سيكولوجيا الأقصاء والأقليات الدينية والعرقية الميكانيزم والأعراض
بقلم : د.عامر صالح
العودة الى صفحة المقالات

( أن يكون المرء لينا هو أن يكون أنقى من الثلج وأروع من اللؤلؤ)
                                  فرانسيس بيكون

أن السياسة لا تستطيع القضاء على الدين,فهذا لا تقدر عليه أبدا لأنها ليست أسباب وجوده,وبالتالي فأن ديالكتيك العلاقة بين الدين والسياسة غير متوفر,وليست على نسق علاقة السبب بالنتيجة.وعندما تصبح الظاهرة غير قابلة للدراسة ضمن هذا المنظور,عندها يكون قضاء الأول على الثاني لحن نشاز.ولكن تستطيع السياسة تقضي أو تحد من نفوذ السلطة الزمنية أو على النفوذ السياسي لرجال الدين.وتجربة النظام السابق في العراق أو نظم أخرى في أنحاء العالم المختلفة لم تستطيع القضاء على الدين ولا على مذاهبه المختلفة.ولكنها بالتأكيد تمكنت من الحد من نفوذ رجال الدين في السياسة وفي الحياة العامة.أذا كنا مقتنعين بحقيقة ذلك,أذن لماذا تتجدد نوبات الإقصاء من جديد!!!.ولكنها هذه المرة بثوب آخر,حيث الديني يقصي الديني,وكلاهما كان واقعا تحت طائلة الإقصاء .فهل أخذ الديني فسحة أكثر مما ينبغي لكي يقوم بإقصاء الأخر الديني الذي لم يتمكن من شغل نفس الفسحة بفعل كينونته الموضوعية. ومن يمتلك الحق في ذلك!!!!.
للمرء أن يدعي أيمانا أفضل من غيره,فحكم ذلك عند ربه,والأعمال هي المقياس الأول والأخير لمدى أيمان يحق
الفرد وأفضليته.وفي النصوص القرآنية ما يكفي لفهم ذلك,ففي سورة الإسراء,الاية84 (قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا),وفي سورة الشعراء وفي الأيتين89,88 على التوالي(يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم).أما السنة النبوية فتزخر بالتأكيد على ضرورة الأعمال والتقوى باعتبارهما حدا فاصلا بين الأيمان وعدمه.يقول النبي(ص)"إنما الأعمال بالنيات,وإنما لكل امرئ ما نوى"وفي حديث آخر"لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى".أذن هذا هو الحكم المعلن للسماء وللسنة النبوية .
من أحكام الأرض فلا يحق لأحد أن يفرض دينه أو أيمانه على الآخرين,مهما ظنه صحيحا.وليس لأحد أن يمنع الآخرين أما
من ممارسة أيمانهم مهما ظنه خاطئا. تلك هي حرية العقيدة التي نادت بها الثورة الإنسانية الأوربية التي قامت على أنقاض
سلطة الكهنوت الديني التي قامت على أساس صكوك الغفران,والتي مارست إرهابا دينيا واستبداداً وتعسفاً وجمود فكري ومعاداة للتقدم ,جسدتها محاكم التكفير,والتي كلفت اوربا ملايين الضحايا,حيث ارتكبت أبشع جرائم القتل والتعذيب الجسدي والنفسي.ومن يزور متاحف اوربا الخاصة بالقرون الوسطى يجد ما يجده من أدوات التعذيب الجسدي التي استخدمت آنذاك(منشار يقطع الجسد إلى نصفين,عجلة حديدية بأسنان طويلة مدببة تثرم الجسد,كرسي بمسامير طويلة في المقعد والتكية وأسياط بسكاكين صغيرة....الخ),عدا عن ما ينقله لنا التاريخ المكتوب من بشاعة التنكيل من شوي للجسد وتعليق على الأبنية ,وقلع للعيون,ومحارق جماعية للرجال والنساء والأطفال.هذا هو الإرهاب الديني الذي استخدم ضد أبناء العقيدة الواحدة وضد العقائد الأخرى.أن ثمن الحرية في أوربا كان غاليا في توضح حدود العلاقة بين الدين والسياسة وفي احترام الحريات الشخصية والمعتقدات الدينية على السواء.
أن التجربة التاريخية تؤكد أن مصداقية أي نظام اجتماعي وسياسي يقوم على أنقاض نظام سياسي آخر هو الاتجاه الأمثل نحو إشباع حاجات أفراده وأن سعادة الإنسان هو المقياس الأفضل لمصداقية أي نظام وذلك هو منطق التاريخ. وعلى ذلك أيضا اتكأت ونشأت الحركات الدينية وأضفت على نشأتها الأولى بعدا ثوريا وإبداعيا في مقارعة الظلم والفساد والعبث في الارض.وعلى هذه الخلفية أيضا نشأ الإسلام تاريخيا على مبادئ دستورية هي:الشورى,والحرية,والمساواة والعدالة,وأن هذه المبادئ قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان وهو مضمون صالح جدا والاختلاف فقط في آليات التنفيذ.
واعتقد من هذه المنطلقات الأساسية العامة والمجردة من أي لون ديني لايهم هنا معرفة دين او مذهب زيد او عمر,ومن المنطقي والمهم ان نعرف بيئته الاجتماعية,وموقعه في علاقات الإنتاج,ونشأته واتجاهه السياسي.وتجربة تأريخنا العربي والإسلامي والعالمي القديم والمعاصر تشير بوضوح الى ان الكثيرمن الحكام المسلمين من كان ولا يزال مستبدا,وكم من غير المسلمين من كان ولا يزال عادلا والعكس صحيح.أما عدا ذلك فيغدوا الدين وراثيا  و مطلوبا لذاته دون اعتبار لتغير المحتوى وفقا لتغير الزمان والمكان,وتصبح الممارسة الدينية الشكلية هي المطلب الأول ويصبح الدين فقط مجرد عادات ومشاعر وطقوس على مدار العام.ويفرغ الدين من محتواه الثوري الذي كان سببا في نشأته الأولى.
أن قيام نظام سياسي يؤمن بالديمقراطية والتعددية بكل أبعادها السياسية والدينية والعرقية يعني بالضرورة الابتعاد عن  الخندقة الدينية والمذهبية والذي يسمح لمكونات البوتقة الوطنية بالتنوع في أطار خصوصيات مكوناتها والتعبير عن نفسها,الأمر الذي يسهل على النظام السياسي الجديد أن يؤتي ثماره سريعا في عملية الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
وخلاف ذلك فأن الخندقة الدينية للنظام السياسي وما تسوق ورائها بالضرورة من خندقة مذهبية يعني بالتأكيد ان يلحق الغبن والتميز الديني والمذهبي لقسم هام وغير قليل من المواطنين,وهذا ناتج من ان النظام السياسي المتخندق مذهبيا يتخذ من دينه ومذهبه إطاراً مرجعيا ومحكا لتقيم دين ومذهب الآخر.وهو خلاف المفهوم العصري للدولة التي لا تعرف المواطن الا من خلال الأوراق الثبوتية التي تشير الى اسمه الثلاثي او الاسم واللقب,أي رمزيته وخصوصيته في سجل الأحوال المدنية.أما خلاف ذلك فنأتي بأفعال تدفعنا الى البحث(النبش)والتنقيب عن دين الآخر ومذهبه,ونذهب بعيدا في فحص أوراقه الثبوتيه
للتأكد من( سلامته)الدينية والمذهبية من خلال أسمه وأسم عائلته.وفي ذلك تجاوزا على حريته الشخصية وحرية معتقده ,والتي يفتخر بهما أي نظام ديقراطي.
ونحن نعرف ان الدين والمعتقد الديني هو حرية شخصية قد تعجبني وقد لا تعجبك,والجميع ورثها من آباءه وأجداده,فأنا شيعي,وانت سني,وهذا مسيحي,او صابئي او يزيدي.ولا اعتقد أن احد منا بذل جهدا استثنائيا لكي يدرس حقيقة أنتماءه الديني او المذهبي لكي يفضي الى تغيره, اذا ما توفرت القناعة لديه,بل نبحث عن أدلة لتكريسه,لأنه مكون جمعي.وبالتالي نرثه كما نرث خصائصنا الوراثية: لون العينين,شكل الأنف,لون الشعر,طول القامة وهكذا.....الخ.
وعندما يسمح النظام السياسي لنفسه في الخندقة الدينية والمذهبية فأنه بالضرورة دفع الاخر الديني والمذهبي إلى حصر الزاوية.وبهذا يكون قد عرض مكونات النظام الاجتماعي الى عملية اغتراب سياسي,تتجلى في ذهنية الأقليات المبعدة بأن هذا النظام ليست نظامه,بل أنه احد أسباب شقائه واضطهاده. ويكون هذا بدوره مصدرا لأغترابات أوسع تطال مجالات الحياة المختلفة. فعلى المستوى الاقتصادي يشعر الفرد أنه ليست جزء من علاقات الإنتاج الوطنية ومغتربا عنها؛وهو ليست جزء من النسيج الاجتماعي ,بل طارئا عليه او مشوها بأنتمائه اليه؛  مغتربا بعمله,حيث يشكل العمل الفعالية التي تمتع الإنسان وتمتع حواسه وبالتالي يحس بالاغتراب عنه.وهنا قد نلتقي مع تعريف أستوكلز للاغتراب:" أن الاغتراب ينشأ من خبرات الفرد التي يمر بها مع نفسه ومع الاخرين,ولا تتصف بالتواصل والرضا ويصاحبها كثير من الأعراض مثل العزلة والإحساس بالتردد والرفض والانسحاب والخضوع".ويحصل ذلك بفعل صدمة الاقصاء المتواصلة التي يتعرض لها الفرد والجماعة.وتتضح أبعادها وانعكاساتها في ابرز الملامح الاتية:فقدان الشعور بالانتماء لفقدان الروابط النفسية مع المجتمع المحيط به؛عدم القدرة على التكيف مع المعايير لانها معايير ازدواجية؛العجز وعدم القدرة على الوصول للنتائج التي يسعى اليها الفرد,نتيجة لغياب الأطر النفسية المواتية للدائرة الاجتماعية المحيطة والتي تعتبر مصدرا لا غنى عنه في الوصول الى النتائج؛عدم الإحساس بالقيمة,حيث ان قيمة الفرد لا يمكن الإحساس بها ذاتيا الا من خلال انعكاسات البعد الاجتماعي في صيرورتها؛فقدان الهدف,أي عدم وضوح الأهداف لدى الفرد وعدم مقدرته على وضع اهداف لنفسه وعدم معرفته بالغاية من وجوده؛فقدان المعنى وعدم قدرة على فهم الجوانب المتصلة به,فلا يدرك معنى لحياته او وجوده ولايجد ما يعيش من أجله؛ فقدان الامن النفسي والاجتماعي,حيث يشعر الفرد ان الامن العام ليست مكرسا لحمايته,بل للإطاحة به,وبالتالي يضع الأمن النفسي للفرد عرضة لانتكاسات مزمنة,قد تتضح اعراض ذلك في مختلف الاضطرابات النفسية العصبية كالقلق,الضعف العصبي,الهستيريا,الخواف,توهم المرض,اعصبة الوساوس والقهر,الاكتئاب,والتفكك وغيرها؛او قد تبدو في صورة ذهانيات خطره ,كالفصام,والهذاءات (البارانويا),والهوس او ذهانيات الهوس والاكتئاب وغيرها.
وفي بلد مثل العراق كان من المفترض ان يأتي التغير السياسي الذي حصل عام 2003 (رغم ولادته القيصرية)بتغير جذري في كل مفاهيم الحكم والسياسة ويجسد فكرة الديمقراطية التي هدفها إشراك الجميع بعيدا عن التميز العرقي والطائفي والمذهبي ويعمل على بعث الصحة النفسية والعقلية في المكونات الاجتماعية.فأن لم تكن الاستفادة من الدول المرجعية التي أنشأت ديمقراطيات مستقرة,فمن قوانين السماء التي تكره العبودية والاستغلال والتميز بين البشر,وتؤكد ان مقياس الإنسان الصالح هو أعماله وليست دينه.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 27-04-2009     عدد القراء :  2424       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced