسالة الخامسة في ماهية الإيمان)، لكن بعد اكتساب المال لا بد من المساواة.
عموماً طُرحت القضية، حسب ما تقدم في القرن العاشر الميلادي كإشكالية وبالبصرة، حيث عاش إخوان الصفا، ومِنْ الأولى أن يقف أمامها أبناء القرن الواحد والعشرين، فمِنْ المخجل أن يُراد بالعراقيات العيش بلا قانون أحوال شخصية يساوي بينهنَّ في الأحكام وينصفهنَ.

  كتب بتأريخ :  الأحد 24-10-2010     عدد القراء :  2052       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced