طفولة تستغيث ...في أروقة المحاكم!
بقلم : ماجدة الجبوري
العودة الى صفحة المقالات

حين تطأ قدمك باب محكمة الكرادة تستقبلك المياه الاسنة والحفر، بعدها تلاقيك نقطة تفتيش في الباب الرئيس، واحدة للرجال، والاخرى للنساء، وبعد ان تسير عبر ممر ضيق فيه طوابير من الناس لترويج معاملاتهم من قبل "العرضحالجية" وما اكثرهم، وباعة يصطفون لبيع الماء والمشروبات الغازية، والبسكويت واشياء اخرى، ثم نقطة تفتيش آخرى، بعدها بناية المحكمة.

حين دخلت الباحة، أثار انتباهي منظر غريب بعض الشيء، أطفال بمختلف الاعمار، نساء ورجال، عوائل تفترش الارض، منهم من هو واقف، او يستند على سيارات أحد الموظفين او على جدار،  ماعدا "ثلاث مساطب" متباعدة،  سعيد الحظ من حظي بالجلوس عليهن!.
قلت بيني وبين نفسي يمكن تجمع الناس هنا لغرض ترويج معاملات او لعقد زواج، ولكن فضولي دعاني ان اعرف سبب هذا التجمع، فذهبت مباشرة نحو نسوة واطفال يلعبون حولهن، سألت امرأة في عقدها الستين تقريبا: من فضلك خالة، ليش كاعدين أهنا؟  ضحكت المرأة واجابتني بسؤال: انت اشتشتغلين؟ اجبتها: صحفية. قالت: عيني هاي "للمشاهدة". وأضافت: هاي الاطفال، اباؤهم وأمهاتهم مطلقون، وحكمت المحكمة، للآباء بمشاهدة اطفالهم ساعتين، كل اسبوعين مرة، داخل المحكمة.
ثم بادرتها بسؤال: زين انت اشعندج أهنا؟ قالت: "عندي بنتي المظلومة، تزوجت من قريب لها، منذ سبع سنوات، راواها الويل!  يضربها، ويهينها يوميا، اخر مرّة، سبب لها عاهة في احدى عينيها، لا ترى الان بها، ثم جلب لها "ضرة".
سألتها اين ابنتك؟ اشارت الى امرأة شابة في عقدها الثلاثين، وهي تتحدث مع رجل، أشارت الام، انه زوجها!.
ثم اكملت حديثها، أقام عليها دعوى يريد الطفلة، وبعد مراجعات طويلة عريضة حكمت المحكمة لها بالحضانة، ثم اردفت قائلة، يمّه هي هاي وضعية اللي عايشين بيه، ماكو مكان زين ايشوف بيه الاطفال اباءهم، الحكومة ماعدها مكان مال أوادم، بالصيف كاتلنه الحر ونجلس على الصبّه بالتراب، وبالشتاء تمطر علينه الدنيه، معقوله الدوله ماعدها حل ثاني؟".

حلمها الوحيد ... حريتها
زهراء شابة جميلة، تجلس بالقرب منّا كانت تستمع لحديثنا، الى جانبها والدتها، كانت قد جلبت طفلتها لترى والدها، علقت بتهكم: حتى نفسية الاطفال تتحسن! سالتها ما هي مشكلتك؟ اجابت بمرارة وحسرة، حظي العاثرورطني ويه واحد ميخاف  الله وماكو رحمة ابداخله. قلت هل هو من اقربائك؟ اجابت: لا. القسمة يا اختي جابتني عليه. واكملت: البنت منه تتمنى الستر وبناء اسرة. آني موظفة، كنت وحيدة امي وأبي والمدللة لعائلتي، تعرفت على زوجي عن طريق صديقة لي، ثم تزوجنا وانجبنا طفلتنا هبة، اول شيء قام به هو اجباري على ارتداء الحجاب، ولبس "البوشي"، قلت ميخالف أتحمل، بعد زواجنا بفترة قصيرة تغيرت معاملته لي، بدأ يضربني، يتحجج ويتفنن في خلق المشاكل، يضربني ولأتفه الأسباب مثلا اذا رأى الحنفية تقطر ماء، او طفلتي تلعب وتصدر صوتاً، او عدم ارتدائي للجواريب!.
سألتها: كيف يضربك؟ اجابت: اولا يقفل الابواب، ويحاصرني في غرفة ويبدأ بضربي، مرّة بدأ يضربني من الساعة السادسة مساءً الى الساعة الواحدة صباحا، ورفعت يدها لتريني اصبعا من يدها مبتورة، قالت هذه أفعاله!.
واكملت حديثها: زوجي لديه مطعم، لبيع الفلافل، وفي بيتنا "مثرامه" لهذا الغرض، في احد الايام، قال لي وبتودد: تعاي ساعديني في الثرم، لم اعرف حينها مايبيته لي، ثم وضع اصبعي في المثرامه وفتح زر الكهرباء، رأيت الموت في عيني، صرخت وفقدت الوعي لحظتها، وبعد نقلي الى المستشفى، لم يستطيعوا فعل شيء لأصبعي،  مما اضطرهم لبتره!.
وتضيف زهراء، سرق طفلتي مني، وذهب الى محافظة أخرى، لم أرها لمدة سبعة اشهر، كان يعذبني من خلالها، مثلا يتلفن لي، أتوسل به لأسمع صوتها، فيجيبني، تحلمين أتشوفيها مرة ثانية، لم تستطع زهراء منع دموعها، وفي داخلها حسرة وألم!
وتواصل حديثها قائلة: عشت في عذاب وألم من فراق طفلتي، بقيت اتحرى، وأسال عن مكان تواجده الى أن اهتديت اليه، ذهبت الى المكان وأخذت الطفلة بدون علمه، ثم أقمت عليه دعوى قضائية، وأصبحت الطفلة في حضانتي.
واضافت زهراء" لم اصدق يوما، انني سوف اتخلص من عذابه ووحشيته، نذرت النذور للحصول على الطلاق، أزيح هم كبير من روحي وقلبي، وبدأت حياتي من جديد، اشتريت سيارة، أسوقها بنفسي، غير خائفة، بينما هو لم يغير من أسلوب حياته. قبل فترة ليست ببعيدة  وأثناء زيارة هبة له في داخل المحكمة  سألها: هل اشترت أمك سيارة؟ اجابته بخوف وعفويه: لا. كانت ردة فعله ان ضربها بقوة على وجهها. بكت خوفاً حد التبول على نفسها، حينها شكوته في المحكمة واخبرت القاضي بذلك، ولكن لم يفعل له شيئا سوى التأنيب!.
واشارت زهراء الى ان ابنتها تخاف من والدها بشدة، وتقول لأمها يوم "المشاهدة هم تأخذيني لهذا الظالم" اشارة الى والدها؟.
روان، زهراء، علي، هبه، أحمد، أطفال يلعبون ببراءة بين السيارات، يدورون هنا وهناك، وينظرون بعيون حزينة، يركضون مرة حول الاب، ومرة  حول الأم، في حين يجلس ألآباء في جهة، والأمهات في الجهة الاخرى.
اطفال يبحثون عن الحب الضائع، وينشدون الدفء في ظل محكمة وحكومة لم توفر لهم ابسط الامور من مكان نظيف يؤويهم لساعتين فقط كل اسبوعين، يساعدهم على الخروج من وضعهم غير الطبيعي، بفقدانهم أحد الوالدين.
بعض الأمهات يراقبن أطفالهن خوفا من ابتعادهم ، خوفاً من أن يكون مصيرهم كما حصل مع هبة.
منظر لا يسر، عدواً ولا صديقاً، عوائل تتمرغ في التراب وكلهم يجلسون في شارع عام  في حالة مزرية، في حين من الممكن توفير قاعة كبيرة على الاقل فيها العاب للاطفال، كراسٍ يجلس عليها الاهالي مراعاة لظرف الاطفال وما يمرون به من فقدانهم احد الابوين رغم انه مازال معهم في هذه الحياة.

  كتب بتأريخ :  الأحد 24-10-2010     عدد القراء :  2325       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced